الانشقاقات في جماعة الإخوان المسلمين: بين المبادئ والسياسة

الانشقاقات في جماعة الإخوان المسلمين: بين المبادئ والسياسة

الانشقاقات في جماعة الإخوان المسلمين: بين المبادئ والسياسة


04/05/2025

منذ تأسيسها في عام 1928 على يد حسن البنا، مرت جماعة الإخوان المسلمين بتحولات كبرى، سواء على المستوى الفكري أو التنظيمي. وبينما كانت الجماعة تسعى إلى تقديم نفسها كحركة إسلامية شاملة قادرة على تحقيق التغيير المجتمعي والسياسي، واجهت موجات متعددة من الانشقاقات التي كشفت عن تناقضات داخلية كبيرة. هذه الانشقاقات لم تقتصر على مصر فقط، بل امتدت إلى فروع الجماعة في مختلف الدول العربية، وكان لها تأثيرات عميقة على مسار التنظيم وأيديولوجيته.

شهدت الجماعة عبر تاريخها انشقاقات لشخصيات بارزة ساهمت بشكل كبير في بناء فكرها أو قيادتها.

من بين هذه الشخصيات:

- *أحمد السكري*: أحد مؤسسي الجماعة، انشق في الأربعينيات بعد خلافات مع حسن البنا حول انخراط الجماعة في العمل السياسي.
- *عبد المنعم أبو الفتوح*: عضو مكتب الإرشاد سابقًا، انشق بعد الثورة المصرية عام 2011 بسبب خلافات حول مسار الجماعة السياسي.
- *محمد حبيب*: نائب المرشد العام السابق، انشق في 2010 بسبب اعتراضه على قرارات قيادة الجماعة وطريقة إدارة التنظيم.
- *كمال الهلباوي*: المتحدث باسم الجماعة في أوروبا سابقًا، انشق في 2011 بعد انتقاده لسياسات الجماعة في مرحلة ما بعد الثورة.
- *سعيد رمضان*: صهر حسن البنا، الذي أسس حركة "الفتح الإسلامي" في أوروبا بعيدًا عن الجماعة.
- *يوسف القرضاوي*: رغم عدم انشقاقه رسميًا، فإن فتاواه وآراؤه حول العنف والجهاد تباينت مع مواقف الجماعة.

يمكن تقسيم أسباب الانشقاقات داخل جماعة الإخوان المسلمين إلى فئتين رئيسيتين:

- الصراع على السلطة

- التناقضات الأيديولوجية"

تاريخ الجماعة حافل بالصراعات الداخلية حول القيادة وطرق اتخاذ القرار. الكثير من الشخصيات التي انشقت عن الجماعة، مثل *محمد حبيب* و*عبد المنعم أبو الفتوح*، عبروا عن استيائهم من احتكار القيادة للسلطة وعدم وجود نظام شوري حقيقي داخل التنظيم. الانتقادات كانت موجهة إلى المرشد العام والمكتب التنفيذي، حيث تم توجيه اتهامات بعدم شفافية اتخاذ القرارات الرئيسية، بما في ذلك اختيار المرشد، وتعامل الجماعة مع الحكومات المتعاقبة.
كان التوتر بين الدعوة والعمل السياسي من أبرز التناقضات التي أدت إلى انشقاقات في صفوف الجماعة. *أحمد السكري*، على سبيل المثال، انشق في الأربعينيات بسبب اعتراضه على تحول الجماعة نحو العمل السياسي المباشر. هذا التناقض بين الدعوة إلى الإصلاح الديني والمشاركة السياسية الفعالة ظل أحد نقاط الخلاف الرئيسية داخل الجماعة.

*عبد المنعم أبو الفتوح* و*كمال الهلباوي* انشقا بعد الثورة المصرية، حيث اعترضوا على تصاعد نبرة الهيمنة السياسية داخل الجماعة، خاصة بعد نجاحها في الحصول على السلطة عبر الانتخابات. هذه الشخصيات كانت تميل إلى تبني رؤية أكثر انفتاحًا وتقديرًا للديمقراطية والتعددية السياسية، وهو ما رفضته القيادة التقليدية للجماعة التي فضلت التمسك بالخط الأيديولوجي الإسلامي الصارم.

تاريخ الجماعة في التعامل مع الانشقاقات يعكس طبيعتها التنظيمية المغلقة. في الغالب، كانت الجماعة تلجأ إلى *تجريد المنشقين من مناصبهم، واتهامهم بالخروج عن المبادئ الأساسية للجماعة. على سبيل المثال، بعد انشقاق **أحمد السكري*، تمت إدانته علنًا ووصفه بأنه انحرف عن المسار الصحيح للجماعة. هذه المعاملة كانت تهدف إلى الحفاظ على وحدة التنظيم، لكنها في الوقت نفسه كانت سببًا في تعميق الانقسامات الداخلية.

من ناحية أخرى، لم تسع الجماعة في معظم الأحيان إلى فتح حوار حقيقي مع المنشقين أو معالجة الأسباب التي دفعتهم للخروج. بدلاً من ذلك، كانت تعتمد على استراتيجية التهميش، كما حدث مع *عبد المنعم أبو الفتوح* بعد ترشحه في الانتخابات الرئاسية عام 2012. الجماعة رفضت دعواته للتجديد الداخلي واعتبرته خائنًا لقيم التنظيم، مما أدى إلى توسيع الفجوة بين القيادة والمعارضة الداخلية.

رغم أن جماعة الإخوان المسلمين نجت من العديد من الانشقاقات، إلا أن هذه الانقسامات كان لها *تأثير طويل الأمد* على التنظيم، سواء في مصر أو في العالم العربي.

انشقاق الشخصيات الكبيرة مثل عبدالمنعم أبو الفتوح وكمال الهلباوي وأبو العلا ماضي ومحمد حبيب والكثيرين غيرهم أدى إلى تآكل الثقة داخل التنظيم وبين القواعد الشعبية. الجماهير التي كانت تدعم الإخوان باعتبارهم حاملي راية الإسلام السياسي بدأت تشكك في قدرة الجماعة على تقديم رؤية موحدة. في الانتخابات البرلمانية لعام 2015 في مصر، شهدت الجماعة تراجعًا ملحوظًا في شعبيتها مقارنة بالسنوات السابقة.
الانشقاقات لم تقتصر على مصر، بل امتدت إلى الفروع الأخرى للجماعة في الدول العربية. على سبيل المثال، شهدت الأردن وسوريا والسودان انشقاقات مشابهة، حيث انشق بعض القيادات البارزة في الجماعة بسبب خلافات حول كيفية التعامل مع الأنظمة المحلية. هذا أدى إلى تراجع نفوذ الجماعة الدولي وتفتيت قدرتها على التأثير في المشهد السياسي في تلك الدول.
أحد أبرز التحديات التي واجهتها جماعة الإخوان المسلمين هو عدم قدرتها على التجديد الداخلي. الجماعة بقيت متمسكة بالخطوط الأيديولوجية التي وضعت في العشرينيات والثلاثينيات، دون محاولة تحديثها لتناسب التغيرات السياسية والاجتماعية في العالم العربي. هذه الجمود كان أحد الأسباب الرئيسية للانشقاقات، حيث شعر العديد من القادة أنهم غير قادرين على التأثير في مسار الجماعة، مما دفعهم للخروج والبحث عن مساحات جديدة للعمل السياسي.

منذ تأسيسها، واجهت جماعة الإخوان المسلمين تحديات داخلية وخارجية لا حصر لها، لكن الانشقاقات كانت دائمًا من أصعب هذه التحديات. تعكس الانشقاقات طبيعة التوترات الداخلية التي تعاني منها الجماعة بين أيديولوجيتها الإسلامية التقليدية ومتطلبات السياسة الحديثة. ورغم أن الجماعة استطاعت البقاء، إلا أن استمرار الانشقاقات وتراجع الشعبية يشير إلى الحاجة الملحة للتجديد الداخلي.

على المدى الطويل، يمكن لهذه الانشقاقات أن تكون فرصة للإخوان لإعادة التفكير في هيكلهم التنظيمي واستراتيجياتهم. إن لم يتم التعامل مع هذه الانقسامات بشكل جذري، فإن الجماعة قد تجد نفسها في موقف أضعف مع مرور الوقت، حيث تصبح غير قادرة على مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية في العالم العربي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية