
حميد قرمان
لم يكن خافيا على أيّ مختص أو متابع للشأن السياسي في المنطقة، سعي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين المستمر لتوظيف حرب الإبادة التي تقوم بها دولة إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، توظيف يهدف في أساسه إلى إعادة الدفع السياسي لفروع وجمعيات الجماعة داخل الدول العربية.
ليست المرة الأولى التي أتناول بها عبر صفحات العرب، مقالات تتحدث عن رؤية وإستراتيجية الإخوان المسلمين – التنظيم الأم، والدور المطلوب من حركة حماس كرافعة تنظيمية لعمل الجماعة وفروعها في الدول العربية، حيث دأبت على رفع سقف الخطاب السياسي في الشارع العربي، واستغلال حالة التعاطف؛ لخلق نوع من الصدام التصاعدي في حدته مع أنظمة عربية كانت بعيدة تماما عن دوائر الصراع بين إيران ومحورها وإسرائيل – حكومة بنيامين نتنياهو، لتكريس وجودها داخل المشهد السياسي في المنطقة كأداة توظف في تحالفات حماس وارتباطاتها الإقليمية.
تركز الدور الحمساوي وجهده في تهييج الشارع الأردني، من خلال بث رسائل سياسية إعلامية من قبل قادة الحركة بشكل منهجي، ويمكن القول إن تنظيم الإخوان في الأردن كان الأنشط في تجنيد أنصاره لتصنيع قلاقل سياسية عبر الضغط الشعبي المبرمج، هادفا في مقامه الأول لزيادة شعبيته القائمة على عدة عوامل تعتمد على أدبيات الجماعة في استقطاب جماهيرية مفقودة منذ ما كان يسمى بثورات الربيع العربي.
الدولة الأردنية وأجهزتها تعاملت بحنكة وحكمة منقطعة النظير مع الخطاب الإخواني الاستعلائي، بل فردت مساحة وهامشا لم يكن مفهوما لأغلب السياسيين والإعلاميين والمهتمين بالشأن الداخلي الأردني في ذلك الحين لغلوّ هذا الخطاب ومبالغته وإسرافه في الهجوم على خصوم سياسيين وأنظمة عربية، في حين كانت هذه المساحة كمناورة تمهيدا لمنح مخططات بعض أفراد أو تيارات داخل الجماعة لكشف مداها في الاتصال والتواصل مع جهات إقليمية تريد خلق حالة ميليشياوية داخل الأردن، في تكرار لتجارب فصائلية مسلحة تتحكم بقرارات سيادية في ما كان يسمى عواصم النفوذ الإيراني.
مسيرة العلاقة بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين، تحمل كثيرا من التعقيد السياسي في جوانبها، لعل أخطرها اعتماد الإخوان أسلوب المغالاة في تفسير وجودهم كصمام أمان وحماية للدولة في الكثير من المفاصل والمنعرجات التي مرت بها عبر تاريخها.
لتأتي نقطة الفصل في اجتثاثها اليوم؛ بقرار دستوري مستندة على جملة قوانين صيغت تحت عنوان: تحديث المنظومة السياسية، لتأطير الحياة الحزبية بخطوط حمراء سياسية وقانونية واضحة تصب في تقوية الدولة الوطنية الأردنية ومصالحها بناء على جملة التغييرات في الملفات الإقليمية والدولية منذ بداية العقد الحالي.
النموذج الأردني في التعامل مع تنظيم الإخوان امتاز بالمرونة السياسية في مراحل عديدة بصيغة احتواء تمثيلي ضمن إطار الدولة وأطرها الحاكمة، لتُنهي الدولة مساره باجتثاث عبر إجراءات تنفيذية مؤطرة قانونيا ودستوريا، وهو ما يمكن البناء عليه عربيا لوقف مد الجماعة وفروعها الساعية لتكريس أيديولوجيتها المبتورة كدولة داخل الدول العربية.
العرب