تحميل المسؤوليات للأفراد لا يبرئ إخوان الأردن

تحميل المسؤوليات للأفراد لا يبرئ إخوان الأردن

تحميل المسؤوليات للأفراد لا يبرئ إخوان الأردن


24/04/2025

أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب بالأردن، أمس الثلاثاء، عن قرار حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، تجميد عضوية 3 من أعضائه وردت أسماؤهم بلائحة اتهام للنيابة العامة بمحكمة أمن الدولة في تهم بتنفيذ أعمال تخل بالنظام العام بالبلاد في خطوة، يقول مراقبون إنها تهدف لتليين رد فعل السلطة الأردنية المرتقب.

وجاء القرار، الذي أبلغت به الهيئة المستقلة للانتخاب أمس الثلاثاء، عقب الكشف عن مخططات تهدد الأمن الوطني، منها تصنيع أسلحة محليًا واستيراد أدوات قتالية، ما أثار حالة من القلق داخل الدوائر الرسمية بشأن طبيعة الأنشطة المتصلة ببعض منتسبي الحزب.

ويقول مراقبون إن هذا التجميد – رغم أنه إجراء تنظيمي داخلي – لا يمثل براءة سياسية، بل يبدو في نظر مراقبين محاولة استباقية لامتصاص غضب السلطة الأردنية وتليين رد فعلها المتوقع تجاه الجماعة.

وثمة قناعة تتعزز لدى المؤسسات الرسمية بأن جماعة الإخوان لم تعد قادرة على الفصل الواضح بين خطابها السياسي الداخلي وتقاطعاتها الإقليمية، لاسيما مع حركة حماس، التي تعتبرها المملكة تهديدًا مباشرًا لأمنها منذ طردها عام 1999.

وتصاعد القلق الرسمي بعد مظاهر التأييد العلني من قبل الإخوان لحماس خلال حرب غزة، وقيادة الجماعة لاحتجاجات شعبية رفعت أعلام الحركة ورددت شعاراتها، بل سمحت في بعض الفعاليات لقادة من حماس بالظهور افتراضيًا لمخاطبة المتظاهرين في عمّان.

ورغم محاولات الجماعة لاحقًا النأي بنفسها عن بعض التجاوزات التنظيمية، كحادثة تسلل عنصرين إلى إسرائيل ومقتلهم، إلا أن الرسائل السياسية التي تبعثها الجماعة تبقى غامضة، وتغذي الشكوك حول وجود دعم أو على الأقل تعاطف ضمني مع أنشطة تتجاوز الخطاب السياسي التقليدي.

وما يعزز من هذا الانطباع هو سابقة ضبط مخابئ متفجرات في العاصمة الأردنية في يونيو الماضي، والتي نُسبت إلى جهات خارجية، ورُبط بعض المتورطين فيها بعضوية هامشية داخل الجماعة. وحتى إن وُصفت تلك الحالات بأنها فردية، فإن تكرارها بات يضع “جبهة العمل الإسلامي” في موقع الدفاع الدائم، ويستدعي أسئلة جوهرية حول قدرة الجماعة على ضبط كوادرها، والحفاظ على مسافة واضحة من أي نشاط يخل بالأمن العام.

ويقول مراقبون إن قرار التجميد لا يُقرأ كإجراء تأديبي فقط، بل كتحرك تكتيكي في لحظة سياسية وأمنية دقيقة، تحاول فيها الجماعة إرسال إشارة حسن نية للسلطات، دون أن تقدم على تغييرات بنيوية في خطابها أو علاقتها بالبيئة الإقليمية.

كما لا يخلو القرار من محاولة لحماية هيكل الحزب من ضغوط قانونية قد تؤدي إلى مطالبات أوسع بحظره، وهي مطالب تتزايد بين بعض الأوساط الأردنية، لكنها تصطدم حتى الآن بسياسة تقليدية للسلطات تفضل تفكيك الأزمات عبر المناورة بدلاً من التصعيد الشامل.

وفي المقابل، لا يبدو أن الصبر الرسمي على الجماعة سيكون طويلًا، إذا استمرت مظاهر التحدي، سواء عبر التظاهر في مناطق محظورة، أو تبني خطاب تعبوي. فالحكومة تواجه ضغطًا مضاعفًا: داخليًا من رأي عام غاضب بسبب الحرب في غزة والوضع الاقتصادي المتدهور، وخارجيًا من توازنات إقليمية تزداد هشاشة. ولهذا فإن استمرار الجماعة في التأرجح بين خطاب داخلي يسعى للبقاء داخل اللعبة السياسية، وخطاب تعبوي يغازل جمهورًا أوسع، قد يعجل بمراجعة جذرية للموقف الرسمي منها.

وما يزيد من حساسية الموقف أن الدولة الأردنية بصدد تنفيذ خطة تحديث سياسي، تتطلب برلمانًا حزبيًا وبيئة أكثر استقرارًا. في هذا السياق، فإن إقصاء جماعة كبيرة مثل “العمل الإسلامي” قد يبدو متناقضًا مع هذه الرؤية، لكنه في الوقت ذاته قد يتحول إلى خيار واقعي إذا ما رأت الدولة أن الجماعة غير قادرة أو غير راغبة في الالتزام بقواعد اللعبة السياسية التي توازن بين المعارضة والنظام.

ويشير محللون إلى أنه لا يمكن النظر إلى قرار تجميد الأعضاء الثلاثة كدليل براءة، بل هو اعتراف ضمني يضع الجماعة في دائرة المحاسبة. وتبدو السلطات الأردنية أمام خيارين: المراهنة على استيعاب الجماعة في إطار ضوابط أمنية وسياسية دقيقة، أو الذهاب نحو سيناريو أكثر حزما يضع الإخوان أمام استحقاق لم يعودوا قادرين على تأجيله.

وتشعر الدوائر الأمنية الأردنية بقلق خاص إزاء انتماء جماعة الإخوان المسلمين الصريح إبان الحرب لحركة حماس، وهي منظمة اعتُبرت تهديدًا أمنيا خطيرا لدرجة أنها طُردت من المملكة عام 1999. وقد عكست تصريحات الإخوان الأخيرة العديد من مواقف حماس، بينما هيمنت على الاحتجاجات التي نظمتها الجماعة أعلام حماس والشعارات المؤيدة لها – بما في ذلك بعض الولاء لقادة المنظمة الإرهابية.

حتى أن إحدى هذه المظاهرات على الأقل شهدت قيام قادة حماس بمخاطبة المتظاهرين الأردنيين افتراضيًا. كما تحدت بعض الفعاليات التي قادتها جماعة الإخوان المسلمين حظر الحكومة للمظاهرات بالقرب من الحدود الإسرائيلية أو أمام السفارات الأجنبية، وخاصةً السفارتين الإسرائيلية والأميركية. وقد أشعلت هذه الحوادث اشتباكات متعددة مع قوات الأمن، كان آخرها في 11 أبريل.

وفي ما يتعلق بالمخططات الإرهابية، كشفت السلطات مخابئ متفجرات في عمان في يونيو الماضي، وفجرتها، مشيرةً إلى أنها على الأرجح من أصل إيراني.

وكان بعض المشتبه بهم من المرتبطين بتلك المخابئ، أعضاءً صغارًا في الجماعة. ورغم قبول السلطات بحجة التنظيم بأن هذه حالات انشقاق أفراد، إلا أن نظرتها تغيرت بعد بضعة أشهر. وفي أكتوبر، قُتل عضوان مسلحان من جماعة الإخوان المسلمين على يد القوات الإسرائيلية بعد تسللهما عبر الحدود وإطلاق النار، مما أدى إلى إصابة جنديين إسرائيليين.

وبدا أن جماعة الإخوان المسلمين تؤيد الهجوم في البداية، ثم نأت بنفسها عنه تحت الضغط، مدعيةً مرة أخرى أن المشتبه بهم كانوا يتصرفون بشكل فردي وليس كممثلين للجماعة. ومع ذلك، لا يزال قادة الإخوان يضفون الشرعية ضمنيًا على التسلل باعتباره دافعًا “لدعم المقاومة.”

وفي غضون ذلك، كشفت تحديات الإخوان المتزايدة للحكومة عن توترات داخل الأوساط الرسمية الأردنية. فمنذ بداية حرب غزة، اعتمدت عمان لهجة خطابية ودبلوماسية تعكس الغضب الشعبي تجاه سلوك إسرائيل خلال الصراع.

ويتماشى هذا الموقف مع النهج التقليدي للقصر الملكي في تجنب المواجهة الداخلية قدر الإمكان، حيث يرى المؤيدون ذلك وسيلةً للحفاظ على الاستقرار. ومع ذلك، يجادل المنتقدون بأن الخطاب المتشدد لم يؤدِ إلا إلى تفاقم الغضب الشعبي وإضفاء الشرعية على موقف الإخوان.

وظهرت إشارة مبكرة إلى تزايد الإحباط الرسمي من رسائل الإخوان في فبراير الماضي عندما انتقد الملك عبدالله بشدة “من يتلقون الأوامر من الخارج.” وقد ألقى هذه التصريحات أمام جمهور من المحاربين القدامى، الذين يُعتبرون عمومًا من أكثر فئات المملكة محافظة. وفي ذلك الوقت، اعتُبر اختياره للجمهور ونبرته القاسية بمثابة تحذير للإخوان وعلامة على الاستياء من طابع الاحتجاجات.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية