أكوام النفايات تؤرق حياة النازحين الفارين من الموت جنوب غزة

أكوام النفايات تؤرق حياة النازحين الفارين من الموت جنوب غزة

أكوام النفايات تؤرق حياة النازحين الفارين من الموت جنوب غزة


كاتب ومترجم فلسطيني‎
23/06/2024

في منطقة المواصي غربي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يتكدس مئات الآلاف من النازحين الفارين من مدينة رفح على إثر العملية البرية داخل المنطقة الضيقة، التي يصفها الجيش بالإنسانية، حيث لا يجد النازحون أماكن نظيفة وآمنة لنصب خيامهم هناك، نتيجة الاكتظاظ الهائل بالوافدين من مدينة رفح، ونتيجة لذلك لجأ المئات وبسبب ضيق المساحات إلى نصب خيامهم بجانب حاويات وأكوام النفايات، التي يصعب على الجهات المختصة من البلديات ترحيلها إلى أماكنها المخصصة لصعوبة الوصول إليها، وهذا أدى إلى تفشي العديد من الأمراض خاصة الجلدية والتنفسية في صفوف أعداد كبيرة من الأطفال والنساء وكبار السن، عدا عن الانتشار الهائل للذباب والبعوض والعديد من الحشرات التي تؤذي المواطنين، بالتزامن مع الارتفاع الحاد في درجات الحرارة.

معاناة النازحين تتواصل مع استمرار عمليات النزوح في ظل القصف العشوائي من قبل الجيش على مختلف مناطق قطاع غزة، وفي المقابل تتعاقب المآسي على النازحين الفارين من الموت، حيث التهجير القسري المتواصل وصعوبة توفير المقومات الإنسانية الأساسية للمواطنين، نتيجة الدمار الإسرائيلي للبنية التحتية في مختلف مناطق القطاع، يضاف إلى ذلك أزمة تكدس النفايات الخطيرة بين خيام النازحين، وصعوبة الجهات المختصة تصريف الكم الهائل من تلك النفايات إلى الأماكن المخصصة لها؛ بسبب تداعيات الحرب، واستهداف الاحتلال كل من يحاول الاقتراب من المناطق الحدودية، التي تعتبر من الأماكن المخصصة بالنسبة إلى البلديات لطمر النفايات المرحلة يومياً إليها.

🎞

ومنذ بداية حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تشهد بلديات قطاع غزة أزمات متراكمة مع بدء الاحتلال استهداف مقراتها والآليات المستخدمة في عمليات نقل النفايات، عدا عن منع الشاحنات المحملة بالنفايات من التوجه إلى المكبات المتواجدة على مقربة من الحدود الفاصلة مع إسرائيل شرقي غزة، وهذا ما دفع بالبلديات إلى تجميع مئات الأطنان من النفايات في ساحات قريبة من الأحياء والمخيمات التي يسكنها النازحون، في ظل انحسار الخيارات أمام إمكانية إيجاد بدائل آمنة.

مؤسسات حقوقية دولية ومحلية حذرت من التداعيات الخطيرة للتكدس الهائل للنازحين في مناطق جنوب قطاع غزة، بالتزامن مع النقص الحاد في الخدمات الإنسانية وتفشي العديد من الأمراض بين النازحين، وقد حذرت وكالة (أونروا) من عمليات التهجير القسري المتواصلة للسكان في مدينة رفح، على إثر توسيع الجيش الإسرائيلي للعملية البرية، وصعوبة إيجاد أماكن صحية وآمنة للنازحين في المناطق الضيقة والمعدومة من الخدمات التي خصصها الجيش لسكان مدينة رفح كي يخرجوا من المدينة، كما حذرت الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) من المخاطر البيئية والصحية المترتبة على تكدس النازحين في منطقة مواصي خان يونس وانعدام سبل النظافة؛ نتيجة استمرار الاحتلال في إغلاق المعابر وعدم إمكانية توفير المستلزمات الوقائية، خاصة مع تفشي العديد من الأمراض والأوبئة وعدم توفر مراكز رعاية صحية كاملة لاستيعاب الأعداد الهائلة من المواطنين، بعد أن أقدم الاحتلال الإسرائيلي على تدمير مستشفيات مناطق جنوب غزة، واعتماد السكان على النقاط الطبية الصغيرة التي تقدم فقط الرعاية الأوّلية للمرضى. 

في أحاديث منفصلة لـ (حفريات): عبر نازحون عن بالغ استيائهم من الظروف الإنسانية والمعيشية الصعبة التي يمرون بها، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية وتراكم الأزمات عليهم، خاصة في ظل تراجع تدفق المساعدات وعدم وجود أماكن آمنة وصحية للعيش فيها، حيث تتراكم النفايات بين الخيام وفي الطرقات، وتنتشر الحيوانات الضالة فيها، وتنبعث الروائح الكريهة والخطيرة منها، عدا عن الحشرات الخطيرة والمزعجة التي ترهق النازحين.

يقول النازح فايز سلمان الذي أجبر على النزوح من مدينة رفح إلى منطقة المواصي غربي مدينة خان يونس: "نواجه ظروفاً قاسية جداً خلال النزوح، فالخيام المهترئة وارتفاع درجات الحرارة بداخلها هي أمور كارثية ومزعجة، عدا عن تكدس النفايات بجانب الخيام المحيطة بالمواطنين الذين لا يجدون أماكن مخصصة نظيفة، وهذا ما زاد من معاناتنا كنازحين نواجه أكبر كارثة بيئية وصحية، في ظل عجز الجهات المحلية والدولية في إيجاد حلول لما نعانيه".

ولفت في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ تفشي الذباب والبعوض داخل الخيام يشكل معضلة كبيرة للنازحين، فلا نعرف النوم لا في الليل ولا في النهار؛ نتيجة الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات والإزعاج الذي تسببه الحشرات، حتى أنّه مع طلوع الشمس نخرج للاستظلال خارج الخيام التي ترتفع بداخلها درجات الحرارة".

🎞

أمّا المواطن محمود أبو عياد، فهو يشتكي من المخاطر البيئية والصحية الخطيرة المترتبة على تكدس أكوام النفايات، يضاف إلى تلك المخاطر إلقاء الحيوانات الميتة فوق تلك الأكوام، وهو ما يزيد من خطر انتشار الروائح الكريهة والحشرات الخطيرة، عدا عن تجمع الكلاب الضالة والشرسة خاصة مع ساعات الليل على تلك التجمعات، وهي تهدد المواطنين الذين يحاولون الخروج لقضاء حاجاتهم خلال الليل بالاعتداء عليهم. 

وتحاول مؤسسات دولية العمل على إيجاد فرص عمل مؤقتة للعديد من الشبان، من خلال توفير عربات تجرها الحيوانات وتنفيذ عمليات تنظيف أسبوعية وربما شهرية للأماكن التي تتراكم فيها كميات كبيرة من النفايات بين المناطق التي تؤوي النازحين، ونقلها إلى مناطق لا تبعد عن مخيمات النزوح كثيراً مقابل أجور مادية ، لكنّ هذا الحل المؤقت لا يحمي المواطنين من إمكانية التعرض لكوارث صحية؛ بسبب وصول الروائح والحشرات من تلك التجمعات إلى المواطنين، وبالتحديد صعوبة طمرها وبقائها تحت أشعة الشمس طوال الوقت. 

بدوره يقول المواطن أبو يوسف الذي يعمل موظفاً في نقل النفايات إلى المكبات المخصصة في منطقة صوفا شرقي مدينة خان يونس: إنّ شاحنات البلدية توقفت عن ترحيل النفايات منذ بداية الحرب على قطاع غزة إلى المكبات المخصصة في صوفا ومنطقة كيسوفيم وجحر الديك؛ بسبب العملية البرية التي طالت كافة مناطق قطاع غزة، ومنع وصول أيّ من السكان في غزة إلى المناطق الحدودية.

وأوضح لـ (حفريات ) أنّ عمل البلدية يسير بشكل جزئي بسبب تعرض عدد من الشاحنات للتدمير المتعمد، وعدم توفر محروقات لتشغيل المركبات المتبقية، وهذا زاد من تكدس أكوام النفايات بشكل كبير، خاصة مع ارتفاع أعداد السكان في منطقة خان يونس بشكل مضاعف، وانتشار أكوام النفايات في كل مكان.

ولفت إلى أنّ هناك جهوداً من قبل مؤسسات دوليّة إلى جانب البلدية تعمل على نقل النفايات مرتين في الأسبوع على الأقل من داخل المناطق المأهولة إلى تجمعات في مناطق فارغة داخل المدينة، من خلال بعض الشاحنات التي بإمكانها العمل ويتوفر لها وقود، إلى جانب الاعتماد على العربات التي تجرها الحيوانات، وهذا هو الحل الوحيد في ظل صعوبة توفير أماكن فارغة أو التوجه إلى الأماكن الرئيسية.   

يشار إلى أنّ الجيش الإسرائيلي يواصل شن حرب مستعرة على قطاع غزة للشهر التاسع على التوالي، متجاهلاً كافة القرارات الدولية من مجلس الأمن والجنائية والعدل الدولية بضرورة وقف الحرب ومنع ارتكاب المزيد من مجازر الإبادة بحق المدنيين العزل، وذلك بالتزامن مع عجز الجيش عن تحقيق أهدافه منذ بداية الحرب.  




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية