وسط توتر متصاعد بلغ ذروته الأسبوع الماضي بين طهران وواشنطن، وجهت إيران صفعة جديدة للجهود الدولية الرامية لإحياء اتفاق نووي تم إبرامه عام 2015 وساهم في كبح برنامج طهران النووي، بعدما منعت طهران التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أنشطة إيران النووية.
ونقلت وكالة "بلومبرغ" عن مراقبين ذريين دوليين قولهم: إنّ إيران تواصل منع التحقيقات الحاسمة مع تكثيف تخصيب اليورانيوم، ممّا اعتبرته الوكالة الإخبارية الدولية "ضربة جديدة" لجهود إحياء الاتفاق النووي.
وتشترط إيران إنهاء تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مصدر جزيئات اليورانيوم المكتشفة في عدة مواقع غير معلنة كجزء من أيّ اتفاق للتراجع عن أنشطتها النووية وإحياء اتفاق 2015، الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من القوى الدولية الكبرى، غير أنّهم عرضوا، في المقابل، تخفيف العقوبات إذا قلصت إيران إنتاج الوقود النووي، تاركين الباب موارباً أمام إنهاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقها في أنشطة إيران النووية، فقد أشارت "بلومبرغ" إلى أنّهم "يصرون على أنّ الأمر متروك للوكالة الدولية للطاقة الذرية لإعلان إنهاء التحقيق."
قلق متزايد
"قلق متزايد" عبّر عنه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو غروسي، قائلاً: إنّ "إيران لم تتعامل مع الوكالة بشأن قضايا الضمانات المعلقة".
وبحسب تقرير الوكالة الذرية الربع سنوي المكون من (3) صفحات، فإنّه لم يتم إحراز أيّ تقدم نحو حل قضايا الضمانات المعلقة مع إيران، فقد قالت الوكالة: "لم يكن هناك تقدم نحو حلها."
إلى ذلك، نقلت "بلومبرغ" عن دبلوماسي لم تسمه، ووصفته بالمطلع على تحقيق الوكالة الذرية، قوله: إنّ المحققين لم يجروا أيّ "تفاعلات جوهرية" مع إيران منذ الربع الثاني من العام الجاري، مشيراً إلى أنّ "إبقاء التحقيق مفتوحاً سيكون ضرورياً حتى تبدأ إيران في الرد على الأسئلة."
صورة قاتمة
بإصرار إيران على إنهاء تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية تضع إيران مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة حول برنامجها النووي على "حافة الهاوية" بعد نحو (18) شهراً من المحادثات، وفقاً لـ"بلومبرغ" التي قالت: "ممّا زاد الطين بلة أنّ تنفيذ اتفاقية جديدة لاستعادة اتفاق عام 2015 يصبح أكثر صعوبة كلما طال رفض إيران إجراءات التحقق الخاصة بالوكالة الذرية"، مشيرة إلى أنّ إيران بالفعل قد قلصت المراقبة منذ أكثر من عام، وأزالت الكاميرات من ورش أجهزة الطرد المركزي.
نقلت "بلومبرغ" عن مراقبين قولهم إنّ إيران تواصل منع التحقيقات الحاسمة مع تكثيف تخصيب اليورانيوم، ممّا اعتبرته "ضربة جديدة" لجهود إحياء الاتفاق النووي
وتخوض إيران مفاوضات مع بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا بشكل مباشر، ومع الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، لاستئناف العمل بالاتفاق النووي المبرم عام 2015، والهادف لمنع إيران من امتلاك السلاح الذري. وبدأت هذه المفاوضات في نيسان (أبريل) 2021 لإنقاذ الاتفاق المبرم بين إيران والقوى الكبرى، ثم استؤنفت في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) بعد تعليقها عدة أشهر.
وتوقفت المفاوضات بشكل كامل نهاية آذار (مارس) الماضي، على خلفية ما وصفه الإعلام الأمريكي بـ"عقبة" جديدة وضعتها إيران كـ"شرط" لإتمام الاتفاق، حيث تضغط طهران على واشنطن لرفع العقوبات وشطب الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكية، الأمر الذي اصطدم بمعارضة أمريكية داخلية، فقد وقّع (86) نائباً بالكونغرس الأمريكي خطاباً يُحذّر الرئيس الأمريكي جو بايدن من تلك الخطوة، ومنذ ذلك الحين يحاول الاتحاد الأوروبي إيجاد مخرج، وبذل محاولات لإنقاذ الاتفاق النووي.
بعد إشارات مبكرة متفائلة بأنّ العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة قد تستغرق أياماً، استسلمت الأطراف الآن لمزيد من التأخير، ممّا أدى إلى تأجيل المحادثات ومنع إيران من زيادة مبيعاتها من النفط الخام، وفقاً لـ"بلومبرغ".
قفزة في تخصيب اليورانيوم
في تقرير آخر مؤلف من (12) صفحة، قالت الوكالة الذرية: إنّ مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب قفز بنسبة 29% في الأشهر الـ (3) الماضية، مع استمرار طهران في توسيع كبير لقدرتها على إنتاج الوقود النووي.
وقال الدبلوماسي لـ"بلومبرغ": إنّ مفتشي الوكالة سيحتاجون ما لا يقلّ عن شهرين إلى (3) أشهر للتحقق من قدرة إيران على تصنيع آلات الدوران السريع التي تفصل بين نظائر اليورانيوم، وهو ضعف الوقت الذي كان سيحتاجه المراقبون في آذار (مارس).
تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يأتي بعد نحو أسبوع من إعلانها عن استئناف طهران لتخصيب اليورانيوم بنسب تقترب من تلك الخاصة بصنع أسلحة نووية، فقد أعلنت الوكالة، مطلع الشهر الجاري أنّ إيران قد بدأت تخصيب اليورانيوم باستخدام واحدة من (3) مجموعات من أجهزة الطرد المركزي المتطورة من طراز "أي آر- 6"، التي تم تركيبها مؤخراً في محطة تحت الأرض في نطنز.
تحت عنوان "آمال تحقيق اختراق في صفقة إيران تستمر في التلاشي"، قالت "سي إن إن": إنّ جهود إحياء الاتفاق النووي تواجه عقبة جديدة
ومثل المجموعة الأولى من هذه المجموعات الـ 3 التي يصل عددها إلى (174) آلة لكل منها، تستطيع المجموعة الثانية تخصيب اليورانيوم حتى درجة النقاء الانشطارية التي تقدّر بـ 5%، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أمّا الثالثة، فقد أشارت الوكالة إلى أنّه لم يتم تغذيتها بعد بمواد نووية".
الآمال تتبدد
تحت عنوان "آمال تحقيق اختراق في صفقة إيران تستمر في التلاشي"، قالت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية: إنّ جهود إحياء الاتفاق النووي تواجه "عقبة جديدة"، واعتبر مسؤولون أمريكيون، لم تسمّهم، أنّ رد طهران الأخير يشير إلى أنّها "ليست مستعدة للعودة إلى اتفاق في المستقبل القريب"، بعدما فشلت في التعاون في التحقيق في آثار مواد نووية غير معلنة، في إشارة إلى تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتتبادل إيران والولايات المتحدة الأمريكية الردود عبر الاتحاد الأوروبي على اقتراح قدّمه كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، حيث أرسلت طهران ردها الأولي في منتصف آب (أغسطس) الماضي، وردّت عليها واشنطن بعد حوالي أسبوع.
والخميس الماضي، أرسلت إيران أحدث ردودها، الذي وصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأنّه "غير بنّاء"، وفقاً للشبكة الإخبارية الأمريكية، وأشار بوريل الإثنين الماضي إلى أنّه "أقلّ ثقة" فيما يتعلق بآفاق التوصل لاتفاقية حول الاتفاق النووي، قائلاً: "يؤسفني أن أقول إنّني أقلّ ثقة اليوم ممّا كنت عليه قبل (28) ساعة... إزاء احتمالات إبرام الاتفاق الآن... الآراء الأخيرة لا تتقارب بل تتباعد، والمواقف لا تتقارب، على العكس، إنّه أمر مقلق للغاية إذا لم يحصل تقارب خلال (المفاوضات)، فإنّ العملية برمّتها في خطر".
مواضيع ذات صلة:
- مفاوضات فيينا على سرير الموت: ما مصير نووي إيران؟