أهمية مؤتمر برلين

أهمية مؤتمر برلين


22/01/2020

أحمد مصطفى
بغض النظر عن التفاصيل والتصريحات والتحليلات، فإن الناتج الأهم لمؤتمر برلين حول ليبيا هو «نهاية الصخيرات»، بكل ما يعنيه ذلك من تجاوز الترتيبات التي كانت عملت على أساسها الأمم المتحدة والأسرة الدولية للتوصل إلى تسوية سياسية في ليبيا. فقد جمع مؤتمر برلين، إلى جانب الأمم المتحدة، الأطراف الرئيسية في الإقليم والعالم المعنية بالوضع في ليبيا. وهذا يعني ببساطة أن الوضع القانوني لما يسمى حكومة الوفاق في طرابلس انتهى، ولا يمكنها الاستناد إلى أنها «المعترف بها دولياً».
ذلك السند الذي اعتمدته حكومة الميليشيات لشرعنة الدعم التركي للإرهاب بنقل إرهابيي «داعش» إلى ليبيا، وإمداد الميليشيات بالسلاح. وما تركيز المشاركين في المؤتمر على الصرامة في منع دعم الأطراف بالسلاح والحيلولة دون تحول ليبيا إلى ساحة إرهاب إلا رسالة موجهة لأردوغان، الذي حضر إلى برلين، ليسمع من الجميع أنه لن يسمح له بدعم الميليشيات.
أما ما لم يأتِ في البيان الختامي، فكان الرسالة الأوروبية لأردوغان بأن تهديده بإغراق أوروبا بالإرهابيين القادمين من ليبيا إذا لم تسر الأوضاع فيها كما يريد هو ومن يرعى الإخوان والإرهاب سيقابل بحزم.
وببساطة فشل ابتزاز أردوغان للأوروبيين مستغلاً اللاجئين، كما فعل بانتهازية في الأزمة السورية.
طبعاً لم يكن المؤتمر سوى خطوة أولى كما أعلنت مضيفته في المؤتمر الصحفي، ولم يكن أحد يتوقع من برلين أن تحل مشكلة ليبيا. لكن الأهم هو أن الوضع «الشاذ» الذي فرضته «الأسرة الدولية» بعد انتخابات 2014 التي خسرها الإخوان وميليشياتهم انتهى. ويبقى متروكاً للقوى على الأرض أن تنهي وجود الميليشيات بغض النظر عن المسار السياسي الذي ستتولاه الأمم المتحدة.
ولا يقتصر ذلك على الميليشيات في طرابلس ومصراته التي تنضوي تحت لواء الإخوان، وإنما يشمل أيضاً عصابات تهريب البشر التي تستبيح سواحل طرابلس، وأثرى من ورائها رموز الحكم في طرابلس. وذلك أيضاً بيد القوى على الأرض، وإن كان من غير المتوقع أن يدعم الأوروبيون الجيش الوطني في هذه المهمة، فالأغلب أنهم يدركون الآن من يهدد أمنهم ومن يمكن أن يبعد الخطر الليبي بالقضاء على الميليشيات والعصابات.
التأكيد على وقف إطلاق النار وأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد أمر طبيعي، يعني أن لا حل لأي صراع إلا بتسوية سياسية، لكن تسوية على أي أساس؟ وهل وقف إطلاق النار سيضمن نزع سلاح الميليشيات، تحديداً في طرابلس ومصراتة؟ فليأخذ مسار برلين مداه، وليرسخ لما بعد الصخيرات، فهذا في حد ذاته تراجع من «الأسرة» الدولية عن موقف سابق يرى ضرورة أن يكون للإخوان والإرهابيين والعصابات دور في حكم ليبيا.
وإذا لم يؤدِ المسار إلى تقليل خطر ليبيا، وخاصة على جيرانها المباشرين كمصر والجزائر وتونس وعلى بقية المنطقة من كينيا إلى بوركينا فاسو، فلن يكون أمام تلك الأطراف التي يهدد خطر ليبيا أمنها القومي مباشرة إلا أن تتصرف بما يحمي مصالحها. وسيكون على أوروبا عندها أن تختار بين من يهددها بالإرهابيين من ليبيا، ومن يسعى لإنهاء وجود الإرهاب في ليبيا.
حسناً فعل المجتمعون في برلين بتجاهل دعوة رئيس الوزراء البريطاني بإرسال قوات إلى ليبيا لمراقبة وقف إطلاق النار، فذلك يعقد الأمور أكثر. إذ كيف لمن يطالبون بصرامة حظر السلاح ومنع إرسال القوات أن يرسلوا قواتهم إلى هناك، حتى لو كانت تحت غطاء الأمم المتحدة؟
هل يعني مؤتمر برلين أن القوى الرئيسية في حلف الناتو التي قضت على نظام القذافي انتبهت لتبعات ما فعلت، وستعمل على تفادي تبعاته السلبية على المنطقة وعليها؟ الأرجح ليس الأمر كذلك، بل هو أقرب للغزو الأمريكي / البريطاني للعراق في 2003، والذي لم يكن هناك استراتيجية بعده لمنع العراق من التحول إلى ساحة للصراع، واستمرار تمزقه وتدهوره وغرقه في الدماء والفساد والدمار.
لا يعول كثيراً إذاً على هذا المسار إلا بقدر ما «يساعد» كعامل محفز على فرملة تحول ليبيا إلى بؤرة إرهابية جديدة أخطر مما أدى إلى بروز «داعش» في العراق وسوريا. وتبقى أهمية برلين أنها أنهت الصخيرات، لكن جذر الخطر هو مسؤولية الليبيين أنفسهم والأطراف المعنية مباشرة بخطر «دولة إرهابية» في ليبيا أي جيرانها المباشرين. وعلى هؤلاء الآن التمسك أكثر بدعم الجيش الوطني الليبي، حتى في مسار مفاوضات الأمم المتحدة وكل ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار التي ستلي برلين.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية