
حميد قرمان
قبل الشروع في متن المقال، وجب التأكيد على حقيقة واحدة أثبتها واقع الصراع في الشرق الأوسط: أن لا بنيامين نتنياهو، رئيس منظومة اليمين الإسرائيلي الحاكمة في تل أبيب، ولا حركة حماس بتياراتها المنقسمة بين الخارج وغزة، من مصلحتهما الانتهاء من ملف الأسرى والرهائن. ليس من مصلحة طرفي الحرب في غزة سقوط أحدهما، فكلاهما لا مبرّر لوجوده سوى استمرار نزيف الدماء. والطامة الكبرى أنها دماء الشعب الفلسطيني، الذي ما زال يدفع ثمن حماقة الأنانية السياسية لليمين الإسرائيلي واليمين الفلسطيني.
لا خلاف على أن بنيامين نتنياهو وزمرته اليمينية مجرمو حرب، صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن الاستمرار في خطاب الإدانة وتحميل حكومة الاحتلال المسؤولية عن جرائمها لن يوقف الحرب أو يُحدث تغييرًا في معادلاتها. لا بد من المضي نحو مقاربة جديدة تضمن كيفية التعامل بحكمة ومسؤولية مع مجرمي الحرب المدعومين اليوم من إدارة أميركية ترامبية، بما يحمي ويحفظ دماء شعبنا ويضمن بقاءه على أرضه.
مقاربة يكون أساسها الوحيد إخراج حركة حماس من المشهد السياسي الفلسطيني، بفرض وصاية عربية شاملة على ملف الصراع في المنطقة، بناءً على التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين بقيادة المملكة العربية السعودية، والخطة المصرية التي تبناها العرب في قمتهم الأخيرة.
فلسطينيًا، وبمنطق وطني بحت، حماس أمام مأزق حقيقي في حربها مع كيان ذاهب بعيدًا في إجرامه، مجردًا من كل القيم الإنسانية. فهي لا تملك إلا الاعتراف بالهزيمة والانحناء للعاصفة التي تقودها اليوم إدارة دونالد ترامب، خاصة أن بنائها السابق على رهاناتها السياسية منذ السابع من أكتوبر أدى وسيؤدي إلى المزيد من الخسائر.
حماس يجب أن تدرك أنها انهزمت، وخسرت الحرب ومعركة التفاوض. النزول من الشجرة يتطلب الاستدارة نحو جهود الدبلوماسية العربية، والمضي قدمًا لتعزيز آليات تنفيذ الخطة المصرية – العربية لإنقاذ القطاع، بل القضية الفلسطينية برمتها، بالتخلي الكامل وغير المشروط عن حكم القطاع أو الوجود في مستقبله.
استمرار عبث حماس السياسي ظهر جليًا في سلوكها السياسي؛ إما باستمرار التهرب من الاستحقاقات الوطنية الفلسطينية الداخلية، أو بناء آمال على حوار مبتور مع إدارة دونالد ترامب. هذا يدلل على أن الحركة ما زالت لا تملك رؤية أو إستراتيجية، وهو ما يمنح بنيامين نتنياهو ومنظومته اليمينية التمادي في القطاع لإدامة سبل بقائهم على سدة الحكم في تل أبيب، بل وازدياد فرص احتمالية فوزهم في الانتخابات المقبلة.
مجدّدًا، بقاء حماس يعني بقاء بنيامين نتنياهو. وهذا يتطلب، أكثر من أيّ وقت مضى، تدخلًا عربيًا ضاغطًا وفاعلًا يخلق شراكة قابلة للتحقيق والتنفيذ مع الولايات المتحدة لإحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وإعادة بناء قطاع غزة.
هذا التدخل يجب أن ينتج عن اتفاق شامل جديد بقواعد اشتباك تفاوضية وميدانية تتجاوز ما جرى سابقًا، وبعيدًا عن محاولة تسويق العودة إلى فكرة المراحل الثلاث أو حتى تمديد المرحلة الأولى.
اتفاق يخرج جميع الرهائن دفعة واحدة مقابل عملية تبادل، يتزامن مع خروج ما تبقى من حماس نهائيًا من القطاع، تمهيدًا لتنفيذ الخطة المصرية – العربية لبنائه. هذا الاتفاق سيكون مقدمة لفتح مسار سياسي يفضي نحو تجسيد حقيقي للدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وهي الدولة التي لن ترى النور طالما بقيت حماس وبنيامين نتنياهو على مسرح الأحداث.
العرب