
على رغم القضاء على خلافته في سوريا والعراق وليبيا ودول أخرى، فإنّ قدرة تنظيم (داعش) على شن هجمات دموية لم تنتهِ، وآخر هذه الهجمات كانت في جمهورية الكونغو الديمقراطية في 10 آب (أغسطس) الجاري، والتي قضى فيها نحو (18) شخصاً، وأصيب (14) آخرون.
وكرّس التنظيم بهذا الهجوم حضوره كقوة إرهابية مُرعبة تتوسع بلا رادع في الإقليم، انطلاقاً من الكونغو وموزمبيق وتنزانيا، فضلاً عن خططه بشأن التوسع في أوغندا.
ووفق صحيفة (العرب) اللندنية، فإنّ فرع تنظيم داعش في الكونغو الديمقراطية يريد تثبيت نفسه كمركز انطلاق وتمدد باتجاه دول عديدة في الإقليم؛ لتأسيس خلافة مصغرة على هيئة هلال داعشي في منطقة استراتيجية غنية بالثروات عبر انتهاج ذروة الوحشية بحق المدنيين والمختلفين في العقيدة، وتنفيذ عمليات تُظهر ضعف الدولة وأجهزتها الأمنية وعجزها عن التصدي له، ممّا جعله إلى الآن أخطر فروع داعش في أفريقيا إلى جانب فرعه في غرب القارة.
قدرة (داعش) على شن هجمات دموية لم تنتهِ، وآخر هذه الهجمات كانت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقضى فيها نحو (18) شخصاً، وأصيب (14) آخرون.
وتُعدّ الكونغو الديمقراطية فعليّاً هي الثقل التنظيمي والحركي والدعائي لتنظيم داعش في وسط أفريقيا، ومنها ينطلق عبر المناطق الحدودية الرخوة للتمدد بشكل أكثر كثافة في موزمبيق مروراً بتنزانيا وانتهاءً بأوغندا، مشكلاً خطوطاً واضحة لخريطة هلاله المأمول، معتمداً على وجود مواطنين من غالبية هذه الدول داخل هيكله التنظيمي.
ولم تقتصر هجمات فرع تنظيم داعش في الكونغو "القوات الديمقراطية المتحالفة" على المدنيين خاصة المسيحيين، فقد تكرر اقتحام فرع التنظيم لعدد من المنازل والمدارس والسجون خاصة بمنطقة بيني شرقي البلاد محرراً العشرات من عناصره، علاوة على هجمات أخرى نوعية ومعقدة ضد أهداف عسكرية وأمنية في كل من الكونغو وأوغندا.
وينفذ تنظيم داعش الخطط نفسها التي يطبقها في مركز انطلاقه بوسط أفريقيا في الكونغو داخل الدول المستهدفة بالتمدد، مشكّلاً خلافته المصغرة على هيئة هلال داعشي، وهو ما تؤكده طبيعة العمليات ومكانها وتوقيتاتها في كل من تنزانيا وموزمبيق وأوغندا.
فرع تنظيم (داعش) في الكونغو الديمقراطية يريد تثبيت نفسه كمركز انطلاق وتمدد باتجاه دول عديدة لتأسيس خلافة مصغرة على هيئة هلال داعشي في منطقة غنية بالثروات.
وكرر فرع تنظيم داعش في وسط أفريقيا تنفيذ عمليات مماثلة في تنزانيا تستهدف المناطق الغنية بالثروات والمناطق الحدودية، وتمعن في استخدام القسوة ضد المدنيين، وتظهر القوات الحكومية ضعيفة وعاجزة حيال ممارساتها، بالنظر إلى أنّ تنزانيا هي حلقة الوصل جغرافيّاً التي تربط بين شرق الكونغو الديمقراطية وشمال موزمبيق الغني بالغاز.
وقد أشار تقرير لخبراء الأمم المتحدة إلى أنّ تنظيم داعش بموزمبيق ينفذ سياساته نفسها عبر الاستهداف المزدوج للقوات الحكومية والمدنية، والتركيز على مصادر الطاقة، كما جرى عندما سيطر على مدينة بالما بدايات العام 2021، وتبعد كيلومترات قليلة عن مشروع غاز عملاق تديره إحدى الشركات الفرنسية.
ونفذ تنظيم داعش في أوغندا التكتيكات نفسها مستغلاً الهشاشة الحدودية للانتقال وشن هجمات وحشية مماثلة داخل الحدود الأوغندية، وهو ما وضح في تفاصيل هجومه على مدرسة (لوبيريها) الثانوية في مقاطعة مبوندوي في تموز (يوليو) العام الماضي، حين لاحق من لم يقتلن من الفتيات بالمناجل وهن يحاولن الفرار، وأجهز على العشرات منهن.
يستهدف تنظيم (داعش) المناطق الغنية بالثