فرص الحياة تحت سماء برتقالية... هل يجذب الاقتصاد البرتقالي اهتمام الحكومات العربية؟

فرص الحياة تحت سماء برتقالية... هل يجذب الاقتصاد البرتقالي اهتمام الحكومات العربية؟

فرص الحياة تحت سماء برتقالية... هل يجذب الاقتصاد البرتقالي اهتمام الحكومات العربية؟


24/02/2025

يُعرف الاقتصاد البرتقالي، أو الاقتصاد الإبداعي، بأنّه أحد أهم القطاعات الناشئة التي تعتمد على استثمار المواهب والإبداع لتحقيق التنمية الاقتصادية. يشمل هذا الاقتصاد الصناعات الثقافية والإبداعية مثل الفنون، والسينما، والموسيقى، والتصميم، والإعلام الرقمي، وهو يُعدّ من أسرع القطاعات نمواً عالمياً. في الدول العربية والغربية بدأت الحكومات تدرك أهمية الاقتصاد البرتقالي كمصدر للنمو المستدام، ممّا يستوجب استراتيجيات لتعزيز هذا القطاع وتوظيف إمكاناته الفريدة.

أسباب وراء التسمية

"الاقتصاد البرتقالي" هو مصطلح صاغه المؤلفان فيليبي بويتراجو ريستريبو وإيفان دوكي ماركيز، في كتابهما: "الاقتصاد البرتقالي: فرصة لا حدود لها"، ورأى المؤلفان أنّ اللون البرتقالي يرتبط عادة بالثقافة والإبداع والهوية، حيث يقولان: إنّه منذ أقدم العصور كان اللون البرتقالي دالّاً على الإبداع بشكل أو بآخر، فقد استخدم الفنانون المصريون القدماء بكثرة صبغة برتقالية مصنعة من كبريت الزرنيخ في الكتابات الهيروغليفية والزخارف بالمقابر.

وفي التقاليد الغربية يرمز اللون البرتقالي إلى الترفيه والانطلاق، وربما ترجع جذور هذه الرمزية إلى الحضارتين اليونانية والرومانية، وفي الثقافات الآسيوية له دلالته أيضاً؛ ففي الكونفوشيوسية يُعتبر لون التحول، وفي البوذية يُعدّ لوناً مميزاً للرهبان، وتمثل الشاكرا البرتقالية الموجودة في أسفل البطن مركز القوة الإبداعية لدى الإنسان في فلسفة اليوجا، وكانت هذه بعض الأسباب وراء تسميته،  إلى جانب افتقار الاقتصاد الثقافي أو الإبداعي إلى هوية لونيّة مميزة وقت تأليفهما للكتاب، فقد قررا تسميته بالاقتصاد البرتقالي.

غلاف كتاب: "الاقتصاد البرتقالي: فرصة لا حدود لها"

الاهتمام بالاقتصاد البرتقالي

سلّط هذا المصطلح الضوء على التقاطع الديناميكي بين الفنون والثقافة وريادة الأعمال. إنّه ظاهرة عالمية تتيح للحرفيين والمصمّمين والموسيقيين والمبدعين فرصة ليس للتعبير عن أنفسهم فحسب، بل قيادة التقدم الاقتصادي أيضاً، وتقدّر الأمم المتحدة أنّ الصناعات الثقافية والإبداعية تمثل 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و6.2% من العمالة في جميع أنحاء العالم، أي أنّه يولد حوالي (4.3) تريليون دولار من الإيرادات، ويخلق حوالي (50) مليون وظيفة سنوياً، وتستغل المدن الصناعات الثقافية والإبداعية لدفع النمو الاقتصادي وتعزيز الابتكار وتصدير التجارب الثقافية، من عروض الأزياء في ميلانو إلى سينما نوليوود في لاجوس، وتعمل الصناعات الإبداعية على إعادة تشكيل الحياة الحضرية. إنّها تحول المناطق المهملة إلى مراكز ثقافية، وتجذب الاستثمار، وتجمع الناس معاً من خلال الفن. ومع ذلك ما تزال التحديات قائمة لإطلاق العنان لإمكاناتها.

الاقتصاد البرتقالي في الخليج 

يبرز الاقتصاد الإبداعي كعنصر محقق للرؤى الاقتصادية الخليجية، خاصة في السعودية والإمارات، حيث ترتفع مساهمة هذا القطاع تدريجياً مدعومة بمبادرات حكومية وبرامج رؤية مستقبلية، فالفعاليات الثقافية الكبرى والمهرجانات الموسيقية تلعب دوراً رئيسياً في تنشيط القطاعات الإبداعية، فهي تولد فرص العمل، وتجذب الاستثمارات، وتزيد من تأثير هذه الأنشطة في الناتج المحلي للدول، كما تسهم في نشر الثقافة وزيادة الاهتمام المجتمعي بها، ممّا يؤدي إلى حفظها في ذاكرة المجتمع وتعزيز الإقبال على الأعمال الثقافية والإبداعية.

سلّط هذا المصطلح الضوء على التقاطع الديناميكي بين الفنون والثقافة وريادة الأعمال

ويبدو واضحاً أنّ الأعوام المقبلة ستشهد نمواً مضاعفاً في الاقتصاد الإبداعي بدول الخليج. ففي السعودية ستواصل "هيئة الترفيه" دعم القطاع وتنميته، وتسعى الإمارات في إمارة دبي لزيادة مساهمة الاقتصاد الإبداعي إلى 10% من الناتج المحلي بحلول 2030. وتتجه دول مثل قطر، والبحرين، وسلطنة عُمان، نحو الاستثمار في هذا القطاع لتعزيز هويتها الثقافية واستقطاب الزوار، مدفوعة بالتطور الرقمي وزيادة الفعاليات الثقافية.

نماذج رائدة للاقتصاد البرتقالي

فاطمة الزهراء رائدة أعمال مغربية شابة تمتلك الآن هي وعائلتها شركة عائلية تُسمّى "يطو" متخصصة في صنع الدمى باللباس المغربي التقليدي. كلمة "يطو" اسم أمازيغي مغربي يسهل على الجميع نطقه كما صرحت الزهراء في أحد اللقاءات.  

وأضافت: "خلال فترة الإغلاق التي صاحبت انتشار جائحة كورونا، بقينا في المنزل بلا شيء نفعله. صنعنا أنا وأختي وأمّي الكثير من الدمى، وألبسناها الزي التقليدي المغربي. بعد الإغلاق أقمنا معرضاً في المغرب، وعرضنا هذه الدمى للبيع. لقد أحب الناس هذه الدمى، كونها مغربية. مثلما يلعب الأطفال الصغار مع باربي الأمريكية، نود أن نعطي الفكرة للأطفال للعب بالدمى المغربية بالملابس المغربية".

وفي قلب مملكة البحرين، وجد عمار بشير، مصمم الديكور السوداني، نفسه على مفترق طرق بعد عودته من دراسته الجامعية في بريطانيا. في مواجهة سوق عمل يتطلب خبرة لم يكن يملكها، غامر عمار بدخول السوق دون أن يدري أنّه بذلك كان يشق طريقاً في خضم الاقتصاد البرتقالي المزدهر.

مصمم الديكور السوداني: عمار بشير

متحدثاً لأخبار الأمم المتحدة، تذكّر عمار تجربته بالقول: "لقد تمّ رفضي من جميع الوظائف التي تقدمت لها لأنني كنت قد تخرجت للتو"، مشيراً إلى أنّ هذه النكسة كانت بمثابة حافز ودافع له لإنشاء شركة تصميم خاصة به، مدفوعاً بإبداعه ورغبته في تطبيق أفكاره.

لم يكن يعلم أنّ مغامرته في عالم التصميم ستتماشى تماماً مع المفهوم الناشئ للاقتصاد البرتقالي، وهو قطاع يكون فيه الإبداع هو العملة، والأفكار هي الأصول الأكثر قيمة. ويوضح عمار أنّ "الشيء الجميل في الاقتصاد البرتقالي هو أنّ رأس المال هو فكرة الشخص".

في غضون (3) أعوام تجاوز رأس مال شركته (10) ملايين دولار، وهو ـ حسبما يقول ـ دليل على قوة الإبداع في توليد الثروة والعمالة. ويضيف: "اكتشفنا أنّ الإبداع يجلب المال، ويخلق فرص عمل للناس".

يُعدّ الاقتصاد البرتقالي محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي في مصر والدول العربية، ويوفر فرصاً هائلة لتنويع مصادر الدخل وتعزيز الهوية الثقافية. ورغم التحديات، فإنّ الاستثمار في هذا القطاع يمكن أن يكون مفتاحاً لمستقبل اقتصادي أكثر استدامة وإبداعاً في العالم العربي.

وبينما نتأمل في العالم الديناميكي للاقتصاد البرتقالي، من المهم أن نصغي إلى الكلمات التي أنهى بها فيليبي بويتراغو، وزير الثقافة الكولومبي السابق، خطابه في المنتدى العالمي الرابع لرواد الأعمال والاستثمار الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة 2024، وهو الذي يذكرنا بعدم تجاهل القطع الأثرية الثقافية التي تشكل هويتنا.

واختتم حديثه قائلاً: الرسالة هي أننا في بعض الأحيان نعتبر بعض الأشياء من المُسلّمات، مثل حرفة أو لوحة أو لحن من تراثنا، وهذا غباء. نحتاج إلى أن نأخذ الأمر على محمل الجِد، لأنّ هذه رسالة من الماضي يرويها لنا شخص على قيد الحياة اليوم، ومستعد للانخراط معنا في الحلم بمستقبل أفضل".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية