أردوغان يندّد بالإسلاموفوبيا بعدما انقلب على ناخبيه وشيطن الأكراد

أردوغان يندّد بالإسلاموفوبيا بعدما انقلب على ناخبيه وشيطن الأكراد


31/01/2021

وقع الرئيس التركيّ، رجب طيب أردوغان، في فخّ التناقض مجدداً، وذلك بعد نشر موقع رئاسة الجمهورية رسالة مصورّة  للرئيس، في إطار اليوم العالمي لإحياء ذكرى الهولوكوست، مشدداً من خلالها على ضرورة مكافحة الإسلاموفوبيا.

اقرأ أيضاً: مرتزقة أردوغان في ليبيا.. "ألغام" عالقة على أبواب أوروبا

أثارت تصريحات أردوغان حفيظة جموع الأتراك، بعد أن تحدثّ الرئيس بما لا يفعل، ما دفع البعض للقول؛ "الأحرى بأردوغان أن يطبّق دعوته على نفسه، بعد أن شهدت حقبته الرئاسية أبشع انتهاكات عرفها الأكراد، كأقليّة عرقية تتشارك مع تركيا الدين والثقافة والمحيط الجغرافي".

الشيطان يعظ

يحاول أردوغان إعادة تدوير القضايا التي يجيد الترويح لنفسه من خلالها، وأهمها قضية الأمّة والدفاع عن الدين الإسلامي، والتي استطاع الرئيس الترويج لحكمه من منظورها، وبعد أن ذهبت آماله في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أدراج الرياح، كان عليه أن يتجه شرقاً، ليظهر لأتباعه أنّ حلم الأمّة الإسلاميّة ليس بعيد المنال، كما يتخيّل البعض، لكنّ الأكراد الذين يمثّلون شوكة غصّ بها حلق "الخليفة" أردوغان، استطاعوا تكذيب كلّ دعاواه الفجّة، بعد فضح الانتهاكات التي يتعرضون لها، و أبرزها إطاحة الرئيس بأعضاء البرلمان من الأكراد، الذين تمّ إسقاط الحصانة عنهم، وتلفيق تهم تتعلّق بالإرهاب لبعضهم، أبرزهم كانت ليلى جوفين، النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي، مع عضوين آخرين من الحزب نفسه، وأدينت جوفين وحكم عليها بالسجن لأكثر من 22 عاماً، على خلفية ثلاث تهم منفصلة تتعلّق بالإرهاب، الذي يستخدمه الرئيس كسلاح ضدّ المعارضة فحسب، بينما تعيث ميليشياته الإرهابية، كما يرى مراقبون ومنظمات دولية، فساداً في أرض سوريا وليبيا.

وعلى خلفية الحكم الصادر بحقّ جوفين، دقّت منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية ناقوس الخطر، حول وضع الحريات في تركيا، واجترّت تاريخ الانتهاكات الشرطيّة الذي تغلغل في النظام منذ مسلسل الانقلاب الفاشل، الذي يرجّح كثيرون أنّه صناعة الحزب الحاكم، ليجد جسراً سهلاً للعبور نحو الاستبداد الكامل.

برزت جوفين بعد إعلان إضرابها عن الطعام لمدة 200 يوم، لإنهاء عزلة زعيم حزب العمّال الكردستاني، عبد الله أوجلان، وانتهى إضرابها بطلب من أوغلان، الذي يعيش في عزلة تامة منذ عام 2011، ومُنع من لقاء أحد، حتّى محاميه.

تحدّث أردوغان عن العواقب الوخيمة للكراهية ومعاداة الأجانب، فيما يُتهم بأنّ ما يفعله ربما يفوق جرماً ما ارتكبه الزعيم النازيّ أدولف هتلر

منذ عام 2016، يعيش أردوغان حالة انتقامية من الأكراد، ولا يودّ تكرار تجربة الثمانينيات والتسعينيات الدامية داخل حدود تركيا، بل يجتر الحرب إلى الساحة السورية والعراقية، ويكتفي داخلياً بالقمع والاضطهاد الذي يُمارسه بحقّ أكراد تركيا؛ فبعد عمليّاته الدامية في الشمال السوري، بحجة تأمين مساحات آمنة لعودة اللاجئين، والتي كانت في الحقيقة إبادة عرقية تعرّض لها الأكراد على يد القوات التركية، وإعادة هيكلة الهندسة الديموغرافيّة للمنطقة، بما يؤمّن لأردوغان البقاء في حكم البلاد لأطول فترة، وتكميم أفواه المعارضة الكردية.

ما بين الهولوكوست النازي العثماني

تحدّث أردوغان، في رسالته، عن العواقب الوخيمة للكراهية ومعاداة الأجانب، والحقيقة أنّ ما يفعله الرئيس ربما يفوق جرم ما ارتكبه الزعيم النازي، أدولف هتلر؛ فأردوغان، الذي يتاجر بالأمّة الإسلامية ووحدتها التي لن تتّم إلّا على يديه، يستبيح شعباً مسلماً بأكمله، استباحة قائمة على الصراع السياسي، بل ويخرق أهم قواعد الإسلام وهي استباحة الدم المسلم، ويقع في فخّ آخر من التناقض وهو استخدام الإرهاب لتوصيف المعارضة الكردية، بينما لا يقبل أن يأتي هذا الوصف من الغرب، الذي غالباً ما يلصق الإرهاب بالمسلمين، وهو ما يرفضه أردوغان بالقطع، كما فعل في آخر ملاحمه مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد أزمة الرسوم المسيئة للرسول الكريم، وذبح المعلم الفرنسيّ، صمويل باتي، على يد إرهابيّ شيشانيّ، دفعت أردوغان لرفض الرسوم المسيئة، والاعتراض على توصيف سلوك المراهق الشيشاني بالإرهابي.

اقرأ أيضاً: كمال أوغلو: أردوغان فرعوني ولا يدري شيئاً عن شعبه

ويرى الكاتب والمحلل السياسيّ التركيّ، بركات كار، أنّ فخاخ التناقضات اتسعت في عهد أردوغان، الذي انقلب على الديموقراطية بتحويل البلاد إلى نظام رئاسيّ، عام 2018؛ حيث أصبح المتحكّم في كلّ صغيرة وكبيرة في شؤون الدولة.

الكاتب والمحلل السياسيّ التركيّ، بركات كار

 وصرح بركات لـ "حفريات": "انقلب أردوغان على ناخبيه، وشيطن الأقليات، وفي مقدّمتهم الأكراد، وهو بذلك أقرب للنازية التي قاد بها هتلر سابقاً العالم نحو الجنون، وبرّر أردوغان بانقلابه المزعوم حملات المداهمة والاعتقالات التعسفيّة بحق نشطاء حزب الشعوب الديموقراطي، الذي كان مضطهداً بالفعل، قبل 2016، لكنّ اضطهاده الآن سيكون مبرراً، على الأقل أمام القاعدة الشعبية التي ما تزال ترى في الرئيس وحزبه خير نظام لتركيا". 

اقرأ أيضاً: أردوغان المذعور يشرع قانوناً لتقييد الحريات على المنصات الافتراضية

أواخر العام الماضي، قامت قوات الأمن التركي، بإلقاء القبض على مئات من أنصار حزب الشعوب الديموقراطي، ورؤساء البلديات من الأكراد المنتمين للحزب، بتهمة التعاطف مع حزب العمّال الكردستاني الذي تصنفه تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدّة كمنظّمة إرهابية.

المحلل السياسي التركي بركات كار لـ "حفريات": كثرت تناقضات أردوغان، لا سيما بعد انقلابه على الديمقراطية وتحويل البلاد إلى نظام رئاسيّ

برز حزب العمال الكردستاني، كنتيجة طبيعية للقمع الدموي الذي طال الأكراد، في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، بعد نضال طويل اتّسم بالسلمية، لإقامة الدولة القوميّة الكردية، وكان ردّ الفعل هو محاولات مستميتة مورست من قبل الأنظمة العربية والتركيّة شملت طمس الهوية، والتهميش والإفقار وتجريم الأسماء الكرديّة، والتحدث باللغة القومية، وهو ما شهده الأكراد في كلّ مناطق تواجدهم؛ من تركيا إلى سوريا والعراق.

سلسال القمع الدموي

على لائحة الرموز الكردية المعتقلة منذ سنوات في سجون أردوغان؛ الزعيم في حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرطاش، وهو مرشح رئاسي سابق، نافس أردوغان مرتين على منصب الرئيس، ربما هذا ما دفع أردوغان لاعتقاله منذ عام 2016 وحتى الآن، بتهمة الإرهاب، على الرغم من مطالبات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالإفراج عنه، لكن أردوغان ما يزال متمسكاً بوصفه بـ "الإرهابي الداعم للمتمردين الأكراد"، وإلى جانب الاعتقال التعسفي الممارس ضدّ أعضاء الأحزاب الموالية للأكراد، قامت الإدارة تركيا أيضاً باحتجاز وتقييد الحقّ في التجمّع، وتكوين الجمعيات للقضاة والمحامين والمدرّسين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، كما لاحظت منظمة "هيومن رايتس ووتش"؛ أنّ هذه الاتهامات غالباً ما تفتقر إلى أدلة دامغة تؤكد وجود نشاط إجرامي مرتبط بالإرهاب أو بمحاولة انقلاب عام 2016.

تعد انتهاكات الأكراد سبباً مهمّاً في عرقلة إجراءات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي؛ إذ يؤكد عدم وجود أدلة موثوقة لتوجيه اتهامات عدم استقلال القضاء، ونظراً لسجله المتدهور في مجال حقوق الإنسان، فإنّ الاتحاد الأوروبي قرّر أنّ تركيا لم تستوفِ شروط الأهلية، مثل الحفاظ على الحكم الديمقراطيّ واحترام حقوق الإنسان، كأهم مقومات الدول الأعضاء في الاتحاد.

اقرأ أيضاً: أردوغان: عدوّ الجميع

وعام 2019، علقت اللجنة رسمياً مفاوضات الانضمام مع تركيا، وهو ما استقبلته أنقرة بعنادٍ كبير، موضحة أنّ إدانة انتهاكات تركيا لحقوق الإنسان من قبل حلفائها الغربيين ليست سبباً كافياً لتعليق المفاوضات.

وعلى الرغم من التوترات التي تعيشها أنقرة مع الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين، ما تزال تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بينما تكافح الولايات المتحدة للحفاظ على التوازن مع تركيا كشريك أمني إقليمي، لكنّ الجموح التركي دفع أمريكا لفرض عقوبات على منظومة الدفاع التركية، ويجري الحديث عن المزيد من العقوبات ستوقعها إدارة جو بايدن.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية