ما هي الاتجاهات الرئيسية للهجمات الداعشية في القارة الأفريقية؟

ما هي الاتجاهات الرئيسية للهجمات الداعشية في القارة الأفريقية؟

ما هي الاتجاهات الرئيسية للهجمات الداعشية في القارة الأفريقية؟


27/08/2024

نظرًا لتوافر كل مقومات البقاء المطلوبة لتمدده وانتشاره على نطاق واسع، مثل الهشاشة الأمنية وانتشار الصراعات القبيلة والعرقية والطائفة، وانتشار الفقر والجهل، التي تمثل فرصة جيدة للاستقطاب والتجنيد، أصبحت القارة الإفريقية المعقل الرئيسي لتنظيم “داعش”، بحسب العديد من التقارير الدولية والإقليمية المختصة بالإرهاب.

أسهم  الفراغ الأمني الناجم عن تقليص الوجود العسكري الغربي في تصاعد هجمات” داعش “في بعض المناطق، على غرار منطقة الساحل الأفريقي، التي شهدت تزايدًا ملحوظًا في الهجمات، حيث إن خروج الجنود الفرنسيين وإغلاق مهمة حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة في مالي، أوجدا بيئة مناسبة لتنظيم “داعش”، لتأكيد هيمنته في منطقة الساحل.

هذا وأشارت دراسة حديثة لمركز "تريندز" للبحوث والدراسات بعنوان "الاتجاهات الرئيسية للهجمات الداعشية في القارة الإفريقية"، إلى أن تنظيم “داعش” وجد مبكرًا موطئ قدم له في القارة الأفريقية، ليس فقط لأسباب تتصل بالحالة الأمنية، وتعدد مناطق التوتر، وإنما أيضا لسهولة بناء علاقات وثيقة مع زعماء المجتمعات المحلية المنشقة عن الدولة الوطنية وإغرائهم بالتشاركية في الاقتصاد الموازي والإتاوات في ظل  فشلها مع عدد من الأقليات على التخوم والأطراف وفي المناطق الوعرة.

أسباب تصاعد هجمات “داعش”  في أفريقيا

أشارت الدراسة إلى وجود مجموعة من العوامل والأسباب التي أسهمت في تصاعد هجمات تنظيم “داعش” في إفريقيا واستحواذها على النصيب الأكبر من هجماته حول العالم، منها ما يتعلق بالأوضاع في القارة الإفريقية، ومنها ما يتعلق بالتنظيم نفسه. 

من أهم هذه الأسباب "تواضع القدرات الأمنية للدول"، وهو ما ساعد تنظيم “داعش” على تكثيف هجماته في القارة الأفريقية، دون غيرها من المناطق الأخرى حول العالم، خصوصا أن دولها تتسم بالضعف وتواضع الإمكانيات، حيث يقل حجم بعض الجيوش في بعض دول القارة عن خمسين ألف جندي.

كما أن معظم الجيوش في المناطق التي تنشط بها المجموعات الداعشية تفتقر إلى التدريب الجيد والمهارات اللازمة للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب، وهي مهارات يصعب اكتسابها في فترة وجيزة، وتتطلب الكثير من المال والخبرات. كما تفتقر هذه الجيوش إلى القدرات اللوجستية اللازمة للقيام بحملات مكافحة الإرهاب الفاعلة، التي تحتاج إلى مهارة خاصة، وذلك لخوضها أحد أخطر أنواع المواجهات، وهي حرب العصابات التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية بشكل عام، وتنظيم “داعش” بشكل خاص.

هذا وتكشف هجمات الدواعش المختلفة في أفريقيا عن قدرة عناصر التنظيم على التنقل بين حدود بعض الدول لشن الهجمات ثم العودة إلى أوكارها الرئيسية مرة أخرى.

 

معظم الجيوش في المناطق التي تنشط بها المجموعات الداعشية تفتقر إلى التدريب الجيد والمهارات اللازمة للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب

 

إلى ذلك، تعد القارة الأفريقية تربة خصبة بالنسبة لتنظيم “داعش” فيما يتعلق بعملية الاستقطاب والتجنيد، ليس فقط بسبب انتشار الجهل والفقر وانتشار البطالة، التي تعد عوامل مؤثرة في عمليات التجنيد، وإنما أيضًا بسبب جاذبية الفكر الداعشي بالنسبة للمتطرفين؛ لقيامه على الفكرة الأكثر جاذبية لدى أي متطرف حول العالم.

ومن العوامل المهمة التي تساعد “داعش” على توسيع هجماته، بصورة لافتة في القارة الإفريقية، توافر مصادر التمويل التي تمكن التنظيم من الإنفاق على هجماته بشكل جيد وتوفير كل ما تحتاج إليه من عتاد وسلاح، وذلك بالنظر لنجاح التنظيم في توفير مصادر تمويل متنوعة، مثل السرقة والنهب وفرض الإتاوات والضرائب في مناطق نفوذه.

الاتجاهات العامة للهجمات الداعشية

تؤكد الدراسة أن الهجمات الإرهابية لتنظيم “داعش” داخل القارة الأفريقية تتسم بعدد من السمات العامة، تميزها عن غيرها من الهجمات الإرهابية الأخرى التي تشنها التنظيمات المتنافسة معها، على غرار جماعة نصرة الإسلام والمسلمين-ذراع تنظيم القاعدة في الساحل الأفريقي- وحركة شباب المجاهدين الصومالية، أو حتى جماعة بوكو حرام النيجيرية، العدو اللدود لـ”داعش” في منطقة غرب أفريقيا.  

ومن أبرز تلك السمات؛ الشراسة والدموية الشديدة، إذ تكشف العديد من الإصدارات الإعلامية لتنظيم ”داعش” عن مدى الوحشية والدموية الشديدة اللتين تتسم بهما هجمات التنظيم، بداية من عمليات القتل التقليدية بالأسلحة النارية، مرورًا بعمليات الإعدام الفردية، وانتهاءً بعمليات الحرق وقطع الرؤوس، حتى أصبحت الدموية والشراسة عنوانًا للعمليات الإرهابية لـ”داعش”.

وكثيرًا ما يعتمد تنظيم” داعش” على الهجمات السريعة والخاطفة، خاصة في المواجهات مع القوات الحكومية، لا سيما  عند استهدافه النقاط الأمنية العسكرية، حيث تعتمد المجموعات الداعشية في هجماتها على خفة الحركة من خلال التحرك على شكل مجموعات صغيرة، تتسلح بأسلحة خفيفة، مثل البنادق الكلاشينكوف والقليل من القذائف الصاروخية وبعض الأنواع من القنابل.

وهذا يفسر تفضيل عناصر “داعش” استعمال لدرّاجات البخارية في الحركة والتنقل؛ ما يمنحهم خفة الحركة والتنقل، ويجعلهم قادرين على تنفيذ عملياتهم الداخلية والخارجية والعودة سريعًا إلى معاقلهم بسرعة كبيرة، خاصة أنهم يجيدون التنقل بين المستنقعات في المناطق الوعرة بمهارة عالية، مقارنة برجال الجيوش النظامية في تلك المناطق.

من السمات المهمة لهجمات” داعش” في القارة الأفريقية أيضا، التوسع المفرط في استهداف المدنيين، خاصة المسيحيين، فيما يبدو أنها محاولة من التنظيم لتكريس مسألة الطائفية في المناطق التي ينشط بها؛ لأنها تمثل أداة فاعلة في عمليات الجذب والتجنيد، حيث يركز التنظيم بشكل لافت على استهداف الكنائس والمدن التي يسكنها المسيحيون بهدف تحقيق دعاية أكثر انتشارًا وتجنيد عناصر جديدة من خلال الاعتماد على الطائفية.

 

تكشف هجمات الدواعش المختلفة في أفريقيا عن قدرة عناصر التنظيم على التنقل بين حدود بعض الدول لشن الهجمات ثم العودة إلى أوكارها الرئيسية مرة أخرى

 

الهجمات الإرهابية الداعشية في القارة الأفريقية تتميز، أيضا، بأنها تضع أولوية الاستهداف للتنظيمات المنافسة لها في مناطق نفوذها، بمعنى أن استهداف عناصر “القاعدة “أو “بوكو حرام “في المناطق التي ينشط فيها عناصر “داعش” تكون له الأولوية على استهداف القوات الحكومية أو غير المسلمين، الأمر الذي يطلق عليه بعض المراقبين “التنافس الجهادي”.

ويعتقد كل تنظيم من التنظيمات الإرهابية أن التنظيم المنافس له يمثل خطورة بالغة على مستقبله، نظرًا لأن بإمكانه أن يسحب البساط من تحت أقدامه، وذلك لاستخدامه خطابًا مشابهًا له، ورفعه الشعارات نفسها التي يرفعها، مثل تطبيق الشريعة وإعادة الخلافة وما شابه ذلك.

وقد خلصت الدراسة إلى أن القارة الأفريقية أصبحت المعقل الرئيسي لتنظيم “داعش” حول العالم، وذلك بالنظر لتعدد مجموعاته بها وسيطرته فيها على عدد من المناطق، فضلًا عن انتشاره في أماكن أخرى كثيرة، وهو ما جعل التنظيم يتوسع في شن الهجمات الإرهابية في مناطق عدة من إفريقيا، يتسم معظمها بالدموية الشديدة والقسوة المفرطة، على الرغم من كثافتها اللافتة، سواء ضد المدنيين أو العسكريين. 

بالإضافة إلى ذلك، ركزت هجمات “داعش” بشكل لافت على المسيحيين، خاصة في منطقة وسط أفريقيا، وذلك لتكريس حالة من الطائفية التي يقتات عليها التنظيم، وتمثل رافدًا مهمًا بالنسبة له في الجذب والتجنيد، في الوقت الذي تحقق فيه حملات مكافحة الإرهاب ضد التنظيم نتائجها المرجوة  في القضاء عليه أو– على الأقل- تحجيم أو تقويض تهديداته. 

يعني ذلك استمرار هجمات التنظيمات بالسمات الدموية نفسها التي تتسم بها في الأمد القريب، وهو ما يتطلب تكاتف الجهود الدولية لتعزيز حملات مكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية