إيران ترأس مجلس حقوق الإنسان: هل هي "مزحة سمجة"؟

إيران ترأس مجلس حقوق الإنسان: هل هي "مزحة سمجة"؟

إيران ترأس مجلس حقوق الإنسان: هل هي "مزحة سمجة"؟


08/06/2023

"تعيين المندوب الإيراني رئيساً لمنتدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة". هذا العنوان الخبري، الذي لا يحتمل تأويلات كثيرة أو يشي بغموض إنّما يبعث على الامتعاض والغرابة، وربما، السخرية، كان يحتاج إلى مراجعة مرهقة عبر محرك البحث "غوغل" للتأكد من صحته عبر أكثر من مصدر.

الغموض والسخرية وأشياء أخرى

لم يكن الأمر صعباً أو مرهقاً. بالعكس كان الخبر مؤكداً عبر وكالة الأنباء الرسمية في إيران "إرنا"، في نسختها الفارسية، وقد أكدت أنّه تم تعيين السفير والممثل الدائم لجمهورية إيران الإسلامية لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، علي بحريني، كرئيس دوري للمنتدى الاجتماعي، لعام 2023 لمجلس حقوق الإنسان، المقرر عقده في تشرين الثاني (نوفمبر).

ومع تلاشي الشكوك أمام خبر تؤكده المنصات الرسمية، فإنّ الانطباعات الأخرى لا تخرج من حيزها، خاصة مع التقارير الأممية التي لا تكف عن انتقاداتها الموثقة بشأن الوضع الحقوقي في إيران، بداية من الاعتقالات العشوائية، وكذا التعذيب الممنهج، والخطف القسري، مروراً بالاعترافات القسرية عبر شاشات التلفزيون، وحتى الإعدامات العلنية التي تحتل فيها طهران المرتبة الثانية بعد الصين. فهذا التعيين، الذي وصفته وكالة الأنباء الرسمية بإيران باعتباره "الأول لمسؤول في الجمهورية الإسلامية"، تزامن مع تقارير حقوقية، محلية وأجنبية، تؤشر إلى تدني مستوى الحريات، وغياب أيّ حقوق في ظل نظام الملالي.

ومن بين أبرز التقارير الحقوقية، تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي قال، نهاية الشهر الماضي، إنّه سيدشن جلسة خاصة بشأن "وضع حقوق الإنسان المتدهور" في إيران.

مسعود محمد: هذه مزحة سمجة

ووفق الناطق بلسان المجلس المختص بالقضايا الحقوقية في الأمم المتحدة، رولاندو غوميز، فإنّ الجلسة ستعقد بناء على طلب رسمي من ألمانيا وآيسلندا، وبدعم من 49 دولة. فيما تحدث مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن "تزايد الوفيات الناجمة عن الاحتجاجات في إيران... وتشديد استجابة قوات الأمن"، الامر الذي "يؤكد الوضع الخطير في البلاد". وتابع: "نحث السلطات (الإيرانية) على معالجة مطالب الناس بالمساواة والكرامة والحقوق، بدلاً من استخدام القوة غير الضرورية لقمع الاحتجاجات. لا يزال الافتقار إلى المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران مستمراً ويساهم في تزايد المظالم".

المدير التنفيذي لمرصد الأمم المتحدة: إنها صفقة سيئة للغاية على حساب إهانة ذكرى آلاف الأبرياء الذين تم اعتقالهم بوحشية وتعذيبهم وإعدامهم من قبل النظام الإيراني

ومع تقرير الأمم المتحدة، أشار موقع "هرانا" التابع لنشطاء حقوق الإنسان الإيرانيين، إلى أنّ أعداد قتلى الاحتجاجات وصل نحو 434 شخصاً، منهم 60 طفلاً. ولفت إلى أنّ عدد المعتقلين يتجاوز 17 ألف شخص، مضيفاً أنّ 155 مدينة إيرانية انتقلت لها عدوى التظاهرات خلال الشهرين الأخيرين.

