خطابات أردوغان النارية للاستهلاك المحلي فقط!

خطابات أردوغان النارية للاستهلاك المحلي فقط!


26/12/2017

لا يكترث غالبية الدبلوماسيين الغربيين لخطابات أردوغان المناهضة للغرب، فهم يدركون أنها للاستهلاك السياسي المحلي فحسب، بغرض إخفاء تهم الفساد التي ظهرت في محاكم نيويورك. ولا شكّ في أن الرجل سيواصل حملته -مستغلًا قرار ترامب- لإذكاء المشاعر القومية للشعب التركي إلى أن يحين موعد ثلاثة انتخابات تركية مقبلة في غضون عامين.

ويقول الكاتب ماهير زينالوف في مقالة نشرتها مجلة “غلوب بوست” الأمريكية إن أزمة المسجد الأقصى خدمت أردوغان باللجوء إلى “الخطابات القومية النارية”، لكسب مزيد من الشعبية في أوساط المسلمين.

إن قومية أردوغان “المنقّحَة” تختلف عن القوميات التركية الأخرى التي تبنّاها غيره من القادة والزعماء الأتراك؛ إنها تختلف عن قومية مصطفى كمال أتاتورك التي تصوّرت أمة متجانسة من الرجال والنساء والسنيّين والعلمانيين؛ وهي ليست ذاك النّوع من القومية “الباردة” التي تبنّتها أحزاب تركية مثل “حزب الحركة القومي” الذي يربِط اللاهوت بالهويّة التركية؛ كما أنها ليست متطابقة مع القومية المناهضة للإمبريالية التي تضمّ مناصرين مثل دوغو بيرنيك.

تستند “قومية أردوغان” إلى تصوّر مفاده أن “الإخوان المسلمين يقفون في وجه الصّليبيين الغربيين”، وأن “تركيا هي الحُصن المنيع الرابض أمام هذا الخطر الغربي”. يرى أردوغان أن قوميته هي المسار الصحيح في الشرق الأوسط، وأن الإسلام هو القوّة الموحِّدة، وأن “تركيا هي الدولة القويّة الوحيدة القادرة على الوقوف في وجه الغرب”. وبالطبع، يذكّرنا هذا جيدًا بالحكم العثماني الذي صال وجال كثيرا في المنطقة.

تُثبِت خطابات أردوغان القومية قبل انتخابات عاميّ 2011 و2015 بشكل جليّ أن الرجل يعتمد على تكتيكات تناوبية في حملاته الانتخابية، فقد كانت المرة الأخيرة التي يُظهر فيها مواقف علنيّة مناهضة للغرب قبل الاستفتاء في الربيع.

ويحاول أردوغان اقتناص كل فرصةٍ لشنّ هجوم كلامي على الغرب؛ بهدف جذب اهتمام المسلمين. ولا ننسى حقيقة أنّ أكثر ما يثير حماسة المسلمين هو الخطاب المناهض للغرب عندما يتعلّق الأمر بقضايا جوهريّة وحسّاسة. وأوضح مثال على ذلك؛ قضية القدس التي تهمّ المسلمين كافة في بقاع الأرض كلّها. وبالطبع فإن حزب العدالة والتنمية ماهر جدًا في استغلال هذه الأحداث، لدرجة أن الأحزاب القومية المعارضة باتت مجبرة على اللحاق بركبه.

ومن الأمثلة التي توضّح استغلال أردوغان للخطاب القومي للدفاع عن قاعدته الشعبية والهروب من “فضائحه”، ما قاله رجل الأعمال التركي الإيراني الشهير “رضا زراب” في شهادته أمام المحاكم الأمريكية، التي مثّلت لأردوغان فضيحة لا يمكن له تحمّل بروزها إلى السطح من جديد. وقد أثارت غضبًا شعبيًا عارمًا في أنقرة، ولكن قرار ترامب بشأن القدس شكّل فرصةً ذهبية بالنسبة لأردوغان لاستعادة شعبيّته المتناقصة بِفِعل الفضيحة، لذا بدأ بشنّ هجوم “مفجّر” على الغرب وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام السّماعات المكبّرة في جميع أنحاء البلاد.

يلجأ الرئيس التركي إلى هذا الأسلوب في ظل انعدام ثقته بالجيش، الأمر الذي دفعه إلى الانجرار وراء روسيا وإيران للحفاظ على سلطته. من الواضح أن أردوغان يعتبر إيران وروسيا لاعبين حقيقيين في المنطقة، بدلًا من الولايات المتحدة، التي أخفقت في إظهار قوتها خاصة في سوريا. لذا يستشعر الزعيم التركي بأن روسيا والصين هما بمثابة المخلّص لاحتياجات تركيا المالية والعسكرية. وما دفع أردوغان إلى الانحياز نحو روسيا، هو التهديد القادم من الجيش التركي، وهي المؤسسة الوحيدة التي لم يستطع أردوغان تحويلها لصالحه. لذا، يعتمد أردوغان على شبكة من الجنرالات الذين يصطفون وراء “بينريك”، وهو سياسي قويّ مؤيد لروسيا، بهدف الإبقاء على الضباط الآخرين الموالين للغرب تحت سيطرته. وقد سبق وأن سجن أردوغان نصف الجنرالات والضباط ممن هم على اتصال وثيق مع الناتو. ومن المتوقّع أن يستمر هذا التحالف (التركي الروسي) إلى أن يملأ أردوغان الجيش بموالين له.

عن"كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية