أحكام "التآمر".. هل أنهى القضاء خطر الإخوان في تونس؟

أحكام "التآمر".. هل أنهى القضاء خطر الإخوان في تونس؟

أحكام "التآمر".. هل أنهى القضاء خطر الإخوان في تونس؟


21/04/2025

استقبل الرأي العام في تونس، بأوساطه المتعددة، الأحكام القضائية الصادرة في ما بات يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" بارتياح مشوب بالترقب، وقد جاءت هذه الأحكام لتؤكد جدية الدولة في محاسبة من تورطوا في تهديد استقرار البلاد. 

وتُعد هذه القضية من بين أكثر الملفات إثارة في المشهد السياسي التونسي، حيث كشفت التحقيقات عن شبكة واسعة من الاتصالات والتنسيق بين أطراف سياسية، من بينهم قياديون في حركة النهضة وشخصيات محسوبة على ما يُعرف بجبهة "الخلاص الوطني". كما ضمت القائمة أسماء أخرى كانت تدّعي استقلالية عن الإسلام السياسي لكنها قدمت له غطاءً سياسياً في أوقات سابقة.

ووجه القضاء للمتهمين تهما خطيرة تعلقت بارتكاب المتهمين لجرائم أهمها ''التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وتكوين وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية والانضمام إليه، وارتكاب الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح، وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي المرتبطة بجرائم إرهابية والإضرار بالأمن الغذائي والبيئة''.

ومن بين المحكوم عليهم شخصيات بارزة من حركة النهضة الإخوانية، مثل نور الدين البحيري وقيادي إخواني من الصف الأول ووزير العدل الأسبق، حيث حكم عليه بالسجن لـ43 عاما، وأيضا عبد الحميد الجلاصي، وهو أيضا قيادي بارز سابق في الحركة، وحكم عليه بالسجن لمدة 13 عاما.

القيادي الإخواني: نور الدين البحيري

كما حُكم بالسجن 18 عاما على عصام الشابي، وهو قيادي بجبهة التحالف الموالية للإخوان، ومثلها بحق القيادي بالجبهة أيضا جوهر بن مبارك وغيرهما.

أما الرئيس السابق لحزب التكتّل (اشتراكي ديمقراطي) خيام التركي، فقد حكم عليه بالسجن 48 عاما، في حين صدر أقسى حكم بالسجن 66 عاما في حقّ رجل الأعمال الواسع النفوذ كمال اللطيف.

الأحكام الصادرة تعكس جسامة الجرائم المرتكبة 

وأشاد ناشطون سياسيون بالأحكام التي تراوحت بين السجن المشدد والمنع من النشاط السياسي، معتبرين أنها توجه رسالة واضحة لمن يحاول إعادة تونس إلى دوامة الفوضى. وقد رأى البعض أن هذه الأحكام تمثل لحظة فاصلة في الصراع بين مشروع الدولة المدنية ومشروع الإسلام السياسي.

الشارع التونسي، الذي فقد الثقة في الطبقة السياسية التقليدية، رأى في هذه الأحكام استعادة لهيبة الدولة. وقد عبّر نشطاء على مواقع التواصل عن ارتياحهم لما اعتبروه "أول خطوة حقيقية نحو المحاسبة"، مؤكدين أن مكافحة التآمر يجب أن تشمل كل من تورط في إسقاط مؤسسات الدولة أو التآمر عليها.

ترى أوساط مقربة من السلطة أن الأحكام الصادرة تعكس جسامة الجرائم المرتكبة التي تهدد أمن الدولة واستقرارها

 

وترى أوساط مقربة من السلطة أن الأحكام الصادرة تعكس جسامة الجرائم المرتكبة التي تهدد أمن الدولة واستقرارها، وأنها جاءت استنادا إلى أدلة وقرائن قوية تم تقديمها خلال التحقيقات والمحاكمة.

 وتعتبر هذه الأوساط أن استخدام المعارضة لعبارة "تهم ملفقة" يندرج في إطار محاولات تبرير المتهمين والتقليل من خطورة الأفعال المنسوبة إليهم، وذلك على الرغم من وجود ما يثبت تورطهم في محاولة زعزعة استقرار البلاد وتقويض مؤسساتها. ويؤكد هؤلاء على أن هذه الأحكام ضرورية لردع أي محاولات مستقبلية للمساس بأمن تونس ووحدتها.

من جهته، قال الناشط والمحلل السياسي التونسي عبد الكريم المحمودي إن "هذه الأحكام كانت منتظرة لحجم خيانات التنظيم وحلفائه"، وأضاف المحمودي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "المخطط الذي يتضمن الانقلاب وما بعد الانقلاب يتضمن عدة نقاط".

وأوضح أن ما تقدم كان سيجري عبر "تجريد الرئيس الحالي من الشرعية الدستورية من خلال ادعاء عجزه عن أداء مهامه ثم الإعلان عن نهاية فترة حكمه ونهاية العمل بالإجراءات الاستثنائية والعودة إلى دستور  الإخوان لسنة 2014".

بالمقابل، ترى المعارضة أن هذه الاتهامات "ملفقة" وتُستخدم كأداة لقمع المنتقدين وتكريس الحكم الفردي في البلاد. وقال حمة الهمامي زعيم حزب العمال المعارض، والذي كان من بين الحاضرين لدعم المتهمين الجمعة "قضية التآمر مهزلة، هذا النظام الاستبدادي ليس لديه ما يقدمه للتونسيين سوى المزيد من القمع"، بحسب تعبيره.

زعيم حزب العمال المعارض: حمة الهمامي

تمهيد لحل حركة النهضة

وقد فتحت هذه القرارات القضائية الباب على مصراعيه أمام جدل سياسي واسع حول ضرورة حل حركة الإخوانية نهائيًا وتصنيفها تنظيمًا إرهابيًا، حيث أكد المحلل السياسي التونسي عمر اليفرني في حديث لموقع "العين الإخبارية" أن الأحكام الأخيرة "عصفت بأوهام الإخوان في العودة للحكم"، مشيرا إلى أن ما حدث هو نتيجة تراكم ملفات تورّط النهضة في قضايا إرهابية وأمنية، أبرزها محاولة اغتيال الرئيس قيس سعيد، التي يُنتظر أن يصدر فيها الحكم في أيار / مايو المقبل، وقد تصل عقوبتها إلى الإعدام.

ولفت اليفرني إلى أن "هذه الأحكام تعزز من فرضية تصنيف النهضة كحزب إرهابي، لاسيما وأن رئيسها راشد الغنوشي صدرت ضده عدة أحكام بينها 22 سنة في قضية التخابر و5 سنوات في ملف التمويل الأجنبي".

كما أشار إلى أن "الحركة متورطة أيضًا في ملفات الاغتيالات السياسية وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر"، وبحسب رأيه، فإن "وجود أغلب قيادات الحركة داخل السجون جعل الإخوان بلا قدرة على التأثير أو إدارة الصراعات السياسية، وفقدوا أدواتهم الأساسية: الإعلام، والتمويل، والتحالفات"، مضيفًا أن "الحل القانوني لحركة النهضة بات مطلبًا شعبيًا لا يمكن تجاهله".

وكانت مجموعة من النواب قد تقدمت بلائحة سياسية إلى البرلمان تطالب بحل حركة النهضة وتصنيفها تنظيمًا إرهابيًا.

فتحت هذه القرارات القضائية الباب على مصراعيه أمام جدل سياسي واسع حول ضرورة حل حركة الإخوانية نهائيًا وتصنيفها تنظيمًا إرهابيًا

 

وجاء في هذه اللائحة أن "تفكيك منظومة الخراب" التي ارتبطت بالنهضة هو أحد الشروط الأساسية لبناء الدولة واستعادة المؤسسات الوطنية من الاختراقات، داعيةً كل مؤسسات الدولة، بما فيها البرلمان، للانخراط الكامل في هذا المسار.

ووفق فحوى اللائحة، فإن حركة النهضة تضم في صفوفها قيادات متورطة بتلقي تمويلات مشبوهة من جهات أجنبية، ومرتبطة بـ"الجهاز السري" المسؤول عن الاغتيالات السياسية وعمليات التسفير والإرهاب العابر للحدود.

تفاصيل القضية

ووفق التحقيقات، فإن المتهمين حاولوا في 27 كانون الثاني / يناير 2023، الانقلاب على الحكم عن طريق تأجيج الوضع الاجتماعي وإثارة الفوضى ليلا، مستغلين بعض الأطراف داخل القصر الرئاسي.

إلا أن قوات الأمن والاستخبارات التونسية تمكنت من إفشال هذا المخطط عن طريق تتبع مكالماتهم واتصالاتهم وخطواتهم، ليتبين أن خيام التركي، وهو الشخصية التي أجمع عليها الإخوان لخلافة قيس سعيد، حيث كان حلقة الوصل بين أطراف المخطط.

والتقت قيادات إخوانية في منزل خيام التركي، الناشط السياسي ومرشح الإخوان للحكومة سنة 2019، رفقة كمال لطيف رجل الأعمال المعروف بـ"رجل الدسائس" ودبلوماسيين ورجال أعمال آخرين، بالضاحية الشمالية بسيدي بوسعيد.

وتورط في هذه القضية سياسيون ورجال أعمال وإعلاميين وحتى دبلوماسيين، كما تم تسجيل مكالمات هاتفية مع أطراف في القصر الرئاسي بقرطاج من أجل "إسقاط النظام"، فيما خططت هذه المجموعة لتحريك الشارع بداعي رفع الأسعار والتحكم في المواد الغذائية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية