إلى متى يواصل المليارديرات مراكمة الثروة بينما يعاني فقراء العالم؟

إلى متى يواصل المليارديرات مراكمة الثروة بينما يعاني فقراء العالم؟


16/06/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

في حين أنّه من الواضح بشكل، سافر منذ فترة طويلة، أنّ النّموذج الاقتصاديّ العالميّ لا يعمل لصالح الجميع؛ فإنّ معدّل تراكم الثّروة لدى أقلّيّة صغيرة مذهل الآن، إن لم يكن فاحشاً تماماً، مع تفاقم الوضع بسبب التّأثير الاقتصاديّ لحرب أوكرانيا، التي أضافت إلى آثار جائحة "كوفيد 19"، هل يمكن أن نتّجه نحو تمرّدات جماعيّة تندلع بسبب الحاجة الماسّة للتّغيير؟

تتسبّب الحرب في نقص الغذاء؛ إذ إنّ الأكثر تضرّراً هم أفقر سكّان العالم، على الرّغم من أنّ التّأثير الكامل لم يُحسّ به بعد، فقد "تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائيّ الحادّ من 135 مليوناً إلى 276 مليوناً" في غضون عامين فقط، ممّا يترك "ما يقرب من 50 مليوناً على حافّة المجاعة".

على الرّغم من أنّ الجنوب العالميّ هو الأكثر تضرّراً، فإنّ المجتمعات الأكثر فقراً في الدّول الأكثر ثراءً تتأثّر أيضاً. هنا، في المملكة المتّحدة، حيث يعيش ملايين الأشخاص بالفعل بالقرب من حافة الهاوية، كانت هناك زيادة في الحاجة إلى بنوك الطّعام حيث دُفِعَ كثيرون إلى الحاجة الماسّة. تضطّر العديد من المدارس في المناطق الأكثر حرماناً إلى تقديم وجبات إفطار كلّ صباح، لأسباب ليس أقلّها تجنّب الاضطرار إلى تعليم أطفال جياع لا يستطيعون التّركيز.

في غضون ذلك، يزداد الأثرياء ثراءً، في فترة واحدة مدّتها ثلاثة أشهر في عام 2020 والتي تزامنت مع بداية الجائحة، زادت ثروات مليارديرات العالم، البالغ عددهم آنذاك 2,189 مليارديراً، بنسبة 27.5 في المئة، لتصل إلى 10.2 تريليون دولار، وفق البنك السّويسريّ الخاصّ "يو بي إس"، وهذا يمثل زيادة بنسبة 70 في المئة في ثرواتهم في ثلاثة أعوام فقط.

بعد مرور عامين، يوجد الآن 2,668 ملياردير. مؤخراً، نشرت "الصنداي تايمز" البريطانية "قائمة الأثرياء السّنويّة" حول أثرياء البلد، حيث أفادت بأنّ أغنى عشرة أفراد أو عشر عائلات لديهم إجمالي 182 مليار جنيه إسترلينيّ.

سؤالان

في هذا السّياق، يُطرَح سؤالان؛ لماذا اتّسعت الفجوة العالميّة بين الأغنياء والفقراء؟ ولماذا لم تحدث انتفاضة أكبر ضدّها؟

إنّ معدّل تراكم الثّروة لدى أقلّيّة صغيرة مذهل الآن، إن لم يكن فاحشاً تماماً

السّؤال الثّاني محيّر بشكل خاصّ، بالنّظر إلى أنّ نظامنا العالميّ قد شَهِد مثل هذه الزّيادة الهائلة في الثّروة الإجماليّة في الأعوام الـ 75 الماضية. على كلّ حال، بعد نهاية الحرب العالميّة الثّانية، بذلت العديد من البلدان في الغرب جهوداً كبيرة في الخدمات العامّة، وطوّرت بشكل محسّن كثيراً أنظمة صحّيّة، وتعليماً عامّاً، وإسكاناً، ومساعدات اجتماعيّة أساسيّة للفئات الأكثر تهميشاً.

ماذا حدث منذ ذلك الحين؟ من المعروف على نطاق واسع أنّ الإجابة هي "النّيوليبراليّة"، وهي مقاربة يكمن جوهرها في أنّ الأساس الحقيقيّ للنّجاح الاقتصاديّ هو المنافسة القويّة والحاسمة التي يجب على النّظام السياسيّ العمل من أجلها للحصول على أيّة فرصة للنّجاح.

طوّرت هذه المقاربة، في الخمسينيّات من القرن الماضي، من خلال عمل اقتصاديّين، من بينهم فريدريك هايك وميلتون فريدمان، ومنذ ذلك الحين صِيغت من قِبل شبكة تضمّ أكثر من 450 مركز أبحاث ومجموعة حملات يمينيّين.

في فترة واحدة مدّتها ثلاثة أشهر في عام 2020 زادت ثروات مليارديرات العالم، البالغ عددهم آنذاك 2,189 مليارديراً، بنسبة 27.5 في المئة، لتصل إلى 10.2 تريليون دولار

تُدعم النّيوليبراليّة من خلال ضرائب مصمّمة لإفادة من هم أكثر نجاحاً، والسّيطرة الحازمة على العمل المنظّم لتقليل المعارضة، والخصخصة القصوى للنّقل ومرافق مثل الطّاقة، والمياه، والاتّصالات، والإسكان، والصّحّة، والتّعليم، وحتّى الأمن.

من الواضح أنّ هناك خاسرين من هذا النّظام، لكن عادةً ما "تتسرّب" الثّروة الكافية لمنع المعارضة الجادّة، إنّه خطّ تفكير يمكن أن يصل إلى حماسة المعتقد الدّينيّ ومن المؤكّد أنّه يُنظر إليه على أنّه أيديولوجيا.

عُزّز التّحوّل إلى النّيوليبراليّة من خلال الاضطرابات الاقتصاديّة الضّخمة التي أعقبت ارتفاع أسعار النّفط، في عامَي 1973 و1974 (بنسب وصلت إلى أكثر من 400 في المئة في ثمانية أشهر).

منذ إدارتي تاتشر وريغان

أصبح الرّكود التّضخّميّ النّظامَ السّائد، وفي المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة، جلبت الانتخابات، في نهاية العقد، إدارتي تاتشر وريغان.

كان كلا الزّعيمَين المنتخبَين حديثاً على قناعة بالحاجة إلى تبنّي هذا التّفكير الجديد. طوال ثمانينيّات القرن الماضي، اتّبعت الولايات المتّحدة إيماناً راسخاً بالحاجة إلى تسريع التّغييرات الضّريبيّة وإلغاء القيود الماليّة، بينما سعت بريطانيا للسّيطرة على النّقابات العمّاليّة والإشراف على خصخصة واسعة النّطاق لأصول الدّولة، وكان شعار تاتشر هو "لا بديل عن ذلك".

أصبح الرّكود التّضخّميّ النّظامَ السّائد

كما قامت عمليّتان عالميّتان بالكثير لتسريع الانتقال نحو النّيوليبراليّة؛ الأولى كانت "إجماع واشنطن"، الذي قُدّم عام 1989، ووضع سياسات اقتصاد السّوق الحرّة لـ "البلدان النّامية"، وقاد "البنك الدّوليّ" و"صندوق النّقد الدّوليّ" الطّريق لضمان اتّباع الجنوب العالميّ النّموذج الجديد.

والعمليّة الثّانية كانت انهيار الكتلة السّوفيتيّة. كان احتضان روسيا الفوريّ للرّأسماليّة المفرطة بالتّأكيد، الدّليل، إن كانت هناك حاجة إلى أيّ دليل، على قيمة المقاربة النّيوليبراليّة وتقادم الأنظمة الاقتصاديّة المخطّطة مركزيّاً، حتّى الصّين كانت في طريقها إلى رأسماليّة سلطويّة هجينة.

المستويات الفاحشة للثّروة

لكن الآن، بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، تقوم النّيوليبراليّة بالكثير لتفسير المستويات الفاحشة للثّروة لدى القلّة وليس الكثرة. إذاً، لماذا لم تُقابل النّيوليبراليّة سوى بالقليل من المقاومة؟ جزء من الإجابة هو بقايا تجربة اقتصاديّات ما قبل النّيوليبراليّة، الشّعور بأنّ الأمور كانت أسوأ قبل ظهور أمثال تاتشر وريغان على السّاحة. هذا الرّأي ما يزال قائماً، لكنّه يفقد قوّته بسرعة في مواجهة الفجوة الآخذة في الاتّساع.

تنظيم داعش، وغيره من الحركات الإسلامويّة شبه العسكريّة، استفادت بشكل كبير من قدرتها على تجنيد الشّباب المهمّش والغاضب والذي لديه آفاق محدودة للغاية في الحياة

يكمن تفسير أكثر واقعيّة في أنّ الكثير من وسائل الإعلام السّائدة في الغرب يتحكّم فيها، بشكل فرديّ، أفراد أثرياء وعائلات وشركات ثريّة. في المملكة المتّحدة، تهيمن على وسائل الإعلام المطبوعة ثلاث عائلات من المليارديرات فقط، ويحدّد هؤلاء جانباً كبيراً من الأجندة الإخباريّة، ومن غير المرجّح أن يركّزوا كثيراً على التّفاوتات العميقة، التي إذا عولجت ستضرب سلطتهم.

لكن هذا لا يستبعد ردود الفعل الرّاديكاليّة؛ تنظيم داعش، وغيره من الحركات الإسلامويّة شبه العسكريّة، استفادت بشكل كبير من قدرتها على تجنيد الشّباب المهمّش والغاضب والذي لديه آفاق محدودة للغاية في الحياة، وأتاحت بديلاً، حظي بأتباع كُثُر، لإحباطاتهم العميقة.

هناك، بالطّبع، حالات حالية من التّمرّد في أماكن أخرى، مثل سريلانكا، والتي لها أسباب محدّدة، دائماً في سياق أوسع بكثير، لكنّنا لم نشهد بعد أيّة حركة عبر وطنية حقيقيّة، على الرّغم من أنّه من الجدير أن نتذكّر مصادفة العديد من التّمرّدات في غضون بضعة أشهر خلال الجزء الأخير من عام 2019.

احتجاجات في غير مكان

في تشرين الأوّل (أكتوبر) من ذلك العام، خرج الآلاف إلى شوارع العراق للتّمرّد على مستويات البطالة وتدنّي الأجور، والتي جاءت وسط تفشي الفساد في بلد غني بالوقود الأحفوريّ. في الوقت نفسه، شَهِد لبنان مظاهرات متكرّرة في الشّوارع ضدّ عدم المساواة والفساد، وشهدت تشيلي احتجاجات أُطِّرت "كردّ على كلّ من الوعود الفاشلة للنّيوليبراليّة وعدم المساواة التي خلقتها السّياسات النّيوليبراليّة في البلاد". وشَهِدت فرنسا احتجاجات "السّترات الصّفر"، وشَهِدت الإكوادور، وبوليفيا، وهايتي، وألبانيا، وأوكرانيا، وصربيا، وحتّى روسيا اضطرابات مدنيّة.

عُزّز التّحوّل إلى النّيوليبراليّة من خلال الاضطرابات الاقتصاديّة الضّخمة التي أعقبت ارتفاع أسعار النّفط، في عامَي 1973 و1974

كما أوضح تحليل لمجموعة بحثيّة من أكسفورد في ذلك الوقت: "في معظم الحالات، هناك عوامل محدّدة تدفع بعدم الارتياح والاستياء إلى مظاهرات غالباً ما يتبعها قمع وعنف. القليل منها قد لا يكون له علاقة بتزايد عدم المساواة وتضاؤل ​​احتمالات الحياة، لكن بالنّسبة إلى الأغلبيّة، فإنّ هذا جزء كبير جدّاً من السّياق الاجتماعيّ والسّياسيّ الأوسع".

لكن تلك التّمرّدات لم تتحوّل إلى غضب عابر للحدود، ناهيك عن عنف.

 لم يُنظر إلى الاحتجاجات الفرديّة على أنّها جزء من عمليّة أكثر عالميّة، وليس هناك إحساس بوجود حركة تمرّد عالميّة، لكن، الآن، تشير الآثار الاقتصادية للجائحة وحرب أوكرانيا، جنباً إلى جنب مع التّأثير المتزايد لانهيار المناخ، إلى أنّها مجرّد مسألة وقت، إذا كان هذا هو الحال، فإنّنا نتحرّك حقّاً باتّجاه أوقات غير مستقرّة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

بول روجرز، أوبن ديموكراسي، 28 أيار (مايو) 2022

مواضيع ذات صلة:

إلى متى يواصل المليارديرات مراكمة الثروة بينما يعاني فقراء العالم؟

الرأسمالية إذ تتوحش: 1% من البشر يملكون 47% من ثروة العالم

كيف انتقلنا من المساواة في الفقر إلى اللامساواة في الثروة؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية