عبدالله بشارة
أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أسبوعين تقريباً عن عودة سفيرها إلى إيران، لاستئناف عمله كسفير في طهران، بعد غياب سنوات طويلة لم تكن فيها العلاقات قائمة على الثقة والاطمئنان، وإنما كانت تتميّز بالحذر والشكوك في جدية طهران لبناء علاقات تتميز بالثقة والتعاون والرغبة في اتساع العمل في جميع المجالات.
وكنت مع غيري ندرك أن غياب الارتياح الخليجي من نوايا إيران سيبقي الأبواب مغلقة، ولا مجال لفتحها طالما استمرت إيران في البحث عن قواعد مساندة داخل المجتمعات الخليجية وخطورتها في تسخين النفس الطائفي والمذهبي، فلا يوجد مؤشر يوحي بتغيير النهج الإيراني تجاه الخليج.
كانت العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون تتفاوت بين حذر وتحفظ، وبين الحفاظ على الخطوط العامة في العلاقات من دون حميمية ومن دون اندفاع توظفه الخارجية الإيرانية لتسويق النهج الصادق في نواياها والملتزم بقواعد العمل الدبلوماسي، ويتحدث المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات إلى طهران، د. أنور قرقاش، عن أن عودة سفير الإمارات إلى طهران تأتي لخلق مناخ من الثقة والتفاهم والتعاون بين البلدين، ويضيف أن قرار القيادة بعودة السفير يأتي ضمن توجه الإمارات الإقليمي نحو ترميم الجسور وتعزيز العلاقات وتعظيم المشترك والبناء عليه لخلق مناخ من الثقة والتعاون والتفاهم، وأن قناعة الإمارات راسخة بضرورة العمل والتنسيق العربي والإقليمي من أجل منطقة مستقرة ومستقبل يزدهر.
في 14 أغسطس أعلنت الكويت تعيين سفير جديد في طهران، انسجاماً مع التحول الخليجي نحو تصغير المشاكل وحلها بالتفاهم، وتدشين مرحلة جديدة للعلاقات بين إيران ومجلس التعاون.
وانسجاماً مع هذه المستجدات في العلاقات الخليجية - الإيرانية، يعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن المحادثات مع الرياض كانت جيدة، حيث تم بحث الملفات الثنائية، وتم اتخاذ خطوات مهمة لإعادة العلاقات مع الرياض، ويضيف الناطق الرسمي أن الأجواء في المنطقة إيجابية، وأن إيران ترى أن الظروف جيدة ومطمئنة، وتثمّن إيران التعاون بين طهران والرياض ودوره في استعادة الهدوء.
وفي موازاة هذا التحرّك الخليجي، تتطور الاتصالات حول البرنامج النووي الإيراني، بعد أن قدمت المجموعة الأوروبية مقترحات يصفها المسؤول الإيراني بالإيجابية، لكنه يتخوّف من المواقف الأميركية التي قد تتحفظ على مقترحات المجموعة الأوروبية، بينما يصر الجانب الأميركي على الالتزام بشروطه، ومنها وضع الحرس الثوري كمجموعة إرهابية.
ويتضح من خلال التبدلات في مواقف إيران أن القيود الاقتصادية، التي وضعتها الولايات المتحدة، أثرت إلى حد كبير في الاقتصاد الإيراني، كما أفرزت المرونة التي صاحبت مواقف إيران لتقبل بعض الشروط الأميركية، ومن ضمنها ضبط سلوك إيران الإقليمي وتعاملها بحسن نية مع مجلس التعاون.
ونلاحظ من هذه التطورات أن الجديد في المواقف ليس محصوراً في إيران فقط، وإنما اقترب من الدبلوماسية الخليجية، التي كانت سابقاً تشكك كثيراً في نوايا إيران، وتتخوف من سلوكها الإقليمي المثير للطائفية من دون احترام للسيادة الخليجية، ومملوءة بإثارة الشغب والتحرش بالشأن الداخلي الخليجي.
ولم تسلم دول الخليج من العبثيات الإيرانية، بما فيها الكويت، التي تبنت دبلوماسية الاعتدال في توجيه الانتقاد لإيران، وراعت الأصول في علاقاتها مع طهران، مع حذر دائم، لكنها فوجئت بتدخلاتها عبر خلية العبدلي، التي انكشفت أسرارها وحجم تدخلات إيران في التأثير عليها.
ولم يتم الاتفاق حتى الآن على اللقاء، الذي سيجمع وزيري خارجية كل من إيران والمملكة العربية السعودية لإتمام خريطة الطريق التي ستكون وثيقة الالتزام بين الطرفين، دول الخليج وإيران.
كما لم يتأكد إدراج موضوع سلامة السلوك الإيراني الإقليمي على جدول الأعمال الخاص بمفاوضات البرنامج النووي الإيراني، وقد كان غياب هذا الموضوع عن الاتفاق الأميركي - الإيراني، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة بقرار من الرئيس ترامب، مبرراً لتحفظ دول الخليج على ذلك الاتفاق الذي لم تلتزم به إدارة الرئيس ترامب.
نلاحظ الإعياء بدأ يظهر على السلوك الإيراني الإقليمي، هناك انخفاض لصوت التحدي الإيراني، ولا شك بأن معاناة إيران من العقوبات الأميركية قد أصابت إيران في حيويتها وفي قدرتها على المواجهة السياسية، التي كانت علامة بارزة في الدبلوماسية الإيرانية قبل العقوبات.
والواضح أن إيران تستعجل الوصول إلى الاتفاق النووي، لأنه يعيدها إلى الشراكة مع الأسرة العالمية في الحد من انتشار الأسلحة النووية، ويوفر لها القبول الإقليمي والتواجد العالمي، وينزع عنها الحماس الثوري الراديكالي، ويعيدها إلى دبلوماسية الاتزان والانفتاح، ولا شك بأن هناك إدراكاً داخل إيران بأن الشعب الإيراني لن يعيش على الشعارات، ولا على الأحاديث الدينية، وإنما يسعى إلى إيجاد فرص عمل والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية مع علاقات إقليمية مثمرة وسلوك متناغم مع قواعد العمل الدبلوماسي.
والحقيقة أن المسؤولين في إيران يدركون أن الشرعية الداخلية للنظام تستند على الإيمان بدور الإمام المنتظر ودور المرشد في غيابه، وأن تفكيك هذا الهيكل الحاكم في طهران سيفتح أبواب الاجتهادات وقد يطيح بالنظام، ورغم هذه المخاوف، تدرك القيادة في طهران أن إيران الراديكالية لن تلبي طموحات الشعب الإيراني بالعيش بكرامة، وأن حقائق الحياة تفرض على القيادة الإيرانية حياة الاعتدال في الداخل والمشاركة الدبلوماسية وبشكل بناء في قضايا الإقليم.
وعندما نكتب عن مستقبل إيران، فلا مفر من معالجة ما تتحمله إيران من أعباء في العراق وسوريا ولبنان، فسياسة دعم «حزب الله» لن تفيد إيران، وإنما تعرضها للخسائر مادياً ومعنوياً وسياسياً، فلن يحقق لها «حزب الله» نصراً على إسرائيل، ولا ضماناً لدعم الشعب اللبناني لهذا الحزب وتوجهاته، ولن تتوقف اسرائيل عن ضربها لقواعد الحزب في سوريا، ولن يرتاح شعب العراق من النفوذ الإيراني الطاغي، ولن يتم توافق شعبي عراقي حول هذا النفوذ، والصوت السني العراقي قوي في رفضه لطغيان المصالح الإيرانية في العراق، وهناك الأكراد، مع انعدام الثقة بالمخطط الإيراني داخل العراق.
وهناك السيد مقتدى الصدر وقاعدته الوطنية العراقية تقف الآن معارضة طموحات إيران في إدارة الشأن العراقي.
وماذا عن سلوك إيران الإقليمي؟
تدرك إيران حساسية منطقة الخليج للأمن العالمي، وعلى علم بأن استقرار الخليج وأمنه جزء جوهري من الاستقرار وازدهار الأسرة العالمية، وأن تحرشات طهران في الأمن الخليجي تعرضها لمواجهة دولية جامعة، وقد أدركت القيادة الإيرانية هذه الحقائق، وتوصلت إلى قناعة باتباع سياسة تعاونية مع الأهداف الخليجية في الحفاظ على استقرار واحترام الممرات المائية الدولية، مع وقف التعرّض للبواخر التجارية وحاملات النفط.
هناك حرص من القيادة الإيرانية على ضرورة انسجام إيران مع ما تريده الأسرة العالمية في الحفاظ على أمن المنطقة، لأنه الطريق المضمون لعودة إيران وقبولها عضواً ملتزماً باستقرار الأسرة العالمية.
عن "القبس"