صفقة مشبوهة

ومع تنامي القبضة الأمنية في إيران، منذ أيلول (سبتمبر) العام الماضي، إثر مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد دورية "شرطة الأخلاق"، فإنّ الخطاب الرسمي ضغط على قضية "الاجانب" باعتبارهم القوى المعادية للنظام والمحرضة لخروج التظاهرات. وتجدد اعتقال 40 أجنبياً وفق الناطق بلسان السلطة القضائية الإيرانية، مسعود ستايشي، والذي قال إنّه "اعتُقل 40 مواطناً أجنبياً، حتى الآن، بسبب ضلوعهم في الاحتجاجات".

من المتوقع أنّ تنعقد جلسات المنتدى الاجتماعي لمجلس حقوق الإنسان في جنيف بين يومي 2-3 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بهدف تمهيد الطريق للدول الأعضاء والممثلين المشاركين لتبادل وجهات النظر حول دور العلم والابتكار والتكنولوجيا في تعزيز حقوق الإنسان، لا سيما في حقبة ما بعد وباء فيروس كورونا.

لكن، وقبل أيام، قال المدير التنفيذي لمرصد حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، هليل نوير، إنّه باشر بتقديم طلب لإلغاء رئاسة إيران للمنتدى الاجتماعي لمجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية، موضحاً أنّه يحث سائر دول العالم على ضرورة دعم هذا الطلب. وسبق للمرصد، منذ الإعلان عن تعيين بحريني في منصبه الجديد، أن أعلن عن البدء في جمع توقيعات لإلغاء هذا القرار.

الناشط السياسي الصحفي مسعود محمد لـ"حفريات": حوادث الإخفاء القسري، والتعذيب، فضلاً عن أشكال أخرى من الممارسات العدوانية، تم تعميمها بواسطة قوات الأمن والأجهزة القمعية بإيران

وقال نوير "إنّ إيران، التي تم تعيينها رئيسا للمنتدى، أعدمت 3 متظاهرين، بالإضافة إلى إعدام 582 شخصاً العام الماضي، بزيادة قدرها 75 في المائة عن العام الذي سبقه". كما حذر من أنّ "المعممين يستخدمون عضويتهم في لجنة المرأة التابعة لمجلس حقوق الإنسان، كمنصة يظهرون من خلالها أنّ النظام يهتم بحقوق المرأة، لكنه في الواقع غير مهتم".

وقال المدير التنفيذي لمرصد الأمم المتحدة: "في كثير من الحالات بالأمم المتحدة، يتم تداول القضايا على أساس سياسات المصلحة الذاتية وتستخدم الأساليب السرية في هذا الاتجاه. لا أعرف ما هي الصفقة التي أبرمها النظام الإيراني للوصول إلى هذا الموقع، لكن هذه المسألة شائعة جداً في الأمم المتحدة. من الواضح أنّ هناك شيئاً ما يحدث وراء الكواليس، كانت إيران هي المرشح الوحيد لرئاسة المنتدى الاجتماعي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكانت جميع الدول، بما في ذلك الدول الأوروبية وأمريكا، على علم بهذه القضية، لكنها لم تتخذ أي إجراء".

إجراءات انتقامية خارج الحسبان

وذكر المدير التنفيذي لمرصد الأمم المتحدة: "من الواضح أنّه تم التوصل إلى صفقة، وهي صفقة سيئة للغاية على حساب إهانة ذكرى آلاف الأبرياء الذين تم اعتقالهم بوحشية وتعذيبهم وإعدامهم من قبل النظام الإيراني وتعرضوا للضرب والإهانة والاغتصاب".

ووصف مسعود محمد، الناشط السياسي ورئيس تحرير موقع: "أخباركم.. أخبارنا"، ومقره إيطاليا، هذا التعيين الذي حظى به مسؤول إيران في الأمم المتحدة بأنه "مزحة سمجة". وقال محمد لـ"حفريات" إنّه لا يمكن فهم أو تصور وجود "إيران في رئاسة منتدى مجلس حقوق الإنسان، وقد عصفت بإيران انتفاضة شعبية مناهضة لنظام الجمهورية الإسلامية الذي تورط في انتهاكات حقوقية لا مثيل لها إلا في القرون القروسطية.

وأطلقت قوات الأمن الإيرانية الرصاص، والكُريات المعدنية بشكل غير مشروع لتصفية المتظاهرين وإنهاء الاحتجاجات. فقتلت السلطات الإيرانية مئات الرجال والنساء والأطفال وأصابت الآلاف. فيما تعرض آلاف الأشخاص للاحتجاز التعسفي فضلاً عن صدور أحكام قضائية مسيسة بحقهم. وكل ذلك نتيجة نشاطهم الاحتجاجي السلمي، وممارستهم السلمية. وعانت النساء، كما عانى أفراد مجتمع الميم، مثلهم كمثل الأقليات القومية والعرقية والدينية من القمع والعنف بصورة ممنهجة.

ويردف: "حوادث الإخفاء القسري، والتعذيب، فضلاً عن أشكال أخرى من الممارسات العدوانية، تم تعميمها بواسطة قوات الأمن والأجهزة القمعية بإيران، ومنها الابتزاز الجنسي والاعتراف القسري والحرمان المتعمد من الرعاية الطبية. وفرضت عقوبات قاسية ولاإنسانية، مثل الجلد، وبتر الأطراف، والإعماء. وتزايد استخدام عقوبة الإعدام، واستؤنف تنفيذ عمليات الإعدام العلنية. وظلت المحاكمات جائرة بشكل منهجي. كما ساد الإفلات الممنهج من العقاب على الجرائم ضد الإنسانية، السابقة والحالية، المتعلقة بمجازر السجون عام 1988 وغيرها من الجرائم المؤثمة بموجب القانون الدولي".

منذ انطلاق الاحتجاجات الإيرانية في أعقاب مقتل مهسا أميني، شددت السلطات مستويات القمع الخانقة، فلم تترك أي مجال للمعارضة السلمية، حسبما يوضح الناشط السياسي ورئيس تحرير موقعكم: "أخباركم.. أخبارنا"، لافتاً إلى أن السلطات الإيرانية فرضت "رقابة مشددة على المنصات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف التعمية عن الحقائق وعدم تداول المعلومات. واعتباراً من سبتمبر (أيلول) العام الماضي، تم إدراج تطبيقات مثل انستغرام وواتساب لقائمة الحجب".

ويختتم حديثه قائلاً إنّ السلطات الإيرانية عطلت إمكانية الوصول إلى الإنترنت وشبكات الهاتف المحمول خلال الاحتجاجات، لجهة قمع التظاهرات وتوفير حماية للمتورطين في انتهاكات حقوقية من قوات الأمن وغيرهم، بما يجعلهم خارج دائرة الرقابة وعدم المساءلة ظل مشروع قانون حماية مستخدمي الإنترنت، الذي من شأنه أن يزيد من تقويض الحريات على الإنترنت وامكانية الاتصال بالشبكة العالمية".

وفي هذه الفترة، يتابع مسعود محمد، "صدرت مذكرة تنفيذية تشدد التضييق على الوصول إلى المحتوى على شبكة الإنترنت، وحظرت السلطات جميع الأحزاب السياسية المستقلة، ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات المستقلة، وأخضعت العمال المضربين لإجراءات انتقامية".

مواضيع ذات صلة:

إيران... النظام والثورة والمرأة

قتلى وجرحى... الاحتجاجات الإيرانية تتوسع والنظام يهدد ويواجه الشارع بهذه الطرق

استقبال الحوثيين في إيران.. ما الرسالة التي يريدون إيصالها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية