
برزت جماعة "لاكوراوا" الإرهابية في شمال غرب نيجيريا كواحدة من أخطر التهديدات الأمنية الصاعدة في المنطقة، وسط فراغ أمني متزايد على خلفية الانقلابات المتتالية في منطقة الساحل وضعف السيطرة الحكومية على الأطراف النائية. بدأت الجماعة نشاطها بدعوى حماية المجتمعات المحلية من عصابات التهريب وقطاع الطرق، لكنها سرعان ما تبنت خطابًا جهاديًا متشددًا وسلوكًا عسكريًا عنيفًا، ما دفع السلطات النيجيرية إلى تصنيفها رسميًا كمنظمة إرهابية في مطلع عام 2025.
ويُنظر إلى "لاكوراوا" اليوم على أنها أحد أبرز الفاعلين المسلحين غير الحكوميين الذين يستغلون التداخل الحدودي بين نيجيريا والنيجر، ويمثل صعودها تحديًا كبيرًا لجهود مكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا، خصوصًا في ظل التقارير التي تشير إلى وجود روابط غير مباشرة بينها وبين تنظيم الدولة الإسلامية في الساحل.
وقد طرحت دراسة حديثة لمركز "تريندز للبحوث والاستشارات"، بعنوان "جماعة لاكوراوا.. ظاهرة إرهابية جديدة في غرب أفريقيا"،
عددًا من التساؤلات حول كيفية نشأة تلك الجماعة داخل أراضي نيجيريا، وأبرز توجهاتها الفكرية، إضافة إلى التهديدات الأمنية التي قد تشكلها في الوقت الراهن أو المستقبل، وكذلك انعكاس تزايد نشاط الجماعة، وتهديداتها على الأوضاع الإنسانية في منطقة غرب أفريقيا.
نشأة جماعة لاكوراوا
تُفيد بعض التقارير بأن جماعة لاكوراوا متواجدة على الاراض النيجيرية منذ سنوات، وليس منذ عام 2024 كما زعمت السلطات النيجيرية، غير أن تهديداتها الأمنية لم تتصاعد إلّا في الفترة الأخيرة؛ نظرًا لاتساع نشاطها الإرهابي، ومحاولتها فرض أحكامها الدينية المتطرفة على السكان المحليين.
يأتي ذلك بالتزامن مع استمرار مساعيها لتشكيل ما يُشبه الإمارة الجهادية في مناطق سيطرتها ونفوذها، مثلما تفعل العديد من التنظيمات الإرهابية التي تنشط في القارة الإفريقية، سواء كانت داعشية أو قاعدية أو حتى محلية، وذلك في ظل حالة الانفلات الأمني الذي تعاني منه العديد من دول ومناطق القارة؛ بسبب تواضع القدرات الأمنية لقواتها العسكرية.
وقد تكونت لاكوراوا في البداية من مجموعات من الرُّعاة، الذين استأجرهم بعض القادة المحليين في ولاية صكتو في عام 2016 لإنقاذ أهالي القرى الريفية النائية من قُطاع الطرق، ولكنها بعد أن تخلصت من قطاع الطرق في عام 2017، ما لبثت أن حَلَّتْ محلهم، وانقلبت على المجتمعات التي استجارت بها، كما قامت بعرض مبالغ كبيرة على الشباب من الأهالي لتجنيدهم لقضيتها. وهكذا أضحت الجماعة تشكل خطرًا أمنيًّا في حد ذاتها، إذ ترهب الأهالي، وتنشر فكرًا متطرفًا لا يرضى به كثير من المواطنين والسلطات.
وتوسعت أنشطة الجماعة في عام 2024؛ إذ أقاموا معسكرات في 10 مناطق حكومية محلية في ولايتيْ سوكوتو وبوتشي قبل أن تصبح عملياتهم مكشوفة للجمهور. ويُعَدُّ الشمال الغربي حاليًّا المنطقة الأكثر رعبًا في نيجيريا، حيث توجد أربع ولايات في المنطقة من بين الولايات الخمس الأولى التي شهدت أكبر عدد من حوادث الاختطاف بين تموز / يوليو 2023 وحزيران / يونيو 2024، وظهرت زامفارا وكاتسينا وكادونا في المراكز الثلاثة الأولى.
تكونت لاكوراوا في البداية من مجموعات من الرُّعاة، الذين استأجرهم بعض القادة المحليين في ولاية صكتو في عام 2016 لإنقاذ أهالي القرى الريفية النائية من قُطاع الطرق
التوجهات الفكرية والتنظيمية للجماعة
وتشير معظم المصادر، التي تحدث عنها مركز "تريندز"، إلى أن غالبية عناصر لاكوراوا ينحدرون من عرقية الفولاني، ويتحدثون اللغتين العربية والفولانية، وأنهم جاؤوا من مالي ودخلوا نيجيريا عبر جارتها جمهورية النيجر، وتزوجوا من نساء المنطقة الحدودية النيجيرية.
وقد بدأت الجماعة بأقل من 50 شابًّا في المنطقة الحدودية في سوكوتو، ثم زاد عدد أعضائها إلى أكثر من 200 عضو، معظمهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا؛ إذ تجذبهم للانضمام الحوافز المالية التي تشمل تقديم رواتب للأعضاء.
لكن هؤلاء العناصر الشباب سرعان ما تحوَّلوا من مجموعة أشبه بالمرتزقة الذين يتم استئجارهم لمواجهة اللصوص وقطاع الطرق، إلى جماعة لديها مشروع فكري تسعى إلى تطبيقه، من خلال رفع بعض الشعارات، مثل وجوب تطبيق الشريعة، وإعادة الخلافة الإسلامية، وفرض الضرائب والإتاوات على السكان المحليين، لاسيّما الأثرياء والتجار تحت مسمى الزكاة. ويُعتقد أن معظم مقاتلي لاكوراوا تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عامًا ويتحدثون اللغة الفولانية وفقًا لمركز أبحاث المعهد النيجيري للشؤون الدولية.
ويحاول عناصر الجماعة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمعات التي يعيشون فيها، وأطلقوا اسم “دار الإسلام” على بعض المعسكرات التي أقاموها على طول المناطق الحدودية بين نيجيريا وجمهورية النيجر، كما يقوم أفراد الجماعة بالوعظ والدعوة وفق تفسيراتهم الخاصة للقرآن الكريم، مُدعين نقاء مُعتقدهم، ورافضين الارتباط أو الانتماء إلى التيارات الإسلامية التقليدية السائدة في شمال نيجيريا.
ولجذب المزيد من الأتباع والحصول على الدعم المحلي، أشارت الدراسة إلى أن الجماعة توزع الأموال وأدوات الزراعة والأسمدة والبذور وآلات ضخ المياه على السكان المحليين المحتاجين. وتشير بعض التقديرات إلى أن التعويضات المالية للمجندين الجدد تبلغ مليون نيرة (645 دولارًا)، ونحو عشرة آلاف نيرة (6 دولارات) للمخبرين المحليين.
الدراسة أكدت أن بعض المصادر والتقارير حاولت أن توحي بأن الجماعة تُعَدُّ أقرب إلى تنظيم داعش، أو ما يطلق عليها ولاية غرب أفريقيا في نيجيريا، خاصة من الناحية الفكرية أو التنظيمية. لكن المؤشرات العامة تخالف هذا التَّوَجُّه، إذ تشير إلى أن الجماعة تُعَدُّ أقرب إلى الفكر القاعدي -الذي تفضل معظم التنظيمات المحلية اعتناقه، لكن دون الاصطفاف التنظيمي الواضح مع تنظيم القاعدة.
التداعيات الأمنية المحتملة لتصاعد نشاط لاكوراوا في غرب أفريقيا
إلى ذلك أشارت العديد من التقارير، التي تستند إلى تصريحات مسؤولين نيجيريين، تشير إلى أن جماعة لاكوراوا مرتبطة بفصائل جهادية في مالي والنيجر، وأن مسلحيها استقروا منذ سنوات في مجتمعات على طول الحدود بين نيجيريا والنيجر، حيث تزوجوا من نساء محليات، وقاموا بتجنيد الشباب، وأن تكثيف لاكوراوا لهجماتها مؤخرًا يشير إلى تفاقم الأزمات الأمنية في شمال نيجيريا.
ومن ثم فهو يحمل في طياته عددًا من التداعيات المحتملة؛ كتزايد حالة الانفلات الأمني، وتصاعد استهداف المدنيين، واتساع نطاق الهجمات الإرهابية، فضلا عن تعقيد حملات مكافحة الإرهاب.
هذا ولفتت الدراسة إلى أنه غالبًا ما يكون السبب في إعاقة التعاون العسكري بين دول منطقة الساحل -التي تشهد نشاطًا إرهابيًّا مكثفًا- هو عدم الكفاءة البيروقراطية، ونقص الموارد، وبطء عمليات صنع القرار. وقد يكون من أسباب إعاقة التعاون العسكري عدم رغبة قوات الأمن الوطنية في تبادل المعلومات الاستخباراتية، أو عدم الرغبة في التعاون الكامل في عمليات مكافحة الإرهاب؛ ما يؤدي إلى ظهور التنافس بين دول المنطقة، ويخلق التوترات السياسية والاقتصادية، فضلًا عن تنافس أجندات القوى الكبرى في هذه المنطقة.
أقاموا معسكرات في 10 مناطق حكومية محلية في ولايتيْ سوكوتو وبوتشي قبل أن تصبح عملياتهم مكشوفة للجمهور
انعكاس تهديدات لاكوراوا على الأوضاع الإنسانية
ووفق ما ورد في الدراسة، فإن نيجيريا لطالما عانت من النزوح الداخلي، أو ما يُسمى بالهجرة الداخلية؛ نتيجةً لانعدام الأمن بأشكاله المختلفة. فمنذ تمرد جماعة بوكو حرام وجماعاتها المنشقة في عام 2009، شهدت المنطقة الشمالية الشرقية، وخاصةً في ولايات بورنو وأداماوا ويوبي، أزمة إنسانية خطيرة، حيث تسبب نشاط جماعة بوكو حرام عن مقتل أكثر من 36,000 شخص ونزوح أكثر من 2.2 مليون شخص، نزح العديد منهم إلى الدول المجاورة مثل النيجر وتشاد والكاميرون، التي تعاني أصلًا من أزماتها الأمنية والسياسية الخاصة.
وبناءً على المزاعم الأخيرة حول تحسن الوضع الأمني في البلاد، يُعاد توطين العديد من النازحين في مناطق لا تزال عُرضة للهجمات، ففي ولاية بورنو، على سبيل المثال، تأججت المخاوف من عودة بوكو حرام، إثر الهجمات الأخيرة في الأشهر الماضية على اذها.
أمّا بالنسبة للمناطق الشمالية الغربية والشمالية والوسطى للبلاد، فإن الصراعات المسلحة بين المزارعين والرُّعاة، والسرقات، والآن صعود جماعة مثل لاكوراوا، كل ذلك أدَّى إلى تزايد النزوح الداخلي، الذي من شأنه أن يفاقم من الأزمة الإنسانية في البلاد.
وقد خلصت الدراسة إلى أن استمرارية عدم الاستقرار في نيجيريا -بسبب جماعة لاكوراوا والجماعات الإرهابية المسلحة المماثلة- قد يمتد تأثيره إلى منطقة الساحل بأكملها. ومع تصاعد الصراع، ستواجه الدول المجاورة ضغوطًا متزايدة على قواتها الأمنية واقتصاداتها وأنظمتها السياسية.