أكراد إيران.. قصة مئة عام من البحث عن استقلال

الأكراد

أكراد إيران.. قصة مئة عام من البحث عن استقلال


13/10/2019

مع احتلال أجزاء واسعة من إيران، خلال الحرب العالمية الأولى، تشجّع الأكراد، في شمال البلاد، للثورة وإعلان الاستقلال، بالتزامن مع حركات مماثلة في مناطق الأكراد بالعراق وتركيا، واصطدم الحراك الكردي في إيران بحكم مركزي تصدّى له، ورغم ذلك استمر طوال عقود بالعودة وإعادة الانبعاث، مع التطوّر والتحوّل من شكل لآخر.
البدايات.. حراك قومي بطابع قبليّ
برز الزعيم الكردي، سمكو آغا، زعيم قبيلة شِكاك الكرديّة، في طليعة الحراك الكردي المطالب بالاستقلال عن طهران، وانطلقت حركته بدءاً من العام 1918، وتمكّن سريعاً من السيطرة على المناطق الواقعة غرب بحيرة أروميّة حتى حدود تركيا.

اقرأ أيضاً: أكراد في تركيا.. كيف حدث الانتقال من السلاح إلى صناديق الانتخاب؟
أخذ حكم سمكو آغا بالانحسار بعد خسارة معركة "ساري تاج"، عام 1922، وانسحبت قوّاته بعدها إلى الجبال على الحدود مع تركيا، وتمركز سمكو في مدينة "تازة شهر" الحدوديّة، وفي عام 1930 دعاه القائد الإيراني، حسن مقدم، للتفاوض في مدينة "أشنوية"، قبل أن يتضح أنّ الأمر كان عبارة عن مكيدة، ويتم اغتياله، ورغم وجود حكم الانتداب البريطاني في العراق المجاور آنذاك، إلا أنّهم اختاروا عدم تقديم الدعم للثورة؛ بل دعموا الحكم الإيراني للقضاء عليها.

سمكو آغا بين المقاتلين الأكراد

ورغم الطابع القبلي للثورة وزعامتها، إلا أنّها تمكّنت من تقديم المسألة الكرديّة في إيران، للمرة الأولى، كمسألة قوميّة تتعلق بحق تقرير المصير ومطلب الاستقلال.
انتفاضة تقودها أميرة
وفي تلك الأعوام أيضاً، قضت قوات الشاه رضا بهلوي على إمارة "لورستان الصغرى"، وهي الإمارة الكرديّة التي ورثت حكم "الأتابكة بني خورشيد"، وتمتعت بحكم محلي منذ نشأة الدولة الصفويّة، ومن ثم خلال العهد القاجاري، وكان حكّام الإمارة بمثابة وكلاء يتم تعيينهم من قبل الشاه، ولكن، مع استلام رضا شاه البهلويّ الحكم وقيام الدولة البهلوية في إيران، عام 1925، قرر رضا شاه إنهاء حكم الإمارة، وقام بغزوها، والقضاء عليها، عام 1929، ونُفي آخر ولاتها، غلام رضا خان، إلى العراق، وذلك بالتزامن مع توجه رضا شاه نحو تأسيس حكم مركزيّ في البلاد.

اقرأ أيضاً: كيف تمّ التمهيد للهجوم التركي على أكراد سوريا؟
وبعد مقتل أخيها، شمراد خان، في تلك الحملة، قامت أخته، الأميرة قدم خير، بقيادة انتفاضة ضدّ الشاه، قبل أن يتم التصدي لها وقمعها، ويتم اعتقال قدم خير، واقتيادها إلى طهران، والحكم علها بالسجن مدى الحياة.
الحراك القومي بصيغة حديثة
مع اندلاع أحداث الحرب العالمية الثانية، وبسبب خشية قوّات التحالف من انحياز الشاه لمعسكر دول المحور، قامت بالإطاحة به، وصعد إلى الحكم ابنه محمد رضا بهلوي، وكانت فترة اضطراب في البلاد، دخلت فيها القوّات السوفييتية من الشمال والإنجليز من الجنوب، وفي هذا السياق؛ تبلور بين الشباب الكردي الناشط في إيران، طور جديد، ابتعد هذه المرة عن الشكل التقليدي المعتمد على الزعامات القبليّة، واتجه إلى تأسيس إطار حزبي يتبنّى صيغة حديثة عن الحراك القومي.
في عام 1942؛ أسّست مجموعة من الشباب الكردي جمعية باسم "بعث كردستان"، تركّز نشاطها في مدينة "مهاباد"، معقل الحركات السياسية الكردية آنذاك، وعام 1945؛ تطوّرت الجمعية إلى "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، بقيادة الزعيم الكردي، قاضي محمد، ورفع الحزب مطلب الاستقلال لكردستان.
جمهوريّة مستقلة
مع تواجد القوّات السوفييتية شمال البلاد، تمكّن الحزب من قيادة تحرّك استقلالي، وأعلن قيام جمهورية كرديّة مستقلة، وعاصمتها "مهاباد"، واختير قاضي محمد رئيساً، وذلك في كانون الثاني (يناير) من عام 1946، وكان الحزب آنذاك يعلن تبنّيه الفكر الماركسي ومناصرته للاتحاد السوفييتي، لكن بعد انسحاب السوفييت بضغط من القوى الكبرى، تمكّنت القوّات الإيرانيّة من القضاء على الجمهوريّة الوليدة، بعد أن استمرت مدة أحد عشر شهراً، وفي آذار (مارس) 1947، تم إعدام قاضي محمد.

قاضي محمد يتوسط أعضاء مجلس الحكم التأسيسي لجمهورية مهاباد

ثورة ماركسيّة
مع تصاعد الحراك الثوري في كردستان العراق، منذ انطلاق ما عرف بثورة أيلول (سبتمبر) عام 1961، قدم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الإسناد لأكراد العراق في ثورتهم، وفي آذار (مارس) 1967؛ انتقلت الثورة الكرديّة إلى الداخل العراقي بقيادة الحزب، لتجدّد مطالب استقلال الأكراد في إيران، وهذه المرة في صيغة ثورة تحررية ماركسيّة التوجّه، جاءت بالتزامن مع انتشار هذا النوع من الثورات حول العالم.

تأسّس الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1945 في مهاباد ورفع مطلب الاستقلال لكردستان

في المقابل؛ لم يقدم الملّا مصطفى البرزاني، قائد الحراك الثوري الكردي في العراق، الدعم للثوّار الأكراد في إيران، مؤثراً إقامة العلاقات والتواصل مع الشاه، طمعاً منه في الحصول على دعمه في مواجهته مع الحكومة العراقيّة، وهو ما تحقق واستمر حتى اتفاقية الجزائر عام 1975، وأدّت هذه الصفقة إلى تمكّن القوات الإيرانيّة من القضاء على الثورة الكرديّة، بحلول العام 1970، وهو ما أدى إلى إحداث شرخ بين الحراكَين في البلدين، ورأى مناضلو الحزب الديمقراطي أنّ الملا مصطفى خائن.

مقاتلون من الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عام 2013

ثورة عامّة وفصل جديد
مع مطلع السبعينيات؛ انتخب أمين عام جديد للحزب، عبد الرحمن قاسملو، وفي مؤتمر الحزب، عام 1973، تبنى الحزب شعار "الديمقراطيّة لإيران والاستقلال الذاتي لكردستان"، تعبيراً عن انخراطه أيضاً في الحراك المتصاعد في إيران ضدّ حكم الشاه، الذي اتجه إلى تأسيس نظام حكم قمعي منذ الانقلاب على حكم رئيس الوزراء، محمد مصدّق، عام 1953.

اقرأ أيضاً: الأكراد.. أين يتواجدون؟ وهل حصلوا على حقوقهم السياسية والثقافية؟
اصطفّت الحركات المعارضة الإسلاميّة إلى جانب الماركسيّة، وعام 1977؛ انطلقت الثورة وانتشرت في المدن الإيرانيّة، حتى نجحت، عام 1979، بإسقاط حكم الشاه، وتأسست إثر ذلك الجمهوريّة الإسلاميّة، وهنا بدأت قصة فصل جديد من النضال الكردي في إيران.
في مواجهة الجمهوريّة
تنكّرت الجمهوريّة الجديدة للمطالب الكرديّة بالاستقلال أو الحكم الذاتي، وتعمقّت الأزمة مع حرمان الأكراد من الحصول على مقاعد في اجتماع مجلس الخبراء المنعقد بغرض كتابة دستور جديد للبلاد، ونتيجة لذلك؛ اندلعت مرحلة جديدة من الثورة الكردية، وعادت مطالب الاستقلال والكفاح المسلّح من جديد، وذلك في منتصف آذار (مارس) عام 1979، وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جانب الحزب اليساري الكردي "كومه له" في قيادة الحركات الثورية.

تنكّرت الجمهوريّة الإسلاميّة عند قيامها للمطالب الكرديّة بالاستقلال أو الحكم الذاتي

وبعد نجاحهم في السيطرة على مناطق واسعة، شنّت القوات الإيرانيّة هجوماً واسعاً على معاقل الثوّار الأكراد، في ربيع عام 1980، وقامت باعتقال وإعدام عدد كبير من أعضاء الحزبين، إلا أنّ اندلاع الحرب العراقية – الإيرانيّة، في أيلول (سبتمبر) من ذلك العام، أعطى دفعة جديدة للثورة، وذلك بعد تقديم الحكومة العراقيّة الدعم للثوّار واحتضانها لهم، وسقطت مواقع الثوّار بالتدريج وبقيت مجموعات منهم تنفّذ هجمات متفرقة إلى أن انتهت هذه الثورة، بحلول أواخر العام 1983، وجرى إعدام نحو (1200) من السجناء السياسيين الأكراد في المرحلة الأخيرة من الثورة.

مناطق سيطرة الأكراد (باللون الأخضر) بعد ثورتهم عام 1979

اغتيالات
عام 1989؛ نفّذت عناصر الاستخبارات الإيرانيّة، بأمر من رئيس الجمهوريّة، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، عملية اغتيال في فيينا لعبد الرحمن قاسملو، أمين عام الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، ما أدى إلى تجدد اندلاع سلسلة من الهجمات المتبادلة بين الحزب والقوّات الإيرانيّة خلال الأعوام (1989-1996).

اقرأ أيضاً: رسالة أوجلان... هل تصنع السلام بين أكراد سوريا وتركيا؟
كما شهدت التسعينيات تنفيذ سلسلة من الاغتيالات داخل إيران بحقّ أئمة معارضين لنظام الحكم، خاصّة من الأكراد السّنة، وكان النظام الجديد قد نجح في التفريق بين الأكراد الشيعة والسّنة، فيما يتعلق بمطلب الاستقلال، وعام 1996، بعد مقتل ملا محمد ربيعي، عالم الدين الكردي السّني، في كرمنشاه، اندلعت مواجهات عنيفة بين الأكراد وقوّات الأمن في كرمنشاه.
محاولة للإصلاح
في العام التالي، 1997، وصل إلى الرئاسة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، والذي أعلن خلال عهده (1997-2005) سلسلة من السياسات الإصلاحيّة الجديدة، من بينها إصلاحات فيما يخص قضية الأكراد ومطالبهم، وفي هذه المرحلة انبثق حراك سلمي كرديّ نابذ للعنف وحمل السلاح، ولكنّ ذلك لم ينهِ العنف من قبل الحكومة، فسقط عشرات القتلى من الأكراد في احتجاجات شهدتها مدن كرديّة عام 1999 وعام 2005.
وكان من ضمن الإصلاحات التي أتى بها خاتمي للأكراد؛ تنصيب أول محافظ كرديّ، وتعيين أكراد في مناصب حكوميّة رفيعة، إضافة إلى تشكيل حزب الإصلاح الكرديّ، ومنظمة الدفاع عن حقوق الأكراد، وكلّ ذلك في إطار مساعيه لتعزيز دمج الأكراد والدفع للتخلي عن المطالب الانفصاليّة.

رغم الإصلاحات، شهد عام 2004 تأسيس حزب "الحياة الحرّة" الكردستاني، وهو حزب مسلّح، مرتبط بحزب العمال الكردستاني في تركيا، وقد أطلق مرحلة من التمرد الكردي المسلح، واستمر التمرّد من نيسان (أبريل) 2004 حتى العام 2011، قبل أن تعود الاشتباكات للتجدد منذ العام 2016.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية