أحلام عثمانية

أحلام عثمانية


24/03/2021

عصام عبدالفتاح

أسئلة كثيرة يثيرها التغير التدريجى ـ إن لم يكن المفاجئ ـ فى موقف الدبلوماسية التركية إزاء مصر. ولئن كان من اليسير إيراد أسباب قوية تدفع الحكومة التركية نحو هذا التغير وتنضوى كلها تحت دافع المصلحة فإن السؤال الأهم يدور حول كنه ومصداقية هذا التغير. حقا خسرت تركيا الكثير من جراء سياستها الداعمة بقوة للتيارات الأصولية باسم الدفاع عن الإسلام. فهى كما يؤكد المحللون خسرت أسواقا مهمة فى الخليج وفى أوروبا كما خسرت حليفا قويا لها متمثلا فى الولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن خسائرها فى النزاعات الإقليمية التى زجت بنفسها فيها بل وأنفقت مليارات الدولارات على الميليشيات التى أرسلتها إلى سوريا وليبيا كى تواصل عملياتها التخريبية على أراضيهما. كما أنها خسرت أنظمة أصولية كانت تدعمها باستمرار فى العالم العربى مثل نظام البشير فى السودان ونظام الإخوان فى مصر. وعللت سياستها العدائية للأنظمة العربية بأنها تمارسها باسم الدفاع عن الديمقراطية وحرية التعبير وهى التى زجت بآلاف الصحفيين والكتاب المعارضين الأتراك فى السجون وكممت أفواه الإعلام وكل من سولت له نفسه توجيه نقد أو لوم للنظام التركى الحاكم. ولم تكتف الحكومة التركية بأن تجعل من أرضها مقرا ومأوى للإخوان المسلمين بل سمحت لأبواقهم الإعلامية بالانطلاق منها وتوجيه أقذع عبارات السباب والإهانات لمصر وكل دولة اختلف معها أردوجان. والحق أن حلم «تركيا الجديدة» لم يفتأ يداعب مخيلة الرئيس التركى وحكومته وحزب العدالة والتنمية منذ زمن طويل. وهو الحلم الذى يقوم على استدعاء التراث العثمانى وإحيائه والاعتماد على دعم وتأييد أقطاب الإسلام السنى فى تحقيق هذا الحلم. فلم يكن غريبا أن يأمر أردوجان بإدراج مادة «المدخل إلى اللغة العثمانية» مادة إجبارية ضمن مواد البرنامج الدراسى المقرر على طلبة المدارس الثانوية. وفى هذا السياق يقول رئيس وزرائه السابق أحمد داوود أوغلو ـ وهو أستاذ أكاديمى رأس حزب العدالة والتنمية ولم يكن فى الواقع رجلا سياسيا ـ فى كتابه الشهير «فى العمق الاستراتيجى» إن تركيا ليست دولةـ أمة عادية وإنما هى مركز للحضارة العثمانية وينبغى أن تصبح مركزا سياسيا يسد الفراغ الذى نجم عن تصفية الإمبراطورية العثمانية، وفى تعليقه على كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة يقول: «لقد أخطأ أتاتورك عندما أختار لتركيا موقعا هامشيا تحت المظلة الأمنية للحضارة الغربية.... إن الديمقراطيات الغربية خطرة لأنها تفتقد القيم الدينية التى ترشدها. إن هوية تركيا قد تأسست على الإسلام ويحق لها أن توسع من حدودها».

وتأسيسا على هذه الرؤية التى تعتنقها الحكومة التركية يصعب اعتبار التغير الحادث فى الدبلوماسية التركية إزاء مصر تغيرا جوهريا فى العقل السياسى التركى وإنما هو فى الواقع أقرب إلى التكتيك والمناورة اللتين كثيرا ما تبدآن بتلطيف الأجواء وتخفيف حدة الانتقادات الموجهة للنظام الذى تهاجمه. فلا عجب مثلا إن رأينا رموزا إخوانية هاربة إلى تركيا تثمن التقارب الذى تسعى إليه الدبلوماسية التركية تجاه الحكومة المصرية وتراه مباركا مادام يندرج تحت باب تحقيق المصالح. ويرى المسؤولون الأتراك أن التقارب الدبلوماسى بين تركيا ومصر وعودة العلاقات بينهما سيكون ذا فائدة جمة لتركيا فى مسألتين مهمتين: المشاركة فى استغلال منابع الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط وفى تطورات الوضع السياسى فى ليبيا. فقد أعربت الحكومة التركية فى أوائل مارس الجارى عن استعدادها للتفاوض مع مصر بشأن ترسيم الحدود البحرية معها وإبرام اتفاقية تنظم العلاقات المستقبلية بينهما فى هذا الصدد. والسؤال الذى لا يزال دائرا فى الأذهان هو: وماذا عن الإخوان المسلمين والتيارات الأصولية التى تشارك أردوجان فى أحلامه الإمبراطورية وهم الذين لا يمكن بأى حال من الأحوال اعتبارهم مجرد فصيل سياسى محسوبا على المعارضة السياسية وإنما يعدون فى الواقع، ووفقا للقانون المصرى، جماعة إرهابية محظورة وعندما تمد لهم دولة ما يد العون وتوفر لهم المأوى لممارسة أنشطتهم المحرضة على الإرهاب وبث الفوضى لن تستطيع أن تنفض عن نفسها تهمة الاشتراك فى الإرهاب.

عن "المصري اليوم"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية