
يعد *هاني فحص، الذي وُلد في جنوب لبنان عام 1946 وتوفي عام 2014، من بين الشخصيات الفريدة التي جمعت بين دور رجل الدين والداعية إلى **التعايش بين الأديان* والثقافات. مثّل فحص نموذجًا لرجل الدين الشيعي المستنير، الذي ركّز على *القيم الإنسانية* والأخلاقية، متجاوزًا الحدود الطائفية الضيقة. ولم يكن فقط رمزًا في الحوار بين الأديان، بل لعب دورًا في السياسة والفكر اللبناني، وعُرف بمواقفه الإصلاحية داخل مجتمعه، حيث دعا باستمرار إلى *الاعتدال* والتسامح ورفض العنف.
كان هاني فحص من أوائل رجال الدين الذين جمعوا بين *الدراسة التقليدية* في الحوزة العلمية في النجف، وبين الاطلاع على الفكر الحديث. في تلك المرحلة، تأثر فحص بعلماء ومفكرين مثل *محمد باقر الصدر* و*مرتضى مطهري*، حيث استلهم منهم الكثير من الأفكار الإصلاحية المتعلقة بالتجديد في الفكر الديني، وضرورة إعادة النظر في الموروث الديني بما يتماشى مع التحديات المعاصرة.
منذ عودته إلى لبنان، بدأ فحص في الدعوة إلى *إعادة قراءة التراث الإسلامي* من منظور أكثر شمولية، معتبرًا أن الإسلام يجب أن يكون منفتحًا على *التعددية* و*الحداثة. لم يكن فحص راضيًا عن الجمود الفكري الذي أصاب العديد من رجال الدين التقليديين، بل كان يطمح إلى أن يكون الدين وسيلة لتحرير الإنسان، ودفع المجتمعات نحو العدالة والتقدم. من هنا جاءت دعوته إلى إصلاح المؤسسات الدينية، والتخلي عن الانغلاق الطائفي والتفكير في حلول تعزز **حقوق الإنسان* والمواطنة.
ارتبط اسم هاني فحص بالحوار بين الأديان، وخاصة *الحوار الإسلامي-المسيحي* في لبنان والعالم العربي. كان يؤمن أن *لبنان* بما يحمله من تنوع ديني وثقافي هو نموذج فريد للحوار والتعايش، وأن هذا النموذج يمكن أن يكون رسالة للعالم الإسلامي. لعب دورًا بارزًا في تقريب وجهات النظر بين المسلمين والمسيحيين، وعمل على بناء جسور التفاهم بين الطوائف اللبنانية.
في إحدى المناسبات، قال فحص: "نحن بحاجة إلى *حوار حقيقي* قائم على الاحترام المتبادل والفهم العميق للآخر. لا يمكن أن نعيش في عزلة عن بعضنا البعض في بلد مثل لبنان". هذه الرؤية قادته إلى المشاركة في *مؤتمرات دولية* للحوار بين الأديان، ولاقى تكريمًا من العديد من الشخصيات والهيئات الدولية، بما في ذلك البابا يوحنا بولس الثاني. كما كان له دور فاعل في تأسيس *اللقاءات الوطنية اللبنانية* التي ضمت ممثلين عن مختلف الطوائف لتعزيز روح الوحدة الوطنية.
لم يكن هاني فحص مجرد رجل دين يُعنى فقط بالقضايا الفقهية، بل كان مفكرًا سياسيًا ملتزمًا بقضايا *العدالة الاجتماعية* والديمقراطية. خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وقف فحص ضد *الانقسامات الطائفية*، ودعا إلى حل النزاعات عبر الحوار وليس عبر السلاح. كان يرى أن استخدام العنف باسم الدين يُسيء إلى رسالة الإسلام الحقيقية، التي يجب أن تكون رسالة سلام وتسامح.
في مواقفه السياسية، كان فحص من أبرز المدافعين عن *المشروع الوطني اللبناني، ودعا إلى تعزيز المؤسسات الديمقراطية في البلاد. لم يكن مؤيدًا للعنف أو التحالفات الطائفية التي تعمق الانقسام داخل المجتمع اللبناني. كما ناصر فحص حقوق **المرأة*، واعتبر أن الإصلاح الاجتماعي لا يمكن أن يتم إلا بمشاركة كاملة من النساء في الحياة العامة.
رغم أن هاني فحص كان جزءًا من الطائفة الشيعية، وكان قريبًا من حركة *أمل، إلا أنه حافظ على **استقلاليته الفكرية. كان ناقدًا لبعض سياسات الحركة، خاصة فيما يتعلق بالعنف الطائفي، لكنه في الوقت نفسه كان يرى أن الطائفة الشيعية تحتاج إلى مراجعة داخلية لتجنب الانغلاق الطائفي. في هذا السياق، كان فحص يرفض **التبعية الخارجية*، ويؤكد أن الأولوية يجب أن تكون للبنان كوطن، بعيدًا عن الحسابات الإقليمية أو التحالفات التي قد تضر بمصلحة البلد.
علاقته بحركة أمل، وخاصة بقائدها *نبيه بري*، كانت علاقة معقدة، حيث حافظ على صداقة مع بري، لكنه في الوقت نفسه لم يتردد في انتقاده عندما شعر أن سياسات الحركة قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات الداخلية. هذا التوازن بين الولاء للطائفة والتمسك بمبادئه الوطنية جعل فحص يحظى باحترام واسع داخل الأوساط السياسية اللبنانية.
كان هاني فحص من أبرز المدافعين عن *القضية الفلسطينية، وكان يؤمن بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم والعيش بكرامة. في هذا الإطار، ناصر **المقاومة الفلسطينية* ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكنه في الوقت ذاته دعا إلى *حلول سلمية* وعادلة للقضية. كان يرى أن العنف الطائفي في المنطقة يُستخدم لتفتيت الشعوب العربية، وبالتالي إضعاف القضية الفلسطينية.
في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، دعا فحص إلى *السلام العادل* الذي ينهي الاحتلال ويحقق العدالة للفلسطينيين. رفض بشدة أي محاولات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون تسوية عادلة وشاملة. كان يعتقد أن الحل يجب أن يكون من خلال *المقاومة السلمية* والعمل الدبلوماسي، بعيدًا عن العنف الذي يزيد من تعقيد الأمور.
الفكر الإصلاحي لهاني فحص كان يقوم على أساس أن *الدين يجب أن يكون في خدمة الإنسان* وليس العكس. كان يؤمن بأن الدين يمكن أن يكون قوة إيجابية لتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي إذا تم فهمه وتطبيقه بطريقة صحيحة. في هذا السياق، كان يدعو إلى *إصلاح المؤسسات الدينية* وإبعادها عن السياسة والطائفية.
اعتبر فحص أن الخطر الأكبر الذي يواجه الإسلام هو *التفسير المتطرف* الذي يقوده البعض لاستغلال الدين في تبرير العنف والطائفية. لذلك، كان دائمًا يدعو إلى محاربة الفكر المتطرف عبر تعزيز *التعليم الديني المعتدل* وتشجيع الحوار بين المذاهب الإسلامية المختلفة.
ترك *هاني فحص* بصمة لا تُنسى في العالمين العربي والإسلامي. إرثه الفكري والإصلاحي يستمر في التأثير على الأجيال القادمة، حيث يمثل نموذجًا لرجل الدين الذي يتبنى *الاعتدال* ويعمل على *تجديد الفكر الإسلامي* ليتماشى مع التحديات المعاصرة. كان فحص رمزًا *للحوار والتسامح، وشخصية استطاعت أن تتجاوز حدود الطائفية، لتدعو إلى **الوحدة الوطنية* و*العدالة الاجتماعية*.
في زمن تتصاعد فيه النزاعات الطائفية والعنف في العالم العربي، تبقى رؤية هاني فحص *للتعايش والحوار* أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث تشكل طريقًا للخروج من الأزمات الحالية وبناء مستقبل أكثر سلامًا وتضامنًا.