
بالتزامن مع ذكرى قرار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر حلّ جماعة الإخوان في 14 كانون الثاني (يناير) عام 1954، إثر واقعة محاولة اغتياله الفاشلة، يعيش المصريون أجواء من الغضب ضد الجماعة بعد مرور (71) عاماً على حلها، بسبب استمرار الجماعة في معاداة المصريين ومحاولة ضرب استقرار الدولة بالإرهاب والشائعات.
تاريخ قرارات الحل
شهدت جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها عام 1928 سلسلة من قرارات الحل والحظر بسبب ارتباطها بأعمال عنف واغتيالات سياسية هددت استقرار الدولة المصرية. فمنذ البداية قدّمت الجماعة نفسها كحركة دينية واجتماعية، لكنّها سرعان ما انخرطت في السياسة وشكلت تنظيماً سرياً مسلحاً، ممّا أدى إلى مواجهات متكررة مع السلطات المصرية.
وكانت قرارات حل الجماعة في أعوام 1948 و1954 و2013 نتيجة مباشرة لضلوعها في أعمال إرهابية ومحاولات قلب نظام الحكم. في كل مرة كانت الدولة تتخذ قرار الحل، كان رد فعل الجماعة يتراوح بين العنف وإعادة التنظيم في أشكال جديدة، ممّا يجعل تاريخ قرارات حلها مرتبطاً بشكل وثيق بتاريخها الدموي.
في عام 1948 أصدر رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي قراراً بحلّ الجماعة ومصادرة ممتلكاتها، بعد تورطها في عمليات تفجير واغتيالات، مثل تفجير محلات شيكوريل وجروبي، ومحاولة اغتيال القاضي أحمد الخازندار.
إلى جانب ذلك كشفت قضية السيارة الجيب عن امتلاك الجماعة لتنظيم سرّي مسلح، وهو ما دفع الدولة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضدها. لكنّ قرار الحل لم يمرّ دون رد فعل، فقد قام أحد أفراد الجماعة باغتيال النقراشي باشا في كانون الأول (ديسمبر) 1948 انتقاماً منه، ممّا أكد أنّ التنظيم لم يكن مجرد حركة سلمية، بل هو كيان يعتمد العنف كوسيلة لتحقيق أهدافه السياسية.
في عام 1954، وبعد تحالف قصير مع الضباط الأحرار عقب ثورة 23 تموز (يوليو) 1952، اصطدمت الجماعة بالنظام الجديد بسبب مطالبتها بالمشاركة في الحكم. وبلغت المواجهة ذروتها بعد حادث المنشية في تشرين الأول (أكتوبر) 1954، حيث اتُهمت الجماعة بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر أثناء إلقائه خطاباً جماهيرياً.
جاء ردّ الدولة حاسماً، فتمّ حل الجماعة واعتقال الآلاف من أعضائها، بمن فيهم المرشد حسن الهضيبي، كما أُعدم عدد من قياداتها، مثل عبد القادر عودة ويوسف طلعت.
أدى هذا القرار، بحسب مراقبين، إلى ظهور تيار أكثر تطرفاً داخل الجماعة، وبرزت أفكار سيد قطب التي نظّرت للدولة باعتبارها "جاهلية حديثة"، وأرست مبدأ "الجهاد" ضد الأنظمة الحاكمة، ممّا مهد لظهور الجماعات الإرهابية في العقود التالية.
إرهاب لا يسقط بالتقادم
وفي مقال نشره مركز (رع) للدراسات يؤكد المفكر علي محمد الشرفاء على ضرورة التمسك بتصنيفها جماعة إرهابية، وإبعادها عن مؤسسات الدولة المصرية والمجتمع، ولا بدّ أن تتمسك الدولة المصرية بموقفها من هذه الجماعة، ولا تتأثر بما يدور في دول أخرى، ولا تتأثر الحكومة المصرية بدعوات بعض النخب.
يقول الشرفاء: "هؤلاء الذين يرددون مصطلح المصالحة بين الحين والآخر، فبأيّ منطق يفكرون، ولمصلحة من يعملون؟ أمن أجل عودة الشيطان وإخوانه، فإنّهم هم المنافقون الذين وصفهم الله بقوله سبحانه: "مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا"... الآية (143) من سورة النساء.
ويتساءل: "ألم تكفهم معاناة الشعب المصري لفترة تزيد عن (71) عاماً من الدم؟ فهؤلاء خلال عشرات السنين يزرعون الخوف ويحصدون الأرواح، فلم يعد لهم مكان على تراب مصر".
أخونة مصر أو العنف
في عام 2013، وبعد وصول الإخوان إلى الحكم، دخلت مصر مرحلة من الاضطرابات السياسية غير المسبوقة، حيث سعت الجماعة إلى "أخونة" مؤسسات الدولة وفرض رؤيتها الإيديولوجية، ممّا أثار احتجاجات شعبية واسعة انتهت بعزل مرسي في 3 تموز (يوليو) 2013.
عقب ذلك، صعّدت الجماعة من تحركاتها، ونفذ أنصارها أعمال عنف ضد قوات الأمن والمنشآت الحكومية، وظهرت تنظيمات مسلحة مثل "حسم" و"لواء الثورة" التي نفذت عمليات اغتيال بحق ضباط الشرطة والمسؤولين الحكوميين. وفي 25 كانون الأول (ديسمبر) 2013 أعلنت الحكومة المصرية تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، محمّلةً إياها مسؤولية الهجمات التي استهدفت الدولة ومؤسساتها، ليكون هذا القرار الثالث بحلّ الجماعة بشكل رسمي. ولم يكن القرار محليّاً فقط، بل تبعته قرارات مماثلة من دول عربية أخرى مثل السعودية والإمارات، التي رأت في الجماعة تهديداً لاستقرار المنطقة.
ويعتبر مراقبون أنّ كل قرار بحلّ الإخوان كان مرتبطاً بتورطها في العنف، وهو ما يكشف أنّ اللجوء إلى السلاح لم يكن مجرد استثناء، بل سمة متكررة في تاريخها. فمنذ أربعينيات القرن الماضي امتلكت الجماعة تنظيماً سرّياً نفذ عمليات اغتيال، مثل قتل القاضي أحمد الخازندار ورئيس الوزراء النقراشي باشا، وهو ما يؤكد أنّها لم تكن مجرد حركة إصلاحية كما تدّعي.
بعد حل الجماعة عام 1954 تحولت أفكار سيد قطب إلى مصدر إلهام للحركات الجهادية التي اعتبرت الدولة "كافرة"، وأصبحت هذه الأفكار أساساً للفكر الإرهابي في العالم العربي. وبعد سقوط حكمها عام 2013 لم تكتفِ الجماعة بالمعارضة السياسية، بل دعمت تنظيمات مسلحة نفذت عمليات إرهابية ضد الدولة المصرية.
تاريخ قرارات حلّ الإخوان المسلمين يكشف أنّ الجماعة لم تكن قادرة على العمل في إطار الدولة الوطنية، بل كانت تسعى إلى استبدالها بمشروعها الإيديولوجي، مستخدمة العنف أداة رئيسية في صراعها السياسي، وفي كل مرة يتم حظرها، تلجأ إلى إعادة تنظيم نفسها تحت مسمّيات جديدة، معتمدة على شبكاتها الدولية والدعم الخارجي.
كما أنّ فشل الجماعة في تحقيق أهدافها عبر الوسائل السياسية كان يدفعها دائماً إلى التصعيد الأمني واستخدام العنف المسلح، ممّا جعلها في صدام دائم مع الدولة والمجتمع.
قرارات حل الجماعة عبر التاريخ لم تكن مجرد إجراءات إدارية، بل كانت استجابة طبيعية لخطورتها على الأمن القومي المصري. وبرغم الحل المتكرر، فإنّ الإخوان ظلوا يسعون للعودة عبر تغيير استراتيجياتهم، ممّا يجعل مواجهتهم لا تقتصر فقط على الحل القانوني، بل تحتاج إلى تفكيك خطابهم المتطرف ووقف دعمهم الخارجي. ورغم كل محاولاتهم لإعادة بناء أنفسهم، فإنّ سجلهم الدموي يظل شاهداً على حقيقة تنظيمهم، ويبرر استمرار حظرهم ككيان يمثل تهديداً لاستقرار الدولة المصرية والمنطقة بأسرها.