آلية عمل الصحوة اليوم: محور العولمة

آلية عمل الصحوة اليوم: محور العولمة

آلية عمل الصحوة اليوم: محور العولمة


13/09/2023

خالد العضاض

وبمناسبة الحديث عن العولمة، فلو تتبعنا التسلسل التاريخي لحرب المصطلحات التي قادها التيار الصحوي في السعودية، وهي مصطلحات ليست قليلة، سنجدها قد بدأت تقريبًا بعد منتصف الثمانينيات بالحداثة، ثم بالنظام العالمي الجديد مع مطلع التسعينيات، ثم روجت الصحوة بعد ذلك لمصطلحات صدام الحضارات، ونهاية التاريخ، وتحولت بالتدرج إلى وصف المخالف فكريًا بالعلمانية، ثم وصفه بالليبرالية، بعد أن كانت تصفه بالحداثية، وكان الحديث عن العولمة في منطقة وسط، بين انتقال وصف المخالفين بالعلمنة وبين وصفهم بالليبرالية، وذلك مع بدايات الألفية الجديدة.

وبدأ الاهتمام الصحوي بالعولمة، قبيل دخول الألفية الثانية، والتي أخذت رواجًا أوسع من السابقات، بسبب دخول عنصر الإنترنت، والذي انطلق سعوديًا في أواخر الربع الأول من عام 1997، وتحديدًا في شهر مارس من ذلك العام.

وموقد شرارة الرواج والانتشار لهذه المصطلحات، وفقًا لمفاهيم محددة، ومقصودة في المجتمع، هو قراءة مجتزأة وسطحية، لكتاب مترجم، أو جلسة مع طالب دراسات عليا في إحدى الدول الغربية، ينقل فيها فقرات من آخر مقالات أحد أساتذته الغربيين، للداعية المشهور، أو يلخص كتابًا يبشر بنظرية ما في الأوساط الغربية، وهذه القراءة أو تلك الجلسة تتحول إلى محاضرة أو خطبة تلهب المشاعر والقلوب على ضياع الإسلام وغربته، وما زلت أذكر الكم الهائل من الملازم والأضابير ومصورات المقالات، والذي يتم تداوله بين الصحويين، عن كل دقيق وجليل يقال حول العولمة.

على كلٍ، تقول الدراسة: إن كلمة العولمة من الكلمات التي ظهرت أخيرًا على ألسنة العامة والخاصة، وهي تعد نتاج عصر المدنية والتقنية الحديثة، وهي أحد أساليب الغرب المتقدم في السيطرة على مقدرات الشعوب، وتوجيهها إلى الوجهة التي يريدها، بما يخدم مصالحه الذاتية. ومن المعروف أن شعوب ما يسمى بالعالم الثالث، تتلقف كل ما يأتي من الغرب، من عادات وأفكار، خصوصًا إذا تبنتها شرذمة من أشباه المثقفين، ودعوا إليها؛ لذا فإن الواجب على الدعاة ترسيخ أسس قوية لدى الشعب بجميع فئاته، من قواعد العقيدة والدين، وأن تعمل ذاتيًا على ردِّ كل ما هو ضار بالشعب في دينه ودنياه، من خلال «تعميق فهم الدين»، بالإضافة إلى «المطالبة بحقوقهم المدنية».

وأشارت إجابات أفراد العينة حول تأثير العولمة محليًا، إلى أنها تأثيرات تختلف من دولة إلى أخرى تبعًا لمجموعة من العوامل، منها: الوضع الاقتصادي للدولة، وانفتاحها على الغرب، ومدى بعد أو قرب الشعب من دينه، ومن ضمن هذه التأثيرات: تغيير أنماط السلوك، والتأثير بشكل غير مباشر على الاعتقاد من خلال هدم الشخصية المسلمة، وتكوين شخصية ليس لها معالم واضحة، ممّا يعني القضاء على البعد العقائدي لدى المسلمين، كما أن الدراسة ترى أن تأثير العولمة على المجتمعات المحافظة أشد إيلامًا من غيرها من المجتمعات التي تدعي التقدم، كما أن تأثيرها يتضاعف عبر التأثير الإعلامي والاقتصادي والاجتماعي، خاصة عبر برامج السياحة وغيرها، الأمر الذي سيضعف الاهتمام بالخصوصية الفكرية والثقافية، بالرغم من وجود صوت يقول: إن إيجابياتها أكثر، ويمكن توظيفها لصالح الدعوة.

وأما عن مدى التأثير السلبي للعولمة على النشاط الدعوي بشكل خاص، فإن الدراسة ترى أن العولمة لها آثار كبيرة وعميقة على الدعوة، ومنها: فتح أبواب الشرور والفتن، مما يعني إجهاد الدعاة في مواجهة ذلك التيار الهدّام، وإثارة الشكوك لدى العامة فيما يقوله الدعاة، وإن لم يواكبها الدعاة فسيُعزلون عن غيرهم.

أما من جهة التأثير الإيجابي للعولمة، فذُكر منها: تعريفنا على الأجزاء المعطوبة في ثقافتنا من خلال المقارنة، وكذلك المزيد من الوعي بالذات والعالم، كما أن العولمة يمكن أن تعمل على إتاحة فرص جديدة لنشر الدعوة، ويمكن أن تقود الأمة إلى ضرورة التوحد ونبذ الفُرقة.

وبالرغم من أن بعض أفراد العينة يرى أن الأثر الإيجابي ضعيفٌ جدًا، ويمكن الاستفادة منه بالإنترنت فقط، وبذلك يبلَّغ الإسلام للعالم أجمع، ويرد على شبهات المبطلين، إلا إنهم يرون إمكانية النفاذ من خلال العولمة للعالمية بدل القطرية، والتواصل مع الأمة في الخارج، وأن باستطاعة الداعية تصدير أفكاره ورسالته عن طريق الكتاب والشريط والصوت والصورة، وأن يستفيد من الأساليب والتجارب النافعة من غيرها، فالعولمة بحسب الدراسة، منابر مفتوحة كسرت احتكار النظم السياسية للإعلام المؤثر.

ومن التأثيرات الإيجابية التي رآها بعضهم، أنها تؤدي إلى تقلص سلطة الدولة، مما يتيح فرصًا جديدة للدعوة ونشرها، وطبعًا هذا التقليص سوف يخدم الرأسمالية، التي تنتمي إليها الشركات، في حين أن الدولة سوف تصرف جهدها إلى المحافظة على أمنها وسلامتها، وتترك خدمة الطبقات الفقيرة.

وثمة سؤال طرحته الدراسة، وهو: هل تعتقدون أن الإسلاميين سيستثنون من فرص الحرية والمشاركة؟

فترى تلك الدراسة المسحية، أنه بات من الواضح جدًا الحرب التي يعلنها الغرب الكافر على الإسلام، لذا أكَّدت غالب العينة على أن العمل الإسلامي سوف يستثنى من هذه الحريات، لأن الدول الراعية للعولمة هي دول كافرة، وكفرها هو الذي يوجهها، وبررت الدراسة ذلك بأن الإسلام عدو للجميع، ولكن هذا الاستثناء سيكون بشكل غير واضح وغير مباشر، هكذا يرى دعاة الهدى أن الإسلام عدو للجميع، وأن الجميع يعتبرونه عدوًا، ولهذا طالب بعض أفراد العينة بأن يفرضوا الدعاة أنفسهم على الساحة.

وترى الدراسة أن من أهم عوامل نجاح (تيار العولمة): اعتماده على العلم والتقنية، والتحكم في رؤوس الأموال، وسهولة الاتصال، وإمكانية الحوار، وموافقة أهواء الناس، وسيعزز ذلك سوء الأوضاع في الدول النامية.

وأكّد أفراد العينة، أنه لا بد من وجود طرح دعوي يناسب المرحلة، يكون من أهم معالمه: أن يكوِّن الإسلاميون خطابًا حضاريًا متقدمًا، للبحث عن الأرضيات المشتركة، وتوعية الناس بواجباتهم الشرعية، واستخدام الآليات المستحدثة في إطار ما يسمى بالعولمة وحسن الاستغلال لها، والانفتاح المنضبط بالشرع، والبعد عن التقليدية والتقليد، وللحديث بقية.

عن "الوطن"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية