إيران وإثيوبيا: ما يوحده القمع لا تفرقه المذاهب

إيران وإثيوبيا: ما يوحده القمع لا تفرقه المذاهب

إيران وإثيوبيا: ما يوحده القمع لا تفرقه المذاهب


10/05/2023

تمثل إثيوبيا نقطة ارتكاز جيواستراتيجية حيوية للسياسة الإيرانية؛ بوصفها البوابة الرئيسية لشرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي، ممّا دفع طهران تجاه التواصل مع إثيوبيا، والتي كانت أول دولة تتصل بها في أفريقيا جنوب الصحراء، في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي، الذي ظلّ أقرب حليف للشاه في القارة السمراء حتى سقوطه في العام 1974.

وشهدت العلاقات بين طهران وأديس أبابا تطوراً ملحوظاً في عهد رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي حرص على انتهاج سياسات ودية تجاه إيران، منذ العام 2018، حيث دافعت إثيوبيا عن حق إيران في امتلاك السلاح النووي، ولم تُبدِ معارضة للدور الإيراني في اليمن.

قمع شعب تيغراي

ربما كانت علاقات إثيوبيا المتوترة مع جيرانها، وعزلتها النسبية عن المبادرات السياسية والأمنية، التي تقوم بها دول الجوار المطلّة على البحر الأحمر، بالتزامن مع تفاقم الخلافات فيما بينها وبين مصر والسودان حول سد النهضة، كلّ هذا ربما دفع إيران تجاه الاستحواذ السياسي على الصيد الثمين، وبالمثل دفع ذلك الواقع رئيس الوزراء آبي أحمد لبناء علاقات مع شريك إقليمي قوي، حيث بات واضحاً أنّ إثيوبيا الآن هي جزء من مخطط أكبر لتصدير النفوذ الإيراني خارج الحدود.

كانت نقطة التحول في العلاقات بين البلدين هي المساعدات العسكرية التي قدّمتها إيران لإثيوبيا، إبّان صراع النظام الحاكم مع جبهة تحرير تيغراي، فقد ارتأت إيران أنّ الفرصة باتت مناسبة لبناء عمق استراتيجي في المنطقة من خلال أديس أبابا؛ وبالتالي تعزيز نفوذها، ومن ثمّ الانخراط في مناورات جيوسياسية في أفريقيا، مع احتواء خصومها وتطويق القوى المنافسة.

تمثل إثيوبيا نقطة ارتكاز جيواستراتيجية حيوية للسياسة الإيرانية

وفي ظل التوتر الذي يضرب منطقة القرن الأفريقي، دخلت طهران إلى الساحة الإثيوبية عبر تقديم خدماتها في مجال مكافحة الإرهاب، ومواجهة التيارات المعارضة، وبالمثل تلقفت إثيوبيا العرض الإيراني؛ بهدف مواجهة تسلل الحركات الإرهابية الموجودة في الصومال، وعلى رأسها حركة الشباب، وكذا مواجهة التسلل إلى أراضيها عبر الحدود السودانية.

إيران حاولت تكوين مراكز قوى تابعة لها في منطقة الصراع الإثيوبي في تيغراي، في أعقاب القتال الذي اندلع بعنف في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، بعد أن تعرضت قوة الدفاع الوطني الإثيوبية لهجوم شامل من قبل جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF)، التي نجحت في أعقاب ذلك في الاستيلاء على ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي.

نقطة التحول في العلاقات بين البلدين هي المساعدات العسكرية التي قدّمتها إيران لإثيوبيا، إبّان صراع النظام الحاكم مع جبهة تحرير تيغراي، فقد ارتأت إيران أنّ الفرصة باتت مناسبة  لبناء عمق استراتيجي في المنطقة

إثيوبيا تجاهلت المساعي الغربية، بناء على تحريض من إيران،  لتقديم المساعدات الإنسانية للإقليم، بينما واصلت إيران نهج استغلال الفرصة لجلب إثيوبيا إلى دائرة نفوذها، باعتبارها أهم أسواق السلاح في القارة، حيث يمكن لإيران منافسة إسرائيل وتركيا على تصدير السلاح لإثيوبيا، خاصّة بعد أن رفضت تل أبيب طلباً من أديس أبابا لتزويدها بطائرات كاميكازي بدون طيار.

وبالفعل، أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أنّ إيران تزيد من حدة الصراع في الإقليم، من خلال تقديم المساعدات العسكرية للحكومة الإثيوبية. وتؤكد تقارير متعددة أنّ إيران شرعت في إنشاء جسر جوي إلى إثيوبيا لمساعدة أديس أبابا في الصراع، مع تزويدها بطائرات بدون طيار، وزودتها كذلك بخبراتها الطويلة في مجال القمع، وانتهاك حقوق الإنسان.

الحكومة الإثيوبية رفضت التقارير التي تفيد بأنّها تلقت معدات عسكرية من إيران، لكنّ الطائرة الإيرانية من دون طيار (مهاجر 6) ظهرت في مقطع فيديو لرئيس الوزراء آبي أحمد في مطار سيميرا، في منطقة عفار بالقرب من تيغراي، في أوائل آب (أغسطس) 2021. ولم تؤكد إيران ما إذا كانت قد أرسلت طائرات بدون طيار إلى إثيوبيا أم لا، لكنّ وكالة أنباء تسنيم التابعة للحرس الثوري الإيراني قالت إنّ طائرة (مهاجر 6) التي تم رصدها في إثيوبيا، تشبه الطائرات بدون طيار التي سلمتها إيران إلى الحشد الشعبي في العراق وفنزويلا.

تسعى إيران في الآونة الأخيرة تجاه إطلاق رحلات جوية مباشرة بينها وبين أديس أبابا؛ بهدف تعزيز العلاقات الثنائية، لا سيّما في مجالات الاستثمار والسياحة والتجارة

يأتي ذلك بالتزامن مع قيام الأمم المتحدة بتخفيف القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة الإيرانية في تشرين الأول (أكتوبر) 2020. وتؤكد مصادر إخبارية مقربة من الحرس الثوري الإسلامي أنّه إذا كانت الطائرات بدون طيار الإيرانية يمكن أن تساعد في قمع  تمرد تيغراي، فإنّ هذا النجاح سيجذب عملاء جدد للأسلحة الإيرانية في أسواق أفريقيا المربحة.

مدّ شبكة المصالح الاقتصادية

تسعى إيران إلى حماية تأثير قوتها الناعمة في الاتحاد الأفريقي، الذي يوجد مقره في أديس أبابا، فضلاً عن حماية اتفاقية ثقافية طويلة الأمد مع إثيوبيا، ما زالت سارية المفعول منذ العام 1989، وكذا الترويج للإسلام الشيعي، حيث يبلغ عدد المسلمين في إثيوبيا نحو (35) مليوناً، نحو 40% منهم شيعة، وقد لوحظ صعود المد الشيعي في إثيوبيا تحت تأثير المدارس الدينية الإيرانية.

وتتعدد أهداف إيران في إثيوبيا؛ فهي تسعى تجاه تعزيز التجارة في أسواق أفريقيا المستقبلية، باعتبار إثيوبيا واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في أفريقيا في الأعوام الأخيرة، كما أنّها تُعدّ الوجهة الأولى للصادرات الإيرانية من السلع والخدمات.

الحكومة الإثيوبية رفضت التقارير التي تفيد بأنّها تلقت معدات عسكرية من إيران

وتتطلع طهران كذلك إلى تعزيز سبل التعاون مع إثيوبيا في مجالي التجارة والسياحة، حسبما أكد بهزاد خاكبور، السفير الإيراني في إثيوبيا، في مقابلة حصرية مع وكالة الأنباء الإيرانية، والذي قال: إنّ الإمكانات التجارية بين البلدين ضخمة للغاية، مشيراً إلى حجم المنتجات الزراعية التي تستوردها إيران سنوياً من الخارج، والتي تُقدّر بنحو (8.5) مليارات دولار أمريكي. وذكر السفير أنّه تم تحديد (8) منتجات زراعية محتملة في إثيوبيا، يمكن للمصدرين تداولها مع شركائهم الإيرانيين.

وأشار إلى أنّه إذا عمل البلدان بقوة لاستغلال هذه السوق الضخمة، فقد تصدر إثيوبيا ما قيمته (300) مليون دولار من المنتجات الزراعية إلى إيران سنوياً. وذكر كذلك أنّ إيران سوق محتملة لقطاع السياحة الإثيوبي.

وتسعى إيران في الآونة الأخيرة تجاه إطلاق رحلات جوية مباشرة بينها وبين أديس أبابا؛ بهدف تعزيز العلاقات الثنائية، لا سيّما في مجالات الاستثمار والسياحة والتجارة، الأمر الذي يوفر فرصاً لرجال الأعمال والمستثمرين الإيرانيين للقدوم إلى إثيوبيا.

وكانت طهران قد أشادت بالإصلاح السياسي والاقتصادي الجاري في إثيوبيا، وأعربت عن اعتقادها بأنّ جميع الأطراف في البلاد، بما في ذلك الحكومة، ستكون قادرة على تعزيز عملية التحول الديمقراطي بشكل مميز.

مواضيع ذات صلة:

بعد تجدد التوتر بين السودان وإثيوبيا.. ما السيناريوهات المحتملة للأزمة؟

إثيوبيا والصراع الأهلي... هل تنتصر المركزية أو الفيدرالية؟

ما هي تداعيات الحرب في إثيوبيا على القرن الأفريقي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية