إرث الإخوان ما يزال يطارد أرواح التونسيين

إرث الإخوان ما يزال يطارد أرواح التونسيين

إرث الإخوان ما يزال يطارد أرواح التونسيين


14/08/2023

برغم الانحسار الملحوظ في حجم وقدرة هذه التنظيمات الإرهابية على التحرك والتجنيد والحصول على الدعم اللوجستي والمالي والإعلامي، على عكس الأعوام القليلة التي تبعت انهيار نظام زين العابدين بن علي عام 2011، وتراجع العمليات الإرهابية خلال الأعوام القليلة الماضية، ما يزال إرث الإخوان يلاحق أرواح التونسيين.

فالعمليات الإرهابية التي تُنفذ في فترات متباعدة وظهور ذئاب منفردة في بعض المناسبات وإحباط عمليات إرهابية بشكل استباقي من حين إلى آخر، تؤكد استمرار التهديد الإرهابي لحياة التونسيين، وهو ما أثبته انفجار لغم يدوي مؤخراً في مرتفعات القصرين.

لغم جديد

وتداولت وسائل إعلام تونسية نجاة الشاب عدنان العمومي، الطالب في الثانوية، من الموت بعد انفجار لغم في يده وفي وجهه، بينما كان يجمع نبات الإكليل في غابة في جبال المغيلة على الحدود الجزائرية-التونسية؛ بهدف بيعه وتوفير الأموال التي يحتاجها لدراسته واجتياز امتحان البكالوريا. وتسبب الانفجار في فقدان الشاب عدنان إحدى عينيه، وإصابة في يده اليمنى التي كان يجمع بها الأعشاب.

وقد زاره الرئيس قيس سعيّد في المستشفى العسكري مع عدد من كبار المسؤولين في الدولة، وأمر بالتكفل بعلاجه وبدعم حقه في الدراسة واجتياز البكالوريا. ونوّه بتضحيته وجمعه الأعشاب من نوع الإكليل لبيعها قصد توفير المال اللازم لإكمال دراسته، وضمان دخوله الجامعة العام المقبل.

طالبوا السلطات الأمنية والعسكرية بحمايتهم من المداهمات التي يشنها المتطرفون على منازلهم

ويُعدّ هذا أحدث انفجار للغم أرضي تقليدي الصنع بوجه المدنيين الرعاة، من بين أعداد غير محددة من الألغام التي زرعتها جماعات الإخوان المتشددة في الغابات وأراضي الرعي بمرتفعات وجبال القصرين غرب تونس، وتمتد سلسلة هذه الجبال على مناطق شاسعة بولاية القصرين، وإلى أطراف ولاية سيدي بوزيد المجاورة.

وقد مثلت الحادثة مناسبة أُعيد فيها فتح ملف الإرهاب والأسلحة النارية الذي أبرز الحديث عن تورط مجموعات إرهابية فيها طوال العقد الماضي الذي حكمت خلاله حركة النهضة المتهمة برعاية الإرهاب وتمويله ونشره بالبلاد، خصوصاً بعد سقوط حكم الرئيس زين العابدين بن علي في كانون الثاني (يناير) 2011.

سكان المناطق الجبلية ضحايا الألغام

وتكررت هذه الحوادث بشكل كبير في الأعوام الأخيرة، خصوصاً في صفوف النساء والرعاة الذين يسترزقون من الإنتاج الجبلي، رغم تحذير وزارة الدفاع في أكثر من مناسبة من دخول المناطق المغلقة.

ولم ينسَ التونسيون إقدام عناصر متشددة في العامين 2015 و2017 بذبح الشقيقين مبروك وخليفة السلطاني في جبل المغيلة، ولا توجد أرقام دقيقة حول عدد المدنيين الذين راحوا ضحية الجماعات الإرهابية بالقرى المتاخمة للجبال.

تواجه حركة النهضة الإخوانية اتهامات بدعم الإرهاب أثناء فترة حكمها، وحث الشبان في المساجد والاجتماعات الخاصة على الانضمام للجماعات الإرهابية

وسبق لعدد من أهالي المناطق المتاخمة للجبال الغربية للبلاد أن طالبوا السلطات الأمنية والعسكرية بحمايتهم من المداهمات التي يشنها المتطرفون على منازلهم.

ولطالما كانت هذه المناطق الجبلية الوعرة حصناً منيعاً للجماعات المسلحة الموالية لتنظيم (القاعدة في المغرب الإسلامي)، وتنظيم (داعش) المتطرف لاحقاً، مع تصاعد أنشطتها بعد ثورة 2011 بتونس.

ومن تلك المناطق كانوا يشنون هجمات خاطفة دامية ومباغتة ضد دوريات للجيش والحرس الوطني التونسي، كان أشهرها هجوم 2013، وهجوم 2014 خلال شهر رمضان، وقد أوقعا العشرات من القتلى من الجنود.

وكان أثرها واضحاً على مدى أكثر من عقد في الفتك بالعشرات من العسكريين والمدنيين أثناء عمليات تمشيط في المناطق بالمرتفعات، أو أثناء أنشطة الرعي وقطف الأعشاب، كما تسببت في نفوق حيوانات من قطعان المواشي.

ويشير تقرير إحصائي صدر في 2021 عن (مرصد الألغام الأرضية)، بدعم من الأمم المتحدة، إلى أنّ المدنيين ما يزالون يمثلون الضحايا الرئيسيين للأسلحة، حيث يمثلون (8) من كل (10) ضحايا، ويشكل الأطفال ما لا يقلّ عن نصف القتلى أو المشوهين.

وعلى الرغم من أنّ الرجال والفتيان يمثلون 85% من جميع الضحايا، يلفت التقرير الانتباه إلى أنّ النساء والفتيات المصابات يتأثرن بشكل خاص في وقت لاحق من الحياة، عندما يتعلق الأمر بالحصول على المساعدة للضحايا.

إرث إخواني

وتواجه حركة النهضة الإخوانية منذ تسلمها الحكم في عام 2011 اتهامات بدعم الإرهاب أثناء فترة حكمها، وحث الشبان في المساجد والاجتماعات الخاصة على الانضمام للجماعات الإرهابية في سوريا، وتتورط في عملية تسفير الشباب مئات الجمعيات الدينية بتونس والمرتبطة بحركة النهضة الإخوانية، حيث تم حل العشرات منها، بعد ثبوت علاقتها بأعمال إرهابية.

يُذكر أنّه جرى تجنيد الشبان بجوامع ولايات البلاد وإرسالهم للقتال في بؤر التوتر خلال 2011 و2013، أي خلال فترة حكم الترويكا، الذي تقوده حركة النهضة التي دعمت وساندت الحركات الإرهابية في سوريا.

وقد تم تسهيل سفر نحو (6) آلاف تونسي إلى سوريا والعراق العقد الماضي للانضمام إلى الجماعات الإرهابية عبر تركيا.

وعلى مدار أعوام حكمهم أجهض الإخوان مساعي عديدة للتعامل مع ملف تسفير الشباب، وتسببت ممارسات الحركة الإخوانية في عرقلة عمل لجنة تحقيق برلمانية مخصصة لكشف شبكات التسفير، وتم إجبار رئيستها على الانسحاب من موقعها، بعد أن كشفت خيوط هذه الشبكات وعلاقتها بالنهضة.

كما كشفت دراسة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والمركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب  أواخر 2021، عن أنّ التنظيمات الإرهابية في تونس تمكنت من استقطاب قاعدة شبابية مهمة من الطلبة، بعد الثورة التي عرفتها البلاد في عام 2011، مع صعود الإخوان إلى الحكم، وخاصة خلال عامي 2014 و2015.

جرى تجنيد الشبان بجوامع ولايات البلاد وإرسالهم للقتال في بؤر التوتر خلال 2011 و2013، أي خلال فترة حكم الترويكا

وبحسب هذه الدراسة، فإنّ التنظيمات الإرهابية استطاعت استقطاب تلك الفئة من المدارس والمعاهد والجامعات والكليات، وأوضحت أنّ عدد الطلاب والتلاميذ الذين تورطوا في قضايا إرهابية ارتفع من (154) شخصاً عام 2014 إلى (241) شخصاً في عام 2015.

وأكدت أنّ السياسات المتبعة منذ الثورة والعفو التشريعي العام ساهما بدرجة كبيرة في نشر الفكر المتطرف"، معتبرة في الوقت ذاته أنّ هناك عوامل أخرى تُعدّ من أسباب الانخراط في الشبكات الإرهابية منها الفقر والهشاشة الاجتماعية.

الإرهاب خطر قائم

وكانت دراسة نشرها مركز (المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة) قد أكدت أنّ خطر الإرهاب لم ينحسر تماماً في تونس، وبعد التطورات الأخيرة لن يكون مفاجئاً، خاصة إذا انفجرت حركة النهضة من الداخل، وتشكلت تيارات متشددة رسمياً من صلبها تدعو إلى العنف والخروج على الدولة، وحمل السلاح.

التنظيمات الإرهابية في تونس تمكنت من استقطاب قاعدة شبابية مهمة من الطلبة بعد الثورة التي عرفتها البلاد في عام 2011

وقد يؤدي ذلك إلى استقطاب عشرات التونسيين المشردين في الخارج، والموزعين على تنظيمات في سوريا والعراق وليبيا والصحراء الأفريقية، فضلاً عن مناطق صراع أخرى، مثل أفغانستان بعد عودة طالبان إلى الحكم؛ ليشكلوا خطراً حقيقياً على تونس، بسبب الخبرات الهائلة التي اكتسبوها على امتداد الأعوام الماضية، تنظيماً وتسليحاً وقتالاً.

وبالتالي، فإنّ خطر عودة الإرهاب إلى الواجهة ليس فزاعة، كما كانت تروج بعض الأوساط التونسية على امتداد الأعوام الماضية، في ظل توفر الأرضية الفكرية والتنظيمية والبشرية، والرغبة لدى بعض الأوساط في الداخل والخارج في تحريك هذه القوى الجاهزة والمؤثرة بالضرورة، ممّا يعني أنّ الرئيس قيس سعيد بعد 25 تموز (يوليو) الماضي مطالب بنتائج سريعة وفورية لضمان استمرار الدعم الشعبي والسياسي الواسع الداخلي والخارجي الذي حصل عليه، لتفادي تصدع الجبهة التي تقف وراءه، ممّا يفتح المجال واسعاً لتسلل الإرهاب من جديد.

مواضيع ذات صلة:

منشق عن حركة النهضة الإخوانية يورط زعيمها ونجله في قضايا "تبييض الأموال"

هل هناك مباحثات سرية لتمرير خروج آمن لحركة النهضة الإخوانية من تونس؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية