
أيمن خالد
القضية الفلسطينية لم تكن بحاجة إلى عشرات آلاف القتلى وثمة نكبات طالت أمثالهم، بقدر ما كان يلزمها من خروج المشهد الإيراني وفلسفة الإخوان ومن ثم التوافق الفلسطيني تحت مظلة وطنية ورعاية عربية بعيداً عن النظريات التي يمكنها أن تصنع عالماً من الورق تسهل بعثرته مع اندفاع أول عاصفة.
ففي عام 1991 ذهب الفلسطينيون والعرب إلى مؤتمر مدريد للسلام وكان المتاح والممكن آنذاك لإيقاف نزف الدم وإنقاذ ما تبقى وجمع الشتات الفلسطيني في بقعة أرض فلسطينية، ولكن بعد عامين فقط من مؤتمر مدريد كانت حركة حماس تنفذ أول عملية انتحارية في سنة 1993 في معادلة غريبة، أرادت أن يكون الممكن على طريقة أصحابها وعلى غير ما اختارته النخبة الفلسطينية آنذاك.
ففي المعادلة الأولى جاءت أوسلو التي قدّر لها تنهي معاناة قدر كبير من الفلسطينيين بعد الانتفاضة الأولى، وقسماً مهماً من الشتات، بدأ بعودة مئات آلاف الفلسطينيين من الشتات إلى الضفة وغزة، ومع الأيام انطلقت الضفة وغزة نحو البناء، بينما تراكم رقم المواليد الذين عادوا من جيل الشتات ليصبح في غزة والضفة بالملايين، في وقت الديموغرافيا الحساسة، التي طوت قصة التهجير الذي تم طرحه في نهاية الثمانينات عبر حزب "موليدت" اليميني الإسرائيلي والذي طالب بنقل سكان غزة والضفة آنذاك إلى دول عربية، كما بات يطرح اليوم.
مشروعان تصارعا على الأرض، الأول استرد غزة والضفة بدون قطرة دم، وأسقط مشروع حزب موليدت، وأصبح لدى الفلسطينيين لأول مرة مطاراً وعلماً ونشيداً وطنياً وقطعة أرض يطمئنون إليها. ومن ثم يصحو مشروع حماس الذي استفاد من هذه المعادلة في غزة، فبدلاً من الانحياز إلى المشروع الوطني، راح يسعى نحو إنشاء كيان ولائي موازي يوافق العقل الاخواني، والذي يستحيل عليه أن يجلس في مكان إلا وينشئ كياناً موازياً يتحين فيه فرصة الانقلاب على الكيان الام، وهكذا نجحت حماس في الانقلاب على الكيان الفلسطيني الوليد الذي منحها حرية الحياة فاختارت إسقاط السلطة، لتبدأ رحلة الإمارة الاخوانية بالدم والسيف.
اليوم وبعدما تحولت غزة إلى حطام في نتاج الحرب الأخيرة وبعد عشرات آلاف الشهود الذين قضوا وأضعاف ذلك من وجع وألم، وصولاً إلى مليون و900 ألفاً في معاناة النزوح ومع كل ذلك لا تزال حماس ممسكة بذات المقود، مدعية أنها في السابع من أكتوبر أنقذت فلسطين من الضياع، وبهذه الكلمات التي أصبح تكرارها يومياً فوق المآل يعيدنا إلى النقطة الصفرية من جديد، أمام نوع من الفتاوى التي تريد أن تزيد من زخم استحضار المشهد عبر غطاء ديني بعدما باتت الأيديولوجيا في مأزق.
فما صدر عن واحدة من جمعيات حركة حماس التي طالبت بالزحف الشعبي العربي من الخارج لإنقاذ غزة، رغم أن غزة قبل يوم كانت منتصرة بحسب العرف عندهم، وخصوصاً عندما يظهر اسم هيئة علماء فلسطين في المشهد، وهي جمعية ليست مسجلة في رام الله ولا القدس لأن في القدس دار الفتوى التاريخية، وفي رام الله مقر دار الفتوى التابعة للسلطة الفلسطينية، وبالتالي كجزء من متممات الامارة الإسلامية أنشأت حماس في دمشق وليس غزة هيئة علماء فلسطين، ولم تدم طويلاً وعندما بدأت الحرب السورية، حملتها حماس معها وغادرت كواحدة من الحقائب، التي كانت تفيد في جمع التبرعات، غير أن الجديد هو تداعي خطابات جماعات إضافية تطالب الشعوب العربية والإسلامية بالزحف نحو فلسطين، على اعتبار اننا في زمن السيف والترس، ما يجعلنا ننظر بريبة إلى هذه الفتاوى، والتي في ظاهرها نصرة الفلسطينيين، وفي باطنها الانقلاب والفوضى في الشارع العربي.
ما نفهمه أن هناك دور افتاء عربية، تماماً كما كانت في كل مدينة في بلاد المسلمين داراً للفتوى، ولم نسمع أن جماعة تصدرت للنطق باسم الجميع غير خوارج العصر الأول، وبالتالي تبقى دور الإفتاء كما بقي عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس الذي كان حبر الأمة، غير أن شؤون السياسة والإدارة لغيرهم، وبالتالي من غير المعقول أن تخاطب جماعة من رجال الدين الشعوب وكأنها تدير غرفة من العمليات العسكرية، فما صدر عن هيئة علماء حماس، ثم ما صدر عن غيرها، يعرف تماماً أن خروج حماس من المشهد، يوقف ذرائع استمرار الحرب، وأما تحريض الشعوب على حكامها فهو طعنة بخاصرة الأمة.
إنقاذ المشهد الفلسطيني لا يأتي من مؤلفات حسن البنا.
العربية