إسرائيل تلاحق إيران في حرب استنزاف طويلة

إسرائيل تلاحق إيران في حرب استنزاف طويلة

إسرائيل تلاحق إيران في حرب استنزاف طويلة


13/07/2024

في آخر استهداف إسرائيلي لسورية لملاحقة عناصر تابعة للمليشيات الإيرانية، في حرب الاستنزاف الطويلة، قُتل شخصان على الأقل، في التاسع من الشهر الجاري، جراء قصف إسرائيلي استهدف سيارة تابعة لجماعة حزب الله في سوريا، وفق ما أفاد به «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، عمل أحدهما في السابق حارساً شخصياً للأمين العام للحزب حسن نصر الله، وفق مصدر مقرب من الحزب. 

وأفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن «وكالة الصحافة الفرنسية» ﺑـ«مقتل شخصين على الأقل، وإصابة ثالث بجروح جراء قصف نفّذته مسيّرة إسرائيلية على سيارة تابعة لجماعة حزب الله في منطقة جديدة يابوس» الحدودية مع شرق لبنان، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط".

ووفق المرصد، جرى استهداف السيارة قرب حاجز تابع للفرقة الرابعة في الجيش السوري.

وفي وقت لاحق، أصدر «حزب الله» بياناً نعى فيه ياسر نمر قرنبش دون أن يوضح دوره في الجماعة. وقال مصدران أمنيان إنّ الحارس الشخصي السابق كان مسؤولاً برتبة متوسطة في حزب الله، وشارك في نقل أسلحة للجماعة. ولا تعلق إسرائيل عادة على الهجمات التي تشنها قواتها في سوريا. وعندما سُئل متحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن الغارة، قال «نحن لا نعلق على التقارير الواردة في وسائل الإعلام الأجنبية».

وأرغمت الضربات الإسرائيلية على سوريا والتي تستهدف بالدرجة الأولى مواقع فصائل موالية لإيران ومدعومة منها، على تقليص وجودها على الأراضي السورية، حيث تتواجد في مناطق مختلفة تقع على الحدود مع إسرائيل والأردن.

"إعادة تموضع" ليس إلا

وتساءل تقرير لـ"العربية. نت":هل ترغم تلك الغارات الإسرائيلية التي ازدادت كثافة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة الجانب الإيراني على سحب المزيد من قواته؟

ويوضح باحث أمريكي نقل إيران عدداً من قياديها العسكريين من الجنوب السوري، بأنه مجرد "إعادة تموضع" وليس انسحاباً أو تقليلاً لعدد القوات الإيرانية البرّية.

هل ترغم الغارات الإسرائيلية في قطاع غزة الجانب الإيراني على سحب المزيد من قواته؟

وقال نيكولاس هيراس كبير الباحثين الأمنيين في معهد “نيولاينز” الأمريكي نيكولاس لـ "العربية.نت" إنّ إخلاء القوات الإيرانية منطقة الجنوب السوري وانسحابها من مواقع في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة خلال الأسابيع الماضية يعني أنّ "الحرس الثوري يعيد تموضع وجوده المباشر في سوريا جرّاء ضغوطٍ إقليمية وضرباتٍ إسرائيلية ضده في سوريا".

كما رأى أنه "من المحتمل أن يتراجع وجود الحرس الثوري في سوريا، بحيث يقلل عدد قواته، لكن سيكون لديه بدائل لملء هذا الفراغ"، على حدّ تعبّيره.

وكشف الخبير الأمريكي أنّ "الحرس الثوري سيستخدم على الأرجح، بدلاً من عناصره التي سحبها، مقاتلين عراقيين ذوي خبرة تجنباً لخسارة المزيد من ضباطه الذين قُتلوا في الضربات الإسرائيلية الأخيرة بالداخل السوري".

 

الغالبية الدرزية في السويداء وتلك السنّية في درعا تصعّبان على طهران ترسيخ حضورها في أوساط السكان الذين ينظر كثرٌ منهم إليها بأنها عدو

 

ويتفق مدير مركز الدراسات الإيرانية، الأكاديمي نبيل العتوم مع الخبير الأمريكي حول وصف إخلاء القوات الإيرانية لمناطق جنوب سوريا بـ "إعادة تموضع".

ويؤكد العتوم أنّ "إيران تعتبر أنّ نفوذها ووجودها العسكري في سوريا عامل استراتيجي ونقطة استراتيجية مهمة لأنه يمثل نقطة الالتقاء لمشروعها واستمرار خطوط الإمداد العسكري واللوجستي والاستخباري، عبر ما يسمى برحلة العبور إلى المتوسط التي تمتد من إيران إلى العراق ثم سوريا ولبنان".

إيران تثير قلق الجوار

وفي تقرير موسع، نشره موقع "كارنيغي" في 30 أبريل 2024، يتساءل الباحثان خضر خضّور ورميناك توكماجيان: لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة؟

وقالا: نظراً إلى التحديات التي يواجهها النظام السوري في إدارة جنوب البلاد، وإلى تراجع نفوذ روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، زادت دمشق وموسكو اعتمادهما على إيران وحلفائها في المنطقة، ما قد يزيد احتمال نشوب صراع بين إيران وإسرائيل.

تقول مقدمة التقرير إنّ الجنوب السوري يتألف من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، وهو متاخمٌ للأردن، ومرتفعات الجولان الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولبنان. لذلك، مَن يسيطر على هذه المنطقة يكتسب نفوذاً استراتيجياً كبيراً، خاصةً مقابل الأردن وإسرائيل. تتمتّع الأجزاء غير الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي في القنيطرة بقيمة استراتيجية كبيرة، لأنها تقع على أراضٍ مرتفعة بالقرب من خط فك الاشتباك الذي تم تحديده بعد الحرب العربية الإسرائيلية في أكتوبر 1973 بين الجيشَين السوري والإسرائيلي. ويعني قربها من الجولان أنّ القوات والبلدات الإسرائيلية معرَّضة للهجمات من القنيطرة.

 

المنطقة الحدودية تتّسم بأهمية خاصة، إذ إن مرتفعات القنيطرة، المطلّة على الجولان المحتلّ والمتاخمة للبنان، تمنح إيران نقطة ضغط ضدّ إسرائيل

 

وعلى غرار جميع المناطق الحدودية السورية، يُعتبر الجنوب السوري عرضةً لتأثيرات الجماعات المحلية والقوى الإقليمية التي تتنافس من أجل فرض هيمنتها. مع ذلك، على خلاف شمال شرق سورية أو محافظة إدلب، حيث تسيطر على التوالي وحدات حماية الشعب الكردية أو هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، ما من طرف محلّي أو أجنبي واحد يبسط سيطرته في جنوب سورية. كذلك، فيما تضطلع تركيا والولايات المتحدة بنفوذٍ ملحوظ في شمال البلاد، تُعدّ الروابط بين المجموعات المحلية والدول الخارجية مرنة في جنوب سورية، حيث تسعى أطراف متعدّدة إلى تحديد النتائج على الأرض.

وتُعتبر إيران، من خلال حليفها حزب الله، لاعباً رئيساً في هذا الصدد. فهي تتمتّع بنفوذٍ في جميع أنحاء المنطقة، ولا سيما في القنيطرة، إلّا أنها لا تبسط سيطرةً مطلقة. مع ذلك، أتاح هذا الوضع بيئة مؤاتية تسمح لطهران بالحفاظ على هيمنتها، وحتى بتوسيعها مع مرور الوقت، شرط عدم حدوث تحوّلات كبيرة في الديناميات الراهنة في جنوب سورية.

مسارات حليفي النظام السوري

ويلفت الباحثان إلى أنه كان لحليفَي النظام السوري الأساسيَّين، روسيا وإيران، مساران مختلفان جداً في المنطقة الجنوبية. فقد بدأت موسكو بتسيير دوريات للشرطة العسكرية الروسية هناك، حتى إنها حاولت جعل اللواء الثامن – الذي يضمّ في الغالب عناصر من فصيل مُعارِض سابق يُعرَف باسم فرقة شباب السنّة في مدينة بصرى الشام – قوة وكيلة لها. لكن أتت النتائج متباينة. مع ذلك، كانت الميزة الرئيسة لروسيا سياسية، لأنها الطرف الوحيد الذي لديه خطوط تواصل مفتوحة مع جميع الأطراف المُتحاربة. لكنّ موسكو خسرت هذه الورقة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. فإسرائيل لم تُعِر اهتماماً يُذكر لمعارضة روسيا شنّها غارات جوية على سورية، فيما تمكّنت إيران أيضاً من تعزيز نفوذها في الجنوب السوري، على الرغم من أنّ الاتفاقات التي تفاوضت بشأنها روسيا في العام 2018 كانت تهدف إلى إبقاء طهران وحلفائها بعيداً عن المنطقة الحدودية.

وفيما لا يزال جنوب سورية يشهد حالة من انعدام الاستقرار، طرأت تغيّرات بارزة على مستوى النفوذ الروسي والإيراني هناك. فقد حافظت القوات الروسية والحكومية على حضورها على الأرض، إلا أنّ دورها تراجع في السنوات الماضية. أما إيران، فقد احتفظت بنفوذها في المنطقة، وإن لم تستطع ملء الفراغ الحاصل. ونظراً إلى الموارد الاقتصادية المحدودة التي توطّد الدولة السورية من خلالها سلطتها، وتآكل موقعَي النظام السوري وروسيا، والتقلّبات السائدة في الجنوب، أصبحت الظروف مؤاتية لتوسُّع النفوذ الإيراني على الرغم من العقبات القائمة.

الخليج ليس بعيداً عن مطامع إيران

ينطوي هدف إيران على استغلال الأهمية الجيو-استراتيجية لمنطقة جنوب سورية التي تُعدّ، ولا سيما السويداء ودرعا، مدخلاً للتأثير في التطوّرات في كلٍّ من الأردن، والضفة الغربية، وأبعد من ذلك، في منطقة الخليج. لذا، ليست الحدود السورية الأردنية مجرّد تخوم بين بلدَين، بل تستطيع القوى الفاعلة السياسية التأثير في التطوّرات الإقليمية انطلاقاً من تلك المنطقة. ثم إنّ المنطقة الحدودية تتّسم بأهمية خاصة لقربها من إسرائيل، إذ إن مرتفعات القنيطرة، المطلّة على الجولان المحتلّ والمتاخمة للبنان، تمنح إيران نقطة ضغط ضدّ إسرائيل، أحد الخصوم الأساسيين لطهران، التي حدّدت أولوياتُها بشكل كبير الإطارَ الأمني للمنطقة.

لكن نظراً إلى الطبيعة المبطّنة لأنشطة إيران، يصعب تقييم درجة النفوذ الفعلية التي تتمتّع بها على طول الحدود. ومع ذلك، من الممكن تَبيُّن الصعوبات التي تواجهها، والتقدّم الذي أحرزته مع القوى التابعة لها. فهي تواجه على المستوى الكلّي تحدّياً ديمغرافياً. فالغالبية الدرزية في السويداء، وتلك السنّية في درعا، تصعّبان على طهران ترسيخ حضورها في أوساط السكان، الذين ينظر كثرٌ منهم إليها بأنها عدوّ. أما في القنيطرة، فالأمر مختلف، حيث لسكّانها الأقلّ عدداً مظالمُ تاريخية ضدّ إسرائيل بسبب احتلالها الأرض، ناهيك عن أن الأقلّيتَين الدرزية والمسيحية تربطهما علاقة متوتّرة بالغالبية السنّية المُعارِضة بشدّة للنظام، ما أتاح فرصة أمام إيران لبسط نفوذها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية