درويش خليفة لـ (حفريات): جماعة الإخوان لم تستطع التكيف مع المتغيرات السياسية في المنطقة

درويش خليفة لـ (حفريات): جماعة الإخوان لم تستطع التكيف مع المتغيرات السياسية في المنطقة

درويش خليفة لـ (حفريات): جماعة الإخوان لم تستطع التكيف مع المتغيرات السياسية في المنطقة


20/10/2024

وسط العديد من التوترات الإقليمية والدولية، تقف جماعة الإخوان مترصدة لمحاولة إعادة نفسها إلى المشهد السياسي في الدول العربية من خلال توظيف الأحداث، في مقدمتها حرب غزة الممتدة منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. في هذا الحوار نتناول مع الكاتب والباحث المتخصص في الإسلام السياسي والإرهاب (درويش خليفة) العديد من القضايا المحورية المرتبطة بنشأة وتطور جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي، وتأثير الإسلام السياسي على المجتمعات العربية.

الكاتب والباحث المتخصص في الإسلام السياسي والإرهاب: (درويش خليفة)

 

ويرى خليفة أنّ تأثير هذه الجماعات كان محدوداً في المدن الكبرى والمناطق المتقدمة، فيما نجحت أكثر في استقطاب الأتباع في المناطق الريفية والأقل نمواً. ويبرز الحوار أيضاً الدور الذي لعبته هذه الجماعات في استغلال أحداث تاريخية كبرى، مثل الحرب العربية ـ الإسرائيلية عام 1948، وثورات الربيع العربي، لتعزيز نفوذها السياسي وتوسيع قاعدتها الشعبية.

من جانب آخر، يعرض خليفة تقييمه لفشل جماعات الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمين، في تحقيق مشروعها السياسي والاجتماعي، ويرى أنّ الجماعة لم تستطع التكيف مع المتغيرات السياسية في المنطقة، وأنّها تأثرت بتنامي الحركات المتطرفة مثل تنظيمي (القاعدة وداعش)، ممّا أضعف صورتها في الأوساط الدولية.

درويش خليفة كاتب وباحث متخصص في قضايا الإسلام السياسي والإرهاب، وله العديد من الدراسات حول تأثير هذه الجماعات على المشهد السياسي في العالم العربي.

 

  • بداية، كيف تصف نشأة وتطور جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي؟ وما الإيديولوجيات التي تقوم عليها هذه الجماعات؟

ـ تُظهر نشأة وتطور جماعات الإسلام السياسي في عالمنا العربي أنّ الدين جزء أساسي من تشكيل الهوية الذاتية وفلسفة الشعور بالانتماء، كما أنّ الصراعات التي تقع في المنطقة التي يشكل المسلمون النسبة الكبيرة منها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ساهمت في تعزيز هذا الشعور بين شباب الأمة، فالشحن العاطفي والديني بمواجهة الخصوم أمر غاية في الأهمية لتحفيز الشبان المندفعين نحو الدفاع عن دينهم وعرضهم بفتاوى من علماء ومشايخ تربطهم علاقات ومصالح مع العسكر والساسة الذين يرون أنّ الدين أداة ناجعة للوصول إلى مآربهم الذاتية والحزبية. 

وإلّا، ما المبرر لإسقاط الملكية في مصر، بتحالف العسكر والإخوان عام 1952؟ الأمر الذي نقل مصر من ملكية إلى جمهورية (علمانية). وبالطبع هي ضربة للإسلاميين وسذاجة غير مسبوقة، وعندما يكون المثال عن مصر، فهذا لا يعفي الإسلاميين في الدول العربية الأخرى من السير بركب الإيديولوجية (الإسلاموسياسية)، لكنّ مصر تشكل رأس العربة العربية ومنها تأخذ العبر والتجارب.

  • كيف أثرت الأحداث التاريخية الكبيرة، مثل الربيع العربي، على صعود ونفوذ جماعات الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمين؟

ـ في الحقيقة تأثير الإسلام السياسي على المجتمعات العربية لم يكن كبيراً، وخاصة في المدن الحضارية الكبيرة التي تشكل الخزان البشري للدول العربية، مثل: القاهرة، الإسكندرية، دمشق، حلب، بيروت، تونس، الرباط، الدار البيضاء، بغداد، الموصل... إلخ. بالمقابل لا يمكن إغفال صعود الاشتراكية بعد منتصف القرن العشرين في مصر وسوريا والعراق، كنهجٍ غربي يقوم على العدالة الاجتماعية والمساواة، وهذه المصطلحات كانت مغرية للشباب العربي وخاصة المثقفين منهم وقتذاك؛ ممّا أدى إلى سير العديد منهم برفقة العسكر في طريق الماركسية الذي يتعارض مع الدول الدينية شكلاً ومضموناً.

وفي ضوء ذلك، كانت الفرصة المتبقية أمام جماعات الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمين، التوجه نحو المدن الأقل تنمية وتعليماً، والمناطق الريفية، لاستقطاب شبانها وضمّهم إلى صفوفها ليكونوا عماد الجهاد، بغطاء ديني، ضد كل من يقوض مشروعهم السياسي. 

ولطالما استغلت الجماعات الإسلامية الأحداث التاريخية الكبيرة في العالم العربي لتثبت وجودها على الخارطة السياسية، وذلك منذ عام 1948 لحظة الحرب الأولى العربية ـ الإسرائيلية، في أعقاب انتهاء الانتداب البريطاني وتوريثه دولة يهودية على أرض فلسطين التاريخية.

الأمر الذي سهّل على الجماعات الإسلامية من تحشيد (قوات المتطوعين) وخاصة من السودان وليبيا ضد وجود دولة يهودية بين دول ذات غالبية مسلمة، والكثير منها كانت بالكاد خارجة من حدود آخر دولة إسلامية تاريخياً وهي (الدولة العثمانية)، أي ما زالت فكرة الخلافة الإسلامية حاضرة في ذاكرتهم.

أمّا في الحدث التاريخي الأخير الذي عصف بالمنطقة العربية، وهو ثورات الربيع العربي قبل نحو عقد، فقد ركب الإخوان المسلمون موجته رافعين شعار "الإسلام هو الحل"، وصادروا حراك الشباب العربي الطامح لإيجاد دور له في الدولة العصرية الديمقراطية، بعيداً عن الإيديولوجية الشيوعية التي انتهجتها معظم الجمهوريات العربية، وبالفعل كان للإخوان ما أرادوا لفترة من الزمن في مصر وتونس وليبيا والسيطرة على جزء من اليمن وقيادة المعارضة السورية. ولكن اليوم، وبعد (14) عاماً، تتضح الصورة أنّ شعوب المنطقة العربية تبحث عن التنمية والسلام، وليس عن الشعارات والإيديولوجيا التي أوصلتهم إلى بؤس وضنك عيش غير مسبوق، بعد التجربة الاشتراكية ثم الدينية. فالتجربة الدينية المذهبية في إيران لا تشجع على السير في الطريق الموازي "المذهبية السنّية".

  • إلى أيّ مدى نجحت أو فشلت جماعة الإخوان في تحقيق مشروعها السياسي والاجتماعي؟ وما أبرز أسباب هذا النجاح أو الفشل؟

ـ ربما أكثر ما أثار الجدل، داخل جماعة الإخوان وفي الأوساط العربية والإسلامية على مستوى الأحزاب والمنظمات، هو تحول التنظيم من جماعة دعوية إلى تيار سياسي جارف، يسعى للحكم وصبغ المجتمعات وفق رؤيته، وأهدافه العامة والفرعية، ومن هنا يمكن قياس نجاح أو فشل مشروع الإخوان المسلمين في أنّ الجماعة لم تستطع إقناع العالم العربي بمشروعها الذي أربكته التنظيمات المتطرفة، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

فالعالم نظر إلى أيّ تحرك إيديولوجي إسلامي على أنّه استمرار لحالة الطائفية التي عصفت بالمنطقة بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003، واستعرت نيرانها عقب الربيع العربي بتدخل قوى مذهبية شيعية في سوريا واليمن ومشاركة حزب الله اللبناني المدعوم إيرانياً إلى جانب النظام السوري؛ الأمر الذي فتح أبواباً عديدة لمجابهته بقوى وتنظيمات سنّية، تتبع بشكل تنظيمي أو فكري الإخوان المسلمين.

ولا شك أنّ الجماعة استفادت من المذهبية، لتكون الحامل الرئيسي السنّي لمواجهة المشروع التوسعي الإيراني عبر أذرع الحرس الثوري الشيعية في دول عربية عدة، وتسييس كل أشكال المواجهة أو التقرب من طهران على حساب دولها الوطنية، وهو ما لمسناه من النخب الإخوانية العربية والإسلامية في أعقاب عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر) التي تبنتها حركة حماس الإخوانية الفلسطينية في محيط غزة. بينما رفض التنظيم السوري تبنّي أيّ وجهة نظر داعمة للمشروع الإيراني أو دعمه في مواجهة إسرائيل، ولا سيّما في جنوب لبنان معقل حزب الله.

  • كيف ترى وضع جماعة الإخوان المسلمين حالياً في العالم العربي، خاصة في ظل التضييقات التي يتعرّض لها التنظيم مؤخراً؟ 

ـ ممّا لا شك فيه أنّ الإخوان المسلمين في مصر وتونس تعرّضوا لضربة موجعة بسقوط حكمهم هناك، وتراجع تأثيرهم في اليمن وسوريا وخسارة حزب التنمية والعدالة الانتخابات البرلمانية في أيلول (سبتمبر) عام 2021 في المغرب، ويبقى التحدي الأكبر بالنسبة إلى الإخوان المسلمين، وخاصة المصريين منهم، هو عودة العلاقات التركية-المصرية التي تأثرت بعد سقوط حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقة مع السعودية والإمارات.

  • وهل نتوقع مزيداً من الإجراءات التركية ضد الجماعة في ضوء التقارب بين مصر وأنقرة؟ 

ـ حتى اللحظة يبدو أنّ ملف الجماعة المصريين في تركيا مُعلّق، ولم تُسلّم أنقرة أيّ عضو منهم إلى القاهرة، وهو ما لا أعتقده في المنظور القريب والمتوسط، وخاصة بالنسبة إلى قادة التنظيم الذين يحمل البعض منهم الجنسية التركية وجنسيات دول أخرى، في حين شددت تركيا الخناق على البارزين من جماعة الإخوان الذين كانوا يصولون ويجولون على الفضائيات التي تمّ إنشاؤها في تركيا قبل أن يغادروها، وقنوات ووسائل إعلامية أخرى تبث من بريطانيا.

  • كيف يتعاطى التنظيم الدولي للجماعة مع هذه التضييقات؟ 

ـ نتيجة لتلك العوامل التي ذكرتها تنتهج جماعات الإخوان اللامركزية في اتخاذ القرارات، فالتنظيم العالمي لا يلزم التنظيمات القطرية في كل قراراته، بل يترك لها حرية التوجه والآليات في التعاطي مع المتغيرات السياسية في المنطقة، باستثناء القضية الفلسطينية فهي شديدة المركزية بالنسبة إليهم، ما عدا العمليات الجهادية، فقد تتم بسرّية تامة من قبل القوى المحلية، كما فعلت حركة حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2023، حيث إنّ قيادات عليا في التنظيم العالمي لم يكونوا على دراية بها، لكنّهم كانوا يتابعون مناورات الركن الشديد التي بدأت قبل عامين من عملية "طوفان الأقصى".

وللإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى تجارب سابقة مع الغرب في استخدامهم ضد خصوم الولايات المتحدة، الأمر الذي رأيناه في أفغانستان بدعم حركة طالبان ضد الاتحاد السوفياتي إبّان الحرب الباردة. وعندما يتعلق الموضوع بالأمن القومي للدول الكبرى النافذة، تصبح الجريمة وأدواتها مبررة.

وفي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي استقبلت الولايات المتحدة وبريطانيا العديد من قيادات التنظيم العالمي، وأبقت على أبنائهم في عواصمها ومدنها، وفيما بعد حصلوا على جنسيات هذه البلدان، وصار لهم دور في توجيه المسلمين هناك وتجميعهم ضمن لوبيات وجماعات ضغط للاستفادة من أصواتهم الانتخابية. بالمقابل كانت حكومات هذه الدول تصنف القوى الإسلامية المتشددة على قوائم الإرهاب وتحاربها. أي أنّ الإخوان لم يستطيعوا تقديم نموذج إسلامي معتدل يغيّر الصورة لدى المجتمعات الغربية، وخاصة بعد ظهور تنظيم (داعش) في العقد الماضي. كما أنّ بعض الأحزاب اليمينية في الغرب ترجع نشأة القوى المتطرفة إلى انتهاجها فكر الإخوان.

  • في رأيك، ما مستقبل جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، في المنطقة؟ وهل يمكن أن نشهد ظهور جماعات جديدة تحمل أفكاراً مشابهة؟

ـ أعتقد أنّ مستقبل الإخوان سيكون مغايراً للحقبة الماضية، وستعتمد الجماعة على أدوات جديدة في إنتاج خطابها السياسي وتسويقه من خلال استخدام أدوات التكنولوجيا العصرية، بما فيها الذكاء الاصطناعي، واستقطاب الشبان المهتمين بهذا الأمر. وبالتالي الاستفادة من الأدوات التي تمكنها من استمرار مشروعها وبتكاليف أقل من تلك السابقة "القوة العسكرية الخشنة". ولنكن أكثر وضوحاً، كلّما طال الاستبداد في عالمنا العربي، فسوف نرى قوى تواجهه سواء بأفكار دينية أو بأفكار عنفية، لذا فإنّ الأحزاب الليبرالية الوطنية مطالبة بتقديم برامج سياسية عصرية تتلاءم ومتطلبات الحقبة الزمنية التي تدعو إلى الحريات والتنمية والانفتاح ومشاركة الشباب في الشأن العام؛ وإلّا فإنّ الجماعات الإسلامية المتشددة ستستغل الفرصة وتزرع أفكاراً جديدة تحاكي غضب الشعوب العربية والإسلامية، كما حصل في بنغلاديش مؤخراً ودخول البلاد في حالة اضطراب سياسي غير محمود.

وبناء على ما سبق، أجد أنّ الحكومات معنية أيضاً بوضع مناهج تعليمية تنبذ العنف والداعين إليه، والمساهمة في كتابة التاريخ الحديث بعيداً عن العصبية المذهبية التي أججها النظام الإيراني وتبعته التنظيمات السنّية، في ادعاء منه أنّه يحارب الإمبريالية العالمية، ممّا أدى إلى ظهور قويّ لتنظيمات عابرة للحدود دفعت الدول العربية جزءاً كبيراً من فاتورتها.

وونوّه إلى أنّ ما يجري في المنطقة بعد حرب غزة وجنوب لبنان ستكون له تداعيات جديدة على القوى الإسلامية الطائفية، والتي يمكن أن تؤدي إلى إنتاج شكل جديد من النزاعات بالتخلي عن الوكلاء واستهداف داعميهم بشكل مباشر، وهو ما تقوم به إسرائيل تجاه النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة العربية.

وفي الختام، فإنّ الإعلام العربي مطالب بإظهار قادة فكر ورأي يحملون أفكاراً عصرية تنويرية، همّها المواطن ومصالحه، وليس تأجيج الصراعات والنزاعات البينية والإقليمية، والابتعاد عن برامج التيارات المعاكسة التي تحضّ على العنف والطائفية، وإلباس الشباب العربي، والمسلمين منهم على وجه الخصوص، لبوس الإرهاب الذي لا يشبهه على مرّ التاريخ.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية