إعدام إيران علي أكبري بين السياسي والأمني

إعدام إيران علي أكبري بين السياسي والأمني

إعدام إيران علي أكبري بين السياسي والأمني


22/01/2023

أعلنت القيادة الإيرانية تنفيذ حكم الإعدام الصادر عبر القضاء الإيراني بحق علي رضا أكبري، بتهمة "الإفساد في الأرض"، التي تُترجم وفقاً للقاموس الإيراني بتهمة التجسس لصالح الاستخبارات البريطانية، وتسريب معلومات وأسرار استراتيجية تخص الدولة الإيرانية، ودوره في مقتل العالم النووي الإيراني "فخري زادة" في طهران "من قبل الأعداء".

علي رضا أكبري معتقل في إيران منذ (3) أعوام، ويحمل الجنسية البريطانية إلى جانب جنسيته الإيرانية، وكان مساعداً لوزير الدفاع علي شمخاني خلال فترة الرئيس السابق محمد خاتمي، ومديراً لمكتب الدراسات الدفاعية في وزارة الدفاع، وتم تجنيده لصالح المخابرات البريطانية، وفقاً للرواية الإيرانية، خلال سفره إلى أوروبا، حيث حصل على الجنسية البريطانية بعد ذلك.

لقد كان لافتاً أنّ قرار إعدام أكبري خضع لإضاءات إعلامية واسعة ومركزة من قبل القيادة الإيرانية، وتجاذبات بين إيران والدول الغربية التي حذّرت طهران من مغبة الإقدام على إعدام أكبري، وهو ما لم تستجب له القيادة الإيرانية، وأصرت على تنفيذ حكم الإعدام، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول أسباب إصرار القيادة على إعدامه، ولماذا في هذا التوقيت؟ وكيف يتداخل السياسي بالأمني في هذه العملية؟ هذه التساؤلات وغيرها هو ما تحاول هذه المقالة الإجابة عنه، بمرجعية التداخل بين عوامل وسياقات داخلية وأخرى خارجية بالنسبة إلى القيادة الإيرانية.

الرواية الإعلامية التي صدّرتها إيران حول أكبري تتجاوز اكتشاف "جاسوس يعمل لصالح الأعداء"، وترتبط بسياقات داخلية وأخرى خارجية.

أوّلاً: من زاوية استخبارية، فإنّ اكتشاف مسؤولين في الأجهزة الأمنية تم تجنيدهم لصالح أجهزة استخبارية "معادية" أمر وارد في كثير من الأجهزة الاستخبارية، وهناك الكثير من الملفات "السرية والعلنية" في أجهزة أمريكية وغربية وأخرى شرقية حول "عمليات مشابهة"، لكن تختلف الدول في كيفية التعامل مع هكذا حالات، وما جرى مع أكبري، وقياساً بسياسات القيادة الإيرانية وإيديولوجيتها "الشمولية"، فقد كان يفترض أن تتم "تصفية" أكبري، وتحويل قضيته إلى قضية وطنية ضد أعداء الثورة، لا أن يتم تضخيمها إعلامياً بالصورة التي تمّت عليها.

ثانياً: الرواية الإعلامية التي صدّرتها إيران حول أكبري تتجاوز اكتشاف "جاسوس يعمل لصالح الأعداء"، وترتبط بسياقات داخلية وأخرى خارجية، فهي غير معزولة عن حرب واسعة من الجاسوسية، وما يمكن وصفه باختراقات أمنية واسعة، ليس لأذرع إيران في الخارج؛ بل لأوساط قيادية في الدولة الإيرانية، بما فيها الحرس الثوري الإيراني، بدلالة عمليات الاغتيال الواسعة لعلماء يعملون في البرنامجين الصاروخي والنووي الإيرانيين، وقيادات إيرانية تابعة للحرس الثوري في سوريا ولبنان والعراق، وحتى في ساحات غربية.

ثالثاً: القيادة الإيرانية بتعاملها مع أكبري بالصيغة الإعلامية التي تمّت بها تأتي في سياقات داخلية من بينها؛ الخلافات وتصفية الحسابات داخل أوساط قيادية في وزارة الدفاع والحرس الثوري؛ لأنّ أكبري من المحسوبين على وزير الدفاع السابق علي شمخاني إبّان رئاسة خاتمي "الإصلاحي" للجمهورية الإسلامية، وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية وصول "أكبري" لمعلومات ذات قيمة بعد مغادرته موقعه، إلا إذا كان يدير شبكة واسعة من العملاء، كان لها دور في تصفية العالم النووي "فخري زاده" قبل أكثر من عام في طهران، والذي اتهمت إيران الموساد الإسرائيلي بمقتله، وهو ما أكدته مصادر إيرانية حول علاقته بمقتل زاده، رغم تقليل مصادر أخرى من أهمية أكبري، بأنّه كان فقط مديراً للدراسات الدفاعية بوزارة الدفاع.

مجمل تصفية أكبري بتهمة العمالة تعكس ارتباكات ومستويات صراع داخل الأوساط القيادية الإيرانية.

رابعاً: ولا يتوقف الأمر عند خلافات داخل الحرس الثوري، فقد هدفت إيران من التهويل في قضية أكبري لتحويل الأنظار عن انتفاضة مهسا أميني، وما تردده إيران من اكتشاف الكثير من شبكات التجسس التي تعمل لصالح "أعداء الثورة"، هذه الثورة التي أصبحت تؤرق القيادة الإيرانية بعد تجاوزها قضية أميني، وتوسعت لتشمل مناطق وطبقات مختلفة، كثير منها محسوبة على النظام الإيراني تاريخياً بمرجعية الانقسامات المذهبية والعرقية في إيران، ولا شك أنّ التعامل العنيف مع هذه الانتفاضة عكس مخاوف التيار المتشدد في إيران وإدراكه لخطورتها، وأنّ مآلاتها قد تؤسس تراكمياً لمستويات خطورة أكثر جدية، ستسهم بمزيد من إضعاف النظام، ولا يستبعد أن تمهد لسقوطه. ومن المؤكد أنّ الرسالة للداخل الإيراني أيضاً كانت إثباتاً لـ "قوة" الدولة الإيرانية وأجهزتها الأمنية، وقدرتها على كشف شبكات التجسس ومخططات أعداء الثورة، وهو ما يعني أنّ هناك العديد من شبكات التجسس غير المكشوفة، والتي تعمل في مفاصل عديدة في الدولة الإيرانية.

خامساً: خارجياً، أرادت إيران إرسال رسالة لأجهزة المخابرات الغربية بقدراتها على كشف شبكات التجسس، وأنّ لديها معلومات لم تكشف عنها عن شبكات تجسس أخرى، رغم ما يحيط بهذه الرسالة من شكوك؛ إذ أصبح من السهولة بمكان اليوم توجيه تهمة التجسس لأيّ قيادي ينتمي للتيار الإصلاحي، مع محاكمات صورية وروايات مغلقة أحادية.

سادساً: مجمل تصفية أكبري بتهمة العمالة تعكس ارتباكات ومستويات صراع داخل الأوساط القيادية الإيرانية، وبصورة أعمق ممّا يتم تسريبه، ومن المرجح أنّ أهدافها ورسائلها الداخلية أكبر بكثير من كونها اكتشاف عملية تجسس كبيرة، ولعل ما يؤكد ذلك أنّ القيادة الإيرانية في موازنتها بين الداخلي والخارجي، ورغم إدراكها لعواقب إعدام أكبري، نفّذت ذلك في ظل ما تعتقده من مكاسب داخلية أهم بكثير من ردود الفعل الخارجية.

مواضيع ذات صلة:

بعد إعدام أكبري... تعرف على مسؤولين إيرانيين وقعوا تحت مقصلة النظام

رغم التحذيرات الدولية... إيران تعدم أكبري

صدمة أوروبية وإدانات غربية لعمليات الإعدام بإيران


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية