
خالد العضاض
كيف تسللت فكرة تحريم ومعارضة جلب القوات الأجنبية غير المسلمة، للمساعدة في تحرير دولة الكويت إلى عقول القائلين بها؟! سؤال عمره 35 سنة تقريبًا، لم يسأله أحد من قبل عن هذه الفكرة المجنونة، التي كادت تمحو بلدًا بعظمة وأثر دولة الكويت السياسي والثقافي، وهذه الفكرة التي لم تكن من نتاج فكر صحويي السعودية وقتها، بل كانوا فيها مقلدين، ومؤدين سيئي الأداء، وبمعنى أدق كانوا كومبارس شكلوا خلفيات باهتة داخل المشهد، وحينما اختار الممثل الرئيس الاختفاء والانزواء في الكواليس، ظن المشاهد والمتابع أنهم هم التفاصيل الرئيسة في المشهد.
وما دعاني إلى إثارة هذا السؤال، أنه وجدَ بعض من ناقشني في المقال السابق، إشكالية في استيعاب مسألة دخول «محمد سرور» إلى أرض العراق، للالتقاء ببعض قيادات (الطليعة المقاتلة السورية) في أوائل الثمانينيات، فأعادتني الإجابة عن هذه الإشكالية إلى تلك الحقبة، والفترة الزمنية النكدة.
ولعلي أشارككم إجابتي عن إشكالية المستشكل للفائدة، ثم نفصل بعض الشيء في الإجابة عن السؤال في مطلع المقال، فأقول: لمعرفة تاريخ التنظيم الإخواني السوري الإرهابي وأسلوب حركته ومنهجه، أهمية خاصة لفهم بنية التطرف والإرهاب «المدفون في رماده اليوم» في السعودية، ومما لا يعرفه الكثير، أن ثمة تخادماً قام على سوقه بين قيادات الإخوان المسلمين في سوريا وعلى رأسهم عبدالفتاح أبو غدة، وبين صدام حسين لمحاولة خلخلة حكم نظام البعث السوري، مقابل أموال كان يدفعها النظام العراقي لهذا القيادات الإخوانية، التي بادرت بدورها إلى الالتفاف على ما يعرف (بالطليعة المقاتلة)، فسرقت منجزها الإرهابي الناجز وقتها، حينما كان إرهاب الطليعة يخدم مصالح التنظيم القذرة، ليظهر أمام صدام ونظامه بأنه يعمل على أرض الواقع.
ومقابل حفنة من الدولارات قدمها التنظيم الإخواني السوري للطليعة المقاتلة، قاموا بتجيير اسم المنظمة الإرهابية تلك وربطها بالتنظيم الإخواني السوري رغم الانفصال البائن بينهما في حياة مروان حديد (مؤسس الطليعة، والمنشق عن الإخوان) في النصف الأول من السبعينيات، فسميت في مرحلة من المراحل «الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين»، وحينما أدركت قيادات التنظيم الإخواني السوري أن النظام العراقي بدأ ينزع يدًا منه لعدم جدوى الأمر، سارع إلى عقد اتفاق مع الأسد ونظامه، يقضي بعدم ملاحقتهم مقابل تسليم (الطليعة المقاتلة)، وهو ما كان، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فبعد أن فتكت قوات النظام السوري المجرم (بالطليعة المقاتلة)، في مجازر حماة 1982، قام التنظيم الإخواني السوري، بعمل أكبر مناحة ومظلومية على تلك المجازر، التي لم يطلها منها أي أذى، وإنما وقعت كلها على أم رأس (الطليعة المقاتلة)، وكانت هذه المناحة في الحقيقة أكبر من خيانة (التنظيم الإخواني السوري) لعهدهم مع (الطليعة)، كما أنها كانت أكبر عملية تضليل للرأي العام لعقود ولا تزال، خصوصًا في تزييف عدد الضحايا، وتسجيلات عدنان عقلة، وما كتبه بعض قيادات (الطليعة) كأيمن الشوربجي وأبو مصعب السوري، وشهادة القيادي في الجماعة الإسلامية نبيل نعيم في هذا الصدد، شاهدة على تلك الخيانة، التي ليس لها مثيل في أقبية ودهاليز هذه الجماعات الإرهابية طيلة مسيرة الإرهاب.
ومن هنا يمكن التقاط أول الخيط لفهم كيفية التسلل إلى الوسط الحركي الإرهابي في السعودية، فكرة تحريم ومعارضة الاستعانة بالقوات الصديقة لردع عدوان صدام حسين، الصديق الخفي لقيادات التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، والذي كانت قنوات الاتصال والتواصل معه ومع مخابراته سالكة وميسرة للتنظيم، خصوصًا وزير خارجيته وماليته يوسف ندا.
ونظرًا لأننا لم نتتبع جذور المشكلة من أصلها وأساسها، وانشغلنا تحليلًا وتنديدًا بالمظاهر والعوارض دون الجوهر، خيل للكثير أن ذلك الرأي (التحريم) جاء ابتداءً من بنات أفكار الثلاثي الصحوي الذي تولى كبر تلك الفتنة ومن سار على نهجهم من وعاظ الصحوة، ومن خلال اجتهادهم الفقهي الأصيل، وهذا ما لا يقبله المنطق، ولو فكرنا فيه بشكل أعمق بعد انتهاء الأزمة وانقشاع الغمة، وبعد رحيل القوات الصديقة، كنا سندرك أنهم مقلدون ينفذون أجندة «فاجرة» تملى عليهم من جهات خارجية، ويحسن بنا في البدء تناول الكيفية التي تلقت بها خلايا وتنظيمات الجماعة في مختلف البلدان ومنها السعودية ذلك الحدث الجلل والمزلزل، فنقول إن أول من علّق ونظَّر حول حرمة استقدام القوات الصديقة وبطلانه، رغم الفتوى الشرعية الصريحة بجواز ذلك من قبل جهة الاختصاص الشرعي في البلد المعني الذي حمل على عاتقه مهمة معالجة الكارثة الصدامية كطرف رئيس -السعودية- مع البلد المنكوب- الكويت- هو «محمد أحمد الراشد»، الذي كان يقبع في دولة الإمارات يسرح ويمرح في طول العالم العربي وعرضه، ينظر لكيفية بناء الإخوان لدولتهم القادمة المتوهمة، وكان يستخدم لذلك مجموعة من الأدوات، من أهمها الاجتماعات السرية في مختلف البلدان العربية، وهي كثيرة وكثيفة، حتى إنه أصدر كتابه الأكثر أهمية «المسار» في مطلع الثمانينيات، بعد ما يزيد على (ثلاثة آلاف) اجتماع من هذه الاجتماعات التي يمتد واحدها لعدة ساعات أو نصف يوم، والأداة الثانية المهمة هي نشرات سرية تتم كتابتها، ثم نقلها إلى الدول والمدن المختلفة بسرعة فائقة رغم ضعف وسائل الاتصال مقارنة باليوم، ومن ثم يقوم مسؤول القطر بتصويرها وتوزيعها على المجموعات، لتوزعها على أعضائها (غالبًا النقباء فما فوق)، وكان الأبرز في ذلك الوقت «رسالة العين العراقية»، التي كانت تكتب في الشارقة، وهي طبعتان مختلفتان نوعًا ما، نسخة خاصة بالداخل العراقي الذين كان يدير كوادره التنظيمية «محمد أحمد الراشد»، ونسخة دولية توزع على دول الخليج والعالم العربي، وتنتقل إلى آسيا وأوروبا وأمريكا.
وفور وقوع الحدث في الثاني من أغسطس 1990، طفق «محمد أحمد الراشد» بشكل فوري وسريع في تحليل ومقاربة الوضع على أرض الخليج، ونتج عن هذا التحليلات والدراسات رأي خطير تبعه شورى التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، أعقبه مجموعة من الاجتماعات الخاطفة والسريعة في عدد من الدول العربية كما أشار لذلك «الراشد»، قبل أن يتسلل الأمر إلى الثلاثي الصحوي في السعودية والذي أقام الدنيا على فتوى هيئة كبار العلماء ولم يقعدها، ولهذا تفصيل في الجزء القادم، ولكن من المهم أن أشير كتوطئة لما سيأتي ذكره، إلى ما نشرته الصحف السعودية في 27 سبتمبر 1994، وهو بيان وزارة الداخلية السعودية بشأن حال سفر الحوالي وسلمان العودة ومن معهما، تحت عنوان: «إيقاف 110 في المملكة بسبب أعمال تخريبية»، الذي كشف بوضوح أن ثمة تعاونًا مع جهات خارجية جرى من قبل رؤوس الموقوفين الذين راموا إفساد السلم الاجتماعي، وحاولوا شق عصا الطاعة، وتفريق إجماع الأمة واجتماعها، وبطبيعة الحال كان أول استنكار يوجه لمثل هذا البيان، هو رميه بتعليب التهم وجاهزيتها المسبقة، في مسألة التعاون مع الجهات الخارجية، الذي اكتشفه المتابع، وما أثبتته المعلومات والاعترافات الخاصة أو التلميحات لاحقًا، أن توصيف بيان وزارة الداخلية بشأن التعاون مع جهات خارجية كان صادقًا ودقيقًا وشاملًا لكل ما جرى في الفترة الممتدة من أغسطس 1990، وحتى نهاية تلك الفتنة في سبتمبر 1994، وللحديث بقية.
الوطن