
عاد هاجس الخوف والقلق من معضلة "السلاح السائب" في ليبيا إلى الواجهة من جديد، بعد صدور تقارير تتحدث عن تأثيرات يصل صداها إلى حد تهديد أمن مجموعة من الدول الأفريقية المجاورة لليبيا على غرار النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا.
ومع انهيار حكم معمر القذافي في عام 2011، ظل الكثير من ترسانتها الضخمة دون حراسة، فيما أشارت تقديرات الأمم المتحدة في عام 2020 إلى أن ليبيا كانت تمتلك ما يصل إلى 200 ألف طن من الأسلحة عند انهيارها، ثم نشبت فيها حروب أهلية فاقمت مشكلة تأمين مخازن الأسلحة.
هذا الانتشار الواسع للسلاح فاقم من الأزمة التي تعيشها البلاد وساهم في انتعاش خلايا الإرهاب النائمة التي تستخدم، حسب الخبراء، تجارة الأسلحة للعودة للحياة في البلد الإفريقي العربي.
ويشكل سلاح الميليشيات أكبر عائق أمام جهود طيّ المرحلة الحالية، إذ يرفض قادتها أي تفاهمات تفضي إلى نزع سلاحهم، من أجل تأمين نفوذهم ومصالحهم. كما تعتبر هذه الجماعات من أبرز المستفيدين من تواصل الوضع الحالي.
"سلاح ليبيا السائب" يثير مخاوف أمنية
ومؤخرا، سلّطت مجلة "منبر الدفاع الإفريقي" التابعة للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، في تقرير لها الثلاثاء، الضوء على تأثيرات الأسلحة المهربة من ليبيا على الأمن في نيجيريا رغم مرور أكثر من عقد على نهب مخازن السلاح والعتاد من مخازن العقيد الليبي معمر القذافي.
ونقل التقرير عن مسؤولين عسكريين نيجيريين قولهم إن "الإرهابيين الذين يجتاحون شمال نيجيريا يتسلحون بأسلحة خرجت من ليبيا".
وتواجه نيجيريا تحديات أمنية واسعة خصوصا في شمال البلاد، إذ يشن تنظيم بوكو حرام الإرهابي وجماعات متشددة أخرى تمردا مسلحا منذ نحو 15 عاما، ما أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص.
كما تعيش نيجيريا على وقع تنامي أنشطة العصابات الإجرامية وقطاع الطرق المسلحين الذي يهاجمون المنازل والقرى خصوصا في شمال غرب البلاد.
تأثيرات يصل صداها إلى حد تهديد أمن مجموعة من الدول الأفريقية المجاورة لليبيا على غرار النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا
وذكر التقرير، الذي نقله موقع "الحرة"، أن مشروع مسح الأسلحة الصغيرة كشف أن تجار الأسلحة في نيجيريا يستغلون حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل، ولا سيما في النيجر، التي تحولت إلى أبرز معبر للأسلحة التي خرجت من الترسانات الليبية، وانتقلت إلى نيجيريا وبلدان أخرى في منطقة الساحل.
ويصف التقرير تدفق الأسلحة من ليبيا نحو النيجر ثم نيجيريا بأنه "مثل الأرز في السوق".
ونقلت عن اللواء النيجيري إدوارد بوبا قوله في إحاطة إعلامية "حين نتحدث عن انتشار الأسلحة، فعليك أولاً أن ترى ما حدث في ليبيا منذ سنوات وما حدث في منطقة الساحل، فقد سمح ذلك بوصولها إلى أيدٍ غير أمينة، ثم تسربت إلى بلدنا، فتفاقمت قضية التمرد والإرهاب التي نواجهها في البلاد".
وكان المركز الوطني لمكافحة الأسلحة الصغيرة والخفيفة في نيجيريا قد أعدم في نهاية أكتوبر الفائت نحو 2400 قطعة سلاح صودرت من مجرمين في مختلف أنحاء البلاد.
دور روسي؟
ويسلط تقرير منبر الدفاع الإفريقي الضوء أيضا على تحول ليبيا إلى منصة لإمداد "الطغم العسكرية التي تحكم بوركينا فاسو ومالي والنيجر بالأسلحة".
وأوضح أن ليبيا أمست مصدرا للأسلحة الأجنبية، الكثير منها مصنوع في روسيا وجلبها إليها مرتزقة مرتبطون بمجموعة "فاغنر".
ووصلت مجموعة "فاغنر" إلى ليبيا خلال العام 2019 لدعم قوات المشير خليفة حفتر، الذي كان آنذاك بصدد شن هجوم على الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا في طرابلس.
وهذا ليس أول تقرير يكشف عن أنشطة روسية انطلاقا من ليبيا لدعم نفوذ موسكو في عدد من البلدان الإفريقية.
ففي تشرين الأول / أكتوبر الفائت، ذكر مركز " آيرون 24" الفرنسي أن موسكو تسعى إلى الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لليبيا لتأمين قواعد روسية على الجناح الجنوبي لحلف الناتو ولدعم أنشطتها في منطقة الساحل الإفريقي وما وراء الصحراء الكبرى. كما أشار إلى أن الوجود الروسي في ليبيا يوفر لموسكو فرصة لاستغلال أزمة الهجرة في أوروبا للضغط على الاتحاد الأوروبي.
وسلط التقرير الفرنسي الضوء على إدارة قوات روسية لثلاث قواعد جوية في ليبيا، في القرضابية بالقرب من سرت، وفي الجفرة في فزان، وفي براك الشاطئ في الجنوب الغربي، يتم استخدامها بشكل أساسي لنقل العسكريين والمعدات إلى السودان أو مناطق أخرى في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كمالي والنيجر وبوركينا فاسو.
دور المتطوعين الأفارقة
وحول تأثير الأسلحة المهربة من ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي على منطقة الساحل الأفريقي، أكد العقيد ركن المتقاعد من القوات المسلحة الموريتانية البخاري، أن "أساليب عدة استعملت لعبور الأسلحة الليبية إلى الحدود الأفريقية على يد جماعات مختلفة يبقى أولها وأخطرها 'جماعة المتطوعين' التي تعرف ليبيا جيداً، إذ سبق وتدربت على أراضيها، وهي مجموعات جند العقيد الراحل معمر القذافي عدداً منها منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي".
يشكل سلاح الميليشيات أكبر عائق أمام جهود طيّ المرحلة الحالية إذ يرفض قادتها أي تفاهمات تفضي إلى نزع سلاحهم
وتابع العقيد الموريتاني في تصريح نقله موقع "اندبندنت عربية"، "كنت شخصياً متدرباً مبعوثاً من طرف السلطات الموريتانية آنذاك وكنت ألاحظ وجود ما يسمى بالمتطوعين، أكثرهم من جنسيات أفريقية، وكان النظام الليبي يتعاون مع هؤلاء المتطوعين في ما بعد حتى يتحولوا إلى عناصر ضمن الكتائب المسلحة في ليبيا".
وقال إنه "عندما أسقط النظام انتقل كثيرون منهم بصورة منظمة في صورة وحدات مسلحة إلى بلدانهم الأصلية ومعهم أسلحتهم، ومن بينهم الكتائب التي جاءت إلى مالي، وكان عدد كبير منهم من طوارق مالي. جاؤوا كوحدات منظمة ومسلحة ودخلوا إلى الأراضي المالية، بعدما سمحت السلطات الرسمية المالية بدخولهم رفقة أسلحتهم، ظناً منها أنها ستدمجهم في قواتها الأمنية الرسمية، غير أن هذه المجموعات (المتطوعون سابقاً في ليبيا) انقلبت على مناطق عدة في مالي وتعاونت في مرحلة لاحقة مع ما عرف بتنظيم 'القاعدة في المغرب العربي' التي انقلبت هي الأخرى عليهم، وتمكنت من السيطرة على الأرض وعلى كثير من الأسلحة المهربة من ليبيا إلى مالي".
وواصل العقيد الركن الموريتاني المتقاعد حديثه قائلاً إن "الانتشار الفوضوي للأسلحة الليبية المهربة إلى أفريقيا جعل هذه الأسلحة تباع مثلما يباع الرز"، موضحاً أنها "تباع عن طريق تجار الأسلحة بالسوق السوداء في كل من السودان والنيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا ومالي، وغيرها من الدول الأفريقية". ولفت إلى أن "مجموعة المتطوعين لا تبيع الأسلحة، مهمتها تقف عند تهريبها من ليبيا فحسب، البيع يكون عن طريق تجار الأسلحة".
هذا وتشير تقارير أممية إلى وجود أكبر مخزون في العالم من الأسلحة في ليبيا غير الخاضعة للرقابة، ولا يكاد بيت في البلاد ذات المساحة الشاسعة يخلو من السلاح والذخيرة.
ويحذّر مراقبون من تداعيات مشكلة السلاح الاجتماعية والسياسية وكذلك الاقتصادية، رغم خضوع البلاد إلى البند السابع في مجلس الأمن والذي يمنع عنها استيراد الأسلحة.
مشروع قانون لإعادة إدماج حاملي السلاح
وتتجه الأنظار تتجه نحو مشروع معروض للتنفيذ يتعلق بإعادة إدماج حاملي السلاح من خارج أجهزة الدولة، حيث قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إنها جمعت نخبة من ممثلي المؤسسات الليبية ومنظمات المجتمع المدني من جميع أنحاء البلاد وعدداً من الشركاء الدوليين لمناقشة التحديات والفرص في دعم جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في ليبيا
أساليب عدة استعملت لعبور الأسلحة الليبية إلى الحدود الأفريقية على يد جماعات مختلفة يبقى أولها وأخطرها 'جماعة المتطوعين' التي تعرف ليبيا جيداً
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عقدت اجتماعاً للفريق المكلف بنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، تم التركيز خلاله على منع نشوب الصراعات، والجهود الليبية لمعالجة انتشار الأسلحة، والحد من العنف المجتمعي، والمصالحة الوطنية، وإعادة تأهيل منتسبي التشكيلات المسلحة وإدماجها في المجتمع».
وناقش المشاركون ضرورة عمل عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج على توفير بدائل للتجنيد في التشكيلات المسلحة، وبناء التماسك المجتمعي، واقترحوا إجراء مناقشات اجتماعية بين الشباب، وإقامة لقاءات ملائمة للنساء بما يتناسب وثقافة وأعراف المجتمع الليبي، لتعزيز ثقتهم في السلام، والقضاء على الدوافع الرئيسية للعنف.