إعلامي تونسي يكشف كيف سيطرت "النهضة" على القضاء

إعلامي تونسي يكشف كيف سيطرت "النهضة" على القضاء


15/02/2022

كشف الإعلامي والحقوقي التونسي، أنس بن مالك، الآليات التي سيطرت من خلالها حركة النهضة على القضاء في تونس في أعقاب هرب الرئيس السابق زين العابدين بن علي إثر احتجاجات شعبية.

وثال بن مالك لـ"حفريات": "عندما سيطرت حركة النهضة على الحكم، ورثت الملفات التي كان نظام بن علي يمسكها على القضاة، وهي ما بين فيديوهات تثبت فساد على القضاء سواء مالي أو أخلاقي، وغير ذلك".

وأضاف "قامت حركة النهضة بتوظيف ذلك لبناء شبكة من الموالين داخل السلطة القضائية، ما مكنها من تسييس القضاء خلال عشرة أعوام".

حركة النهضة الإخوانية استغلت سيطرتها على وزارة الداخلية، وما يتبعها من أمن المطارات، وخصوصاً صالة كبار الزوار، في تهريب الأموال نقداً عبر المطارات

ويلعب المال السياسي دوراً كبيراً في الحياة السياسية في الدول العربية بعد العام 2011، خصوصاً المال السياسي الذي دعم معسكر الإخوان المسلمين في الدول العربية كافة، والذي كان مصدره التنظيم الدولي للإخوان وقطر وتركيا وغيرهم من الموالين للإخوان.

وكان لتونس نصيب الأسد في المال السياسي القطري الذي دخل البلاد منذ سقوط نظام الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي. واختارت قطر دعم حركة النهضة الإخوانية، والتي تمكنت من السيطرة على تونس منذ الثورة حتى 25 تموز (يوليو) 2021، الذي شهد الإجراءات التصحيحية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد، لمواجهة الاستبداد الإخواني بالسلطة والفساد المالي والسياسي، وتضمنت الإجراءات تجميد عمل البرلمان، الذي كان على رأسه زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي.

وفي السابع من شهر شباط (فبراير) الجاري، قام الرئيس قيس سعيّد بحلّ المجلس الأعلى للقضاء، الذي عينته حركة النهضة الإخوانية، وتشكيل مجلس مؤقت. وعلى إثر ذلك نشطت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، واللذين جرى اغتيالهما، بحسب تقارير قضائية، على يد عناصر موالية لحركة النهضة، بتقديم آخر ما توصلت إليه إلى الرأي العام، وكان من بين ذلك وثائق حول التمويل القطري لحركة النهضة.

جمعية نماء وتمويل الإخوان

وكما جرت عادة الإخوان المسلمين في إنشاء الجمعيات بسائر أشكالها من أجل تأمين نقل الأموال إلى فروعهم ومؤسساتهم السياسية والدعوية والمنخرطة في العنف، حدث الأمر نفسه في تونس مع إنشاء جمعية نماء تونس، لدعم مجتمع الأعمال.

.الشهيد شكري بلعيد

وتأسست الجمعية في عام 2011 بعد إطاحة بن علي، ولها علاقات تربطها بهيئات الإغاثة التركية، ولها دور فاعل في حضور الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بتركيا والدول الداعمة للإخوان المسلمين، كما هو منشور عبر صفحة الجمعية عبر الفيسبوك.

ومما جاء في المؤتمر الصحفي لهيئة الدفاع عن الشهيدين لعيد والبراهمي بتاريخ التاسع من الشهر الجاري، أنّ "الديوان الأميري لقطر وضع أموال في حسابات راشد الغنوشي، عبر وسطاء، كان من بينهم جمعية نماء تونس، والتي كان الهدف منها تشجيع الاستثمارات الأجنبية".

وبحسب بيان الهيئة: "تورطت الجميعة  في 2013 و 2014 في جرائم تسفير الشباب التونسي للانضمام إلى الجماعات الإرهابية في سوريا، وفُتحت بحقها إجراءات قضائية، ولكن حركة النهضة بدعم من يدها في القضاء بشير العكرمي، أوقفت ذلك. وكانت الحركة تحصل على الأموال وتضعها في حسابات تابعة لحركة النهضة في قطر".

وبحسب ما ذكره تقرير هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد وبراهمي، فإنّ الجمعية، بما لها من صلات مع مجتمع الأعمال التونسي وفي الخارج، كانت حلقة وصل هامة في نقل الأموال إلى حركة النهضة.

وحول علاقة الغنوشي بنماء تونس، قالت هيئة الدفاع: "عندما تدخلون اليوم على صفحة نماء تونس ستجدون فيديوهات للغنوشي في مؤتمراتها يقدم كلمات داعمة".

ناجح الحاج لطيف

وساعد حركة النهضة الإخوانية في نجاح التدفقات المالية إليها من قطر وغيرها، سيطرتها على القضاء بشكل كبير، عبر ابتزاز القضاء، ما مكنها من وأد أية محاولة للتحقيق في الأموال التي تدخل البلاد بطرق غير شرعية.

الشهيد محمد البراهمي

وبالعودة إلى تقرير هيئة الدفاع عن الشهيدين، جاء التالي: أنّ "أحد الذين يديرون أموال الغنوشي هو ناجح الحاج لطيف، والذي كان قبل الثورة وكيل لشركة بريطانية في مجال النسيج، ويشرف على فرعها في تونس، وتمّ طرده بسبب الاختلاسات".

واللافت أنّ المذكور، وهو ناجح الحاج لطيف، لم يكن له ظهور إعلامي. واستغل لطيف حسابات الشركة الإلكترونية في نقل الأموال من قطر إلى تونس ثم إلى حركة النهضة، وعندما تمت إقالته ظلّت المراسلات ترد إلى حساب الشركة الإلكتروني بتعاملاته المالية، وتمكنت هيئة الدفاع عن الشهيدين من الحصول على نسخ من الإيميلات والتي تثبت نقل الأموال لحركة النهضة.

وجاء في بيان الهيئة: "بالاطلاع على الحساب المذكور، تمّ اكتشاف أنّه يستعمل حسابين ماليين في قطر، يتمّ تمويلهما من الديوان الأميري في قطر، والمبالغ في أحد الإيداعات تجاوزت 15 مليون دولار، وفي إيداعات أخرى 20 مليون دولار".

وجاء في المؤتمر الصحفي للهيئة: "هذه المبالغ تسحب نقداً من قطر، وبعض عمليات الإيداع تجاوزت 30 مليون يورو، ويتم سحبها نقداً من هذه الحسابات".

وذكرت الهيئة تفاصيل أحد الرسائل، وجاء فيها: "تعرضت رسالة إلى التقرير الختامي لرحلة القيادي الإخواني بحركة النهضة، عبد الفتاح مورو والجهات التي قابلها، ومنها محافظ البنك المركزي السابق. وكذلك هناك مراسلات حول التجسس على تأسيس حركة نداء تونس بقيادة الرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي".

نقل الأموال عبر المطار

وأشار المؤتمر الصحفي لهيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي أنّ حركة النهضة الإخوانية استغلت سيطرتها على وزارة الداخلية، وما يتبعها من أمن المطارات، وخصوصاً صالة كبار الزوار، في تهريب الأموال نقداً عبر المطارات.

أنس بن مالك: عندما سيطرت حركة النهضة على الحكم، ورثت الملفات التي كان نظام بن علي يمسكها على القضاة

وتناول التقرير العلاقة بين راشد الغنوشي ومدير إحدى شركات الاتصالات الكبرى في تونس، والتي لها علاقة بالاستثمارات القطرية، والخدمات التي قدمتها الشركة لحركة النهضة، والتي تمثّلت في التجسس على الأحزاب والشخصيات السياسية المناوئة للحركة.

وجاء في المؤتمر الصحفي، أنّ جهات التحقيق في الأمن التونسي تابعت إحدى القضايا بعد تقدم الهيئة بشكاوى بحقها، "تمّت متابعة الغنوشي، وأفضت إلى لقائه مرتين شهرياً بشخصية مرتبطة مباشرة بقطر، وهو منصور راشد الخاطر، المدير العام لإحدى شركات الاتصالات العاملة في تونس، والذي تمّ تعيينه في 2019".

وذكرت هيئة الدفاع عن الشهيدين، أنّ "مدير شركة الاتصالات أبلغ وكيل الجمهورية السابق، رشيد العكرمي بورود اسمه ضمن إذن التفتيش والبحث، فقام الأخير بما له من سلطة لدى مدراء الأمن، بإبطال التحقق الأمني".

وقبيل ذلك، كان التحقيق كشف عن "لقاء راشد الغنوشي بمنصور الخاطر بحضور ابنه معاذ، في فندق الفورسيزون، لتقديم الأموال القطرية، وتقديم معلومات التجسس على الأحزاب السياسية".

وبناء على ما سبق، قامت الهيئة بتقديم شكوى إلى النيابة العسكرية، والتي لها سلطة التحقيق في الجرائم التي تتعلق بالتجسس والتدخل الخارجي، وقامت النيابة العسكرية بتقسم الدعوى إلى شقين؛ الأول للنيابة العسكرية ويتعلق بالجرائم المرتبطة بالأمن الداخلي والتجسس، والثاني تمت إحالته إلى القضاء المدني، وهو المتعلق بغسل الأموال وتلقي تمويلات خارجية.

ويلفت الإعلامي أنس بن مالك إلى أنّ "أعضاء في حركة النهضة انتقلوا من تمظهرات الأشخاص العاديين، إن لم يكونوا من محدودي الدخل إلى أثرياء، وذلك يُرى بالعين المجردة؛ فباتوا يمتلكون سيارات فارهة ومنازل فخمة ويمتلكون المشاريع في تونس والخارج".

وتابع: "في كل انتخابات تشريعية ومحلية ينفقون أموالاً ضخمة في الدعاية الانتخابية، بما يفوق السقف الانتخابي المادي، وكانت حركة النهضة في الفعالية الواحدة تنفق أموالاً تتجاوز المرحلة الانتخابية. وذلك بدعم من المال السياسي غير المعلوم المصدر، وهناك أقاويل غير مثبتة حول مصدر ذلك، عدا بعض الحالات خارج تونس، فهناك عضو في حركة النهضة ضُبط في مطار فرنسي وبحوزته مبلغ مالي فوق 360 ألف يورو".

وبحسب مراقبين، فإنّ قضية التمويل الأجنبي لا تقتصر على حركة النهضة الإخوانية فقط؛ فمن يتابع الشأن التونسي يعلم أنّ هناك تمويلات متعددة المصادر والأجندات دخلت البلاد، وهو الأمر الذي يعلمه الرئيس التونسي، قيس سعيد، ويحاول أنّ يحركه عبر القضاء، ولهذا جاءت خطوة تطهير القضاء من الموالين لحركة النهضة، من أجل تأمين بيئة قضائية شريفة تتولى الملفات التي تصل إليها بمهنية واحترافية.

وهاجمت قيادات في النهضة ما جاء في المؤتمر الصحفي لهيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ووصفتها بأنها "هيئة الخداع"، في الوقت الذي نفّذ خلاله العشرات وقفة احتجاجية بساحة "الشهيد محمد البراهمي" بحيّ الغزالة بالعاصمة، قبل أن يتوجهوا للاحتجاج أمام منزل زعيم النهضة راشد الغنوشي، للمطالبة بكشف حقيقة "الاغتيالات" السياسية.

واعتبر المتحدث باسم حركة "النهضة" التونسية عماد الخميري، السبت، أنّ التظاهر أمام منازل السياسيين "أمر خطير".

ورفع المحتجون، كما نقلت وسائل إعلام، شعارات من قبيل "قتالين أولادنا.. سراقين بلادنا"، و"حي شكري ديما (دائماً) حي"، و"يا براهمي يا بلعيد على دربك لن نحيد".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية