ولاية خراسان: تطور تنظيم الدولة الإسلامية من تحالف هش إلى قوة إيديولوجية فعالة

ولاية خراسان: تطور تنظيم الدولة الإسلامية من تحالف هش إلى قوة إيديولوجية فعالة

ولاية خراسان: تطور تنظيم الدولة الإسلامية من تحالف هش إلى قوة إيديولوجية فعالة


09/12/2024

يشهد تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، المعروف باسم "ولاية خراسان"، تحولات كبرى تعكس تطور التنظيم من جماعة غير منظمة إلى كيان مؤدلج يمتلك قدرة تنفيذية على المستوى المحلي والإقليمي. وتأتي دراسة (المركز العربي لدراسات التطرف) كمصدر مهم لفهم هذه الديناميات، حيث تسلط الضوء على نشأة التنظيم، وتطوره، وعلاقته بالقيادة المركزية لداعش. الدراسة تكتسب أهمية خاصة في ظل أحداث بارزة مثل الهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو عام 2024، الذي فتح الباب أمام نقاشات واسعة حول علاقة داعش المركزية بفرع خراسان وأدواره الإقليمية المتزايدة.

نشأة تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان

أعلن تأسيس "ولاية خراسان" في عام 2015 كجزء من استراتيجية داعش لتوسيع نفوذه جغرافياً، وذلك في سياق تصاعد التنظيم في العراق وسوريا. استهدفت الولاية المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، مع تركيز إضافي على آسيا الوسطى. ورغم أهمية هذا التوسع، كانت البداية مليئة بالتحديات، لا سيّما بسبب الطبيعة الهشة للتحالفات المحلية.

تشكل التنظيم في البداية من عناصر منشقة عن طالبان الأفغانية والباكستانية، بالإضافة إلى مقاتلين من الحركة الإسلامية في أوزبكستان. وقد انضمت هذه الجماعات نتيجة استيائها من سياسات طالبان، خاصةً ميلها إلى التفاوض مع الغرب. واستغلت القيادة المركزية لداعش هذه الانقسامات من خلال وعود بالتمويل والدعم، لكنّ ضعف الموارد البشرية والبنية التحتية شكل عقبات كبيرة أمام التنظيم في تحقيق مشروعه.

كانت هذه التحديات سبباً رئيسياً في بطء نمو التنظيم خلال السنوات الأولى، فقد واجه صعوبات في التجنيد وتوسيع نفوذه داخل المناطق المستهدفة. ومع ذلك لم تكن هذه البداية البطيئة إلا مرحلة تمهيدية لما سيصبح لاحقاً أحد أكثر فروع داعش نشاطاً.

تحول التنظيم إلى كيان مؤدلج

بحلول عام 2017 بدأ فرع خراسان في تبنّي هيكل تنظيمي أكثر تطوراً استناداً إلى نموذج القيادة المركزية لداعش في العراق وسوريا. ركز هذا النموذج على بناء "نواة صلبة" من القادة ذوي الخبرة لتوجيه الأنشطة العملياتية والتنظيمية. وتمت إعادة هيكلة التنظيم ليصبح أكثر مركزية، مع اهتمام خاص بتجنيد أفراد لديهم قدرات تعليمية وإيديولوجية، خاصةً في المناطق الحضرية مثل جلال آباد وكابل.

بحلول عام 2017 بدأ فرع خراسان في تبنّي هيكل تنظيمي أكثر تطوراً استناداً إلى نموذج القيادة المركزية لداعش في العراق وسوريا

كانت الإيديولوجيا عنصراً محورياً في إعادة هيكلة التنظيم. ركزت القيادة على تلقين المجندين أفكار التنظيم بشكل مكثف مستغلة هشاشة الأوضاع الاجتماعية والسياسية في أفغانستان وباكستان. وساعد هذا النهج في تخطي الانقسامات القبلية والإثنية التي كانت تعيق عمل التنظيم، حيث أصبح التماسك الداخلي أحد أبرز نقاط قوته.

ساهم هذا التحول الإيديولوجي والتنظيمي في تعزيز قدرة "ولاية خراسان" على البقاء ومواجهة التحديات، سواء كانت هجمات من طالبان أو بسبب ضغوط أمنية من قوى إقليمية ودولية. كما تمكن التنظيم من توسيع عملياته خارج الحدود، ممّا عزز موقعه كفاعل رئيسي في المنطقة.

 العلاقة بين القيادة المركزية وفرع خراسان

واجهت القيادة المركزية لداعش تحديات كبيرة منذ عام 2017، أبرزها التراجع المالي والعسكري، ممّا دفعها إلى منح فروعها استقلالية أكبر. استفاد فرع خراسان من هذه الاستقلالية، وأصبح أكثر تكيفاً مع بيئته المحلية. ومع ذلك لم يكن هذا التحول نتيجة استراتيجية مخططة بقدر ما كان ضرورة فرضتها الظروف.

وتشير الدراسة إلى أنّ العلاقة بين القيادة المركزية وفرع خراسان اتسمت بالتغيرات المستمرة. ففي حين اعتمدت القيادة على الفرع لتعزيز صورتها كتنظيم عالمي، اعتمد الفرع على ذاته في تمويل عملياته وتنفيذها. وساهم هذا التوازن في تعزيز مكانة فرع خراسان كأحد الفروع الأكثر نشاطاً، خاصةً في ظل تراجع فروع داعش الأخرى.

تشير الدراسة إلى أنّ العلاقة بين القيادة المركزية وفرع خراسان اتسمت بالتغيرات المستمرة

رغم هذه الاستقلالية، استمرت القيادة المركزية في توجيه بعض العمليات الاستراتيجية لفرع خراسان، لا سيّما تلك التي تستهدف مصالح دولية. ويُعتقد أنّ الهجوم الإرهابي في موسكو عام 2024 كان نتيجة لتعاون مباشر بين القيادة المركزية والفرع، ممّا يعكس استمرار التواصل بين الطرفين لتحقيق أهداف مشتركة.

 التحديات التي تواجه تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان

رغم النجاحات التي حققها التنظيم، إلا أنّه يواجه تحديات ضخمة تهدد استمراريته. وتُعدّ حركة طالبان أبرز هذه التحديات، فقد شنت هجمات متكررة على معاقل التنظيم في شرق أفغانستان. ورغم فقدانه بعض المناطق، أظهر التنظيم مرونة كبيرة في إعادة تموضعه، ونقل عملياته إلى مناطق أكثر أمناً.

التحدي المالي هو الآخر يشكل عائقاً كبيراً أمام التنظيم. وتشير التقارير إلى أنّ "ولاية خراسان" توقفت عن دفع رواتب مقاتليها منذ أكثر من عام، ممّا أدى إلى انخفاض عدد العناصر النشطة. ومع ذلك لم تتسبب هذه الأزمة في انشقاقات كبيرة، ممّا يعكس نجاح القيادة في تعزيز الولاء الإيديولوجي لدى أعضائها.

كما يواجه التنظيم تحديات في جذب مجندين جدد، خاصةً مع تصاعد الضغوط الأمنية وزيادة الوعي المحلي حول مخاطره. ومع ذلك يستمر التنظيم في استغلال المناطق الحدودية وضعف الحكومات المحلية لتعويض خسائره البشرية.

بالختام، تؤكد دراسة (المركز العربي لدراسات التطرف) أنّ تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان يمثل تهديداً متزايداً رغم التحديات التي يواجهها، وأنّ تطور التنظيم من كيان هش إلى قوة إيديولوجية وعسكرية متماسكة يعكس مرونة التنظيمات الإرهابية وقدرتها على التكيف مع الضغوط، كما يُبرز أهمية الاستراتيجيات الأمنية الشاملة في مواجهة هذه التهديدات.

في ظل استمرار نشاط فرع خراسان وتوسعه خارج الحدود، يصبح من الضروري تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة مخاطره. ورغم التراجع النسبي لقدرات التنظيم، تبقى إيديولوجيته وأهدافه مصدر قلق مستمر يستدعي تحليلاً دقيقاً واستجابة حاسمة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية