أين تتجه الأوضاع الأمنية والسياسية في مالي؟

أين تتجه الأوضاع الأمنية والسياسية في مالي؟


20/07/2022

تسير الأوضاع الأمنية والسياسية في مالي إلى الأسوأ على نحو خطير، فبعد قرابة عام من انسحاب القوات الفرنسية من البلاد، لم تنجح السلطات العسكرية الحكومية في صد العمليات الإرهابية أو وقف استهداف المدنيين والمؤسسات العامة، فيما تتفاقم الأزمة الأمنية بشكل خطير وتتصارع القوى الدولية على حجز مكان لها في الدولة ذات الموارد الوفيرة، المنهارة سياسياً وعسكرياً. 

ويتكرر مشهد الإرهاب والنزاعات العرقية والطائفية في مالي، التي تقع بمنطقة الساحل الأفريقي، بشكل شبه يومي، مخلفاً مئات الضحايا، وشهدت العاصمة باماكو في (21) حزيران (يونيو) الماضي، مجزرة وصفت بأنها الأسوأ في تاريخ البلاد والأحدث ضمن سلسلة عمليات القتل المتواصل التي تستهدف المدنيين، نفذها إرهابيون بقلب العاصمة وراح ضحيتها، نحو (132) مدنياً.

وفي السياق كشف نواب محليون لصحيفة "الشرق الأوسط"، وقوع عدد من المجازر في قرى مجاورة للعاصمة قبل الحادث بنحو أيام، راح ضحيتها العشرات، ولم تعلن الحكومة أية تفاصيل عنها.

وبحسب النواب "ارتكب مسلحون مجازر ممنهجة في ديالاساغو وفي قريتين قريبتين هما دياويلي وديساغو في وسط مالي، وهي بؤرة ساخنة لأعمال العنف في منطقة الساحل"، فيما قال مسؤول محلي منتخب تحدث في باماكو وفضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: "فقدنا أقاربنا وإخوتنا الكبار وأعمامنا ودمرت المعدات وسرقت الحيوانات والملابس وكل شيء، لم يبق شيء من ديالاساغو. ديالاساغو، أغنى بلدية في دائرة بانكاس".

حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مراراً من مغبة تدهور الوضع الأمني في البلاد

من جانبه، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مراراً من مغبة تدهور الوضع الأمني في البلاد، وطالب بحماية المدنيين الذين يتعرضون لهجمات وحشية بشكل يومي. 

وقال غوتيريش في رسالة وجهها مؤخراً إلى رئاسة مجلس الأمن، إنه مع تكثيف القوات المالية لعملياتها "يتعرض المدنيون لهجمات عنيفة وانتهاكات متزايدة لحقوق الإنسان؛ مما أدى إلى وقوع أكبر عدد من الضحايا المدنيين المسجلين حتى الآن في مالي".

مصر تعلق بعثتها في قوات حفظ السلام

العمليات الإرهابية، في مالي، التي تعاني مستوى خطيراً من الميوعة الأمنية والتدهور السياسي إثر انقلابات متتالية، لم تتوقف عن استهداف المدنيين أو العسكريين فقط، ولكن امتدت لعناصر بعثة الأمم المتحدة المشاركة بقوات حفظ السلام، ما دفع بعض الدول للإعلان عن تعليق مساهمة بعثاتها. 

وكانت مصر قد علقت أنشطة بعثتها المشاركة بقوات حفظ السلام قبل أيام، بعد استشهاد جنديين إثر انفجار قنبلة بدائية الصنع، بحسب تصريحات مسؤول أممي لوكالة "فرانس برس".  

 صلاح خليل: أحد أسباب عدم نجاح المواجهة مع الإرهاب في مالي هو العمل أحادي الجانب من العديد من الفواعل الغربية بمناطق الساحل وكثرة المبادرات والعمل غير المنسق بشكل جيد بين دول الساحل والمجتمع الدولي

وقال متحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، يوم الجمعة الماضي، إنّ مصر أبلغت المنظمة بأنها ستعلق أنشطة قواتها في بعثة حفظ السلام في مالي مؤقتاً، وعزت ذلك إلى تزايد الهجمات على قوات حفظ السلام المصرية التي ترافق قوافل الإمداد لقواعد الأمم المتحدة، بحسب "العربية".

وأوضح دوجاريك أنه: "تم إبلاغنا بأنه نتيجة لذلك، ستعلق الوحدة العسكرية المصرية مؤقتاً أنشطتها في مينوسما اعتباراً من 15 أغسطس".

تنافس دولي على الموارد.. لكن ماذا عن الإرهاب؟

منذ انسحاب القوات الفرنسية، والتي كانت تقدر بعشرات الآلاف من البلاد بشكل مفاجئ نهاية عام 2021، تشهد مالي تمدداً غير مسبوق للتنظيمات الإرهابية، أبرزها تلك التابعة لتنظيمي؛ القاعدة وداعش، وتتنافس هذه التنظيمات فيما بينها على مناطق النفوذ والثروات، ولأسباب عقائدية، فيما يقع المدنيين تحت وطأة الإرهاب في غياب شبه كامل للردع الدولي. 

وإلى جانب عجز الحكومة المحلية عن مواجهة تمدد الإرهابيين في مختلف أرجاء البلاد، تشير بعض التقارير إلى وقوع البلاد ضحية للصراع بين روسيا والغرب خاصة، أن قوات "فاغنر" الروسية قد حلت بديلاً عن القوات الفرنسية بطلب من مسؤولين ماليين، ما اعتبرته باريس تصعيداً للأزمة وفشلاً في القدرة على مواجهة المخاطر المحلية، واعتبره مراقبون جزءاً لا ينفصل عن الصراع الغربي الروسي الذي تأجج نتيجة الحرب الأوكرانية. 

تشهد مالي تمدداً غير مسبوق للتنظيمات الإرهابية

وبحسب تقرير لموقع "اندبندنت عربية"، يبدو أنّ الولايات المتحدة ستدخل قريباً على خط الأزمة المتفاقمة في مالي، حيث قالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي فيي، إنّ "بلادها ترغب في ردع الحكومات الأفريقية عن اللجوء إلى "فاغنر" لتلبية احتياجاتها الأمنية".

وخلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ في شأن "عدم الاستقرار وحالة الديمقراطية في منطقة الساحل واستجابة السياسة الأمريكية" الأسبوع الماضي، أشارت فيها إلى وجود استراتيجية جديدة مشتركة مع الوكالات الأمريكية، في منطقة الساحل تهدف إلى "بناء قدرات الحكومات لاستعادة الثقة العامة على الصعيدين الوطني والمحلي من خلال تقديم عادل للخدمات الحكومية وإنفاذ القانون والعدالة".

 

خوسيه لويس مانسيا: تواجه أفريقيا لُغزاً معقداً في إطار حرب الدعاية تشارك في إعداده أطراف عدة: جيش مالي وفرنسا والقاعدة وداعش والطوارق.. ولكل غاية في ترتيب أوضاع هذه المنطقة الحيوية من العالم

ومن غير المتوقع أن ترسل واشنطن قوات لمنطقة الساحل، لكن قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" الجنرال ستيفن تاونسند، أكد أنه "يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها مواجهة صعود الجماعات المتطرفة العنيفة ووصول المرتزقة الروس إلى منطقة الساحل، مع تزايد عدم الاستقرار"، بحسب التقرير ذاته. 

وبرغم الجهود الدولية الكبير للسيطرة وكسب نفوذ إستراتيجي داخل مالي، إلا أنها ليست مثمرة في مجال مكافحة الإرهاب أو محاصرة عملياته، ويرى الباحث السياسي المختص بالشأن الأفريقي، صلاح خليل، أن السبب في ذلك يعود إلى "العمل أحادي الجانب من العديد من الفواعل الغربية بمناطق الساحل، وكثرة المبادرات والعمل غير المنسق بشكل جيد بين دول الساحل والمجتمع الدولي، بما في ذلك فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية". 

وينوّه خليل في دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية إلى "ضعف فاعلية ومصداقية هذه الجهود، وانحصارها في الجوانب السياسية والأمنية لتلك الدول، وبُعدها عن التنمية الاقتصادية"، الأمر الذي جعلها غير فعالة وغير منجزة في مجال مكافحة الإرهاب.

سيناريوهات قاتمة

وتشير كافة التقديرات إلى توجه الوضع في البلاد إلى الأسوأ، مع استمرار حالة الانهيار السياسي وتمدد التنظيمات الإرهابية خاصة داعش باستغلال حالة الفراغ الأمني. 

ويرى الكاتب خوسيه لويس مانسيا، أنّ كافة السيناريوهات المرتقبة للأزمة في مالي "خطيرة"، وقال: "إذا كان الوضع الحالي بغرب أفريقيا، تحديداً في مالي وبلدان الجوار كالنيجر وبوركينا فاسو، سيئاً، فالتوقعات تشير إلى أنه سيكون أسوأ".

وبحسب مانسيا، في مقاله المنشور بموقع "العين" تحت عنوان: "غرب أفريقيا.. بين إرهاب ومجاعات ونقص ذخيرة"، يتسبب الحصار الجوي المفروض على مالي من قبل منظمة "الإيكواس" في نفاد ذخيرة الجيش المالي، ولولا تدخل موسكو لتزويد باماكو بالذخيرة لكانت المشكلة أعمق.

وأضاف: "حتى الآن، لجأت الحكومة المالية إلى مجموعات دفاع من "الطوارق" للحصول على الذخيرة".

ووفق مانسيا، تواجه أفريقيا، لُغزاً معقداً في إطار حرب الدعاية، تشارك في إعداده أطراف عدة: جيش مالي وفرنسا والقاعدة وداعش والطوارق.. ولكل غاية بالتأكيد في ترتيب أوضاع هذه المنطقة الحيوية من العالم والقارة السمراء، التي تعد مستقبل جماعات الإرهاب على الكرة الأرضية.

 

مواضيع ذات صلة:

حضور روسي وغضب فرنسي وتوغل إرهابي... ماذا يحدث في مالي وغرب أفريقيا؟

لماذا قطع الحكام العسكريون في مالي العلاقات مع فرنسا؟

هل يؤجج الانقلاب في مالي الصراع بين فرنسا وروسيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية