أحزاب تونسية تختفي بعد عصر من الفوضى

أحزاب تونسية تختفي بعد عصر من الفوضى


14/07/2022

فاروق يوسف

لو كان الأمر بيد الرئيس قيس سعيد لألغى الأحزاب يوم اتخذ اجراءاته بتجميد عمل مجلس النواب. 
فتونس المستقلة لم تعرف الحياة الحزبية المتعددة. وباستثناء حركة النهضة وهي جماعة دينية ليس لديها مشروع سياسي وطني فإن كل الأحزاب التي فازت في الانتخابات واحتل ممثلوها مقاعد في البرلمان وصار لزعمائها مكان في الحياة السياسية هي ليست سوى تجمعات تم ارتجالها لغايات مختلفة ليس من بينها أن تكون هناك حياة سياسية سليمة.
اما الحزب الدستوري الحر الذي تترأسه عبير موسي فهو لا علاقة له بحزب الحبيب بورقيبة، بالرغم من أنه يمثل بالنسبة للآخرين واجهة الدفاع عن نظام زين العابدين بن علي. 
الخلاصة التي انتهى إليها قيس سعيد تفيد بأن تونس ليست في حاجة إلى أحزاب. تلك الخلاصة صنعتها الأحزاب حين حولت مجلس النواب إلى حلبة للمصارعة ولم يلتزم ممثلوها بواجبات السلطة التشريعية في سن القوانين وممارسة الرقابة على عمل الحكومة.    
كان الشعب التونسي في مكان ومجلس النواب في مكان آخر. 
ومما كان يدعو إلى السخرية أن صورة الديمقراطية الوحيدة التي تعرف عليها التونسيون كانت عمليات اللكم والركل والسباب وتبادل الاهانات التي مارسها النواب وهم ممثلو الأحزاب، بعضهم في حق البعض الآخر. 
تلك كانت الديمقراطية التونسية وهي الثمرة الوحيدة الناضجة للثورة التي فتحت الباب على نحس الربيع العربي. 
هل فعلت الأحزاب شيئا آخر؟ 
حين أوقف الرئيس سعيد عمل مجلس النواب شعرت الأحزاب أنها قد سقطت في فخ لم ينصبه لها أحد. وكلما مضى الرئيس سعيد في اجراءاته يتبين أن تلك الأحزاب لم تكن تستند إلى قاعدة شعبية. كان المال السياسي قد لعب دورا خطيرا في كل الانتخابات التي جرت عبر العشر سنوات الماضية. لم تكن هناك مصداقية سياسية وكل الأصوات التي مُنحت لهذا الحزب أو ذاك قد تبخرت حين غابت مناسبة توزيع الصدقات ورشوة الجمهور. كان الفقر هو الحقيقة الوحيدة. 
وفي ما يتعلق بالحياة السياسية فإن تونس أصلا فقيرة على مستوى الحياة الحزبية. لقد محا الحبيب بورقيبة أي ذكر للأحزاب في الحياة العامة. فالرجل لم يزعم أنه ديمقراطي غير أنه بنى تونس الحديثة. لقد عارضه الكثيرون حينها غير أنهم يذكرونه اليوم بالخير، كونه صاحب مشروع سياسي وطني وهب تونس صفات الدولة الحديثة وصنع قاعدة لبناء مجتمع حيوي متعلم قائم على المساواة. 
 أما وقد سادت الفوضى بعد ثورة الياسمين وسقوط نظام بن علي الذي احتكر كذبا وراثة نظام الحبيب بورقيبة فإن ظهور الأحزاب كان واحدا من أهم تمارين تلك الفوضى التي أدت إلى ولادة يسار مشوه ويمين لا يفكر إلا في الانتقام من المجتمع الذي هو من وجهة نظره مجتمع منحرف في حاجة إلى إعادة تربية. وإذا كان اليسار قد خسر فرصة اقناع التونسيين باختياره ممثلا لمزاجهم في الحكم فإن حركة النهضة قد اجتاحت بأوهامها الدينية المناطق الفقيرة التي ظلت مهملة عبر حوالي ربع قرن. استفادت النهضة من غباء النظام السابق غير أنها بحكم تبعيتها للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين مارست نوعا أسوأ من الغباء. 
عبر العشر سنوات الماضية أثبتت الأحزاب كلها من غير استثناء أنها لم تكن ضرورية ولم تكن قادرة على خلق مناخ سياسي تعددي يستجيب للديمقراطية التي كان الشعب التونسي يحلم بها. وهي ديمقراطية حياة وليست ديمقراطية حكم أو بشكل محدد سباق على الحكم. 
لقد ترك بورقيبة شعبا متعلما ونساء يعرفن حقوقهن في الحياتين الخاصة والعامة. ذلك هو الرهان الناجح للرئيس التونسي في مواجهة الخسائر التي يجب على الأحزاب أن تتكبدها. ففي الوقت الذي يستعد فيه للاستفتاء على الدستور الجديد فإن الأحزاب كلها تتعرض للانشقاقات كما لو أنها تتهيأ لمرحلة ما بعد الدستور التي ستضعها في مواجهة حجمها الحقيقي على المستوى الشعبي. فمن غير المال السياسي لن يكون لحزب قلب تونس وجود في الحياة السياسية ولولا الضحك باسم الدين على البسطاء لما ارتقى الغنوشي كرسي الرئاسة في مجلس النواب. اما الأحزاب الأخرى فإنها ستختفي ما إن تشعر أن هناك دولة حقيقية وقوية قد قامت في تونس. يومها ستنتهي المزحة.   
بعد سنة من إجراءاته الصادمة يبدو الرئيس التونسي في قمة نضارته السياسية وهو إذ يستعد للاستفتاء على دستوره فإنه في الوقت نفسه يقول وداعا للأحزاب التي نشرت الفوضى في بلده. 

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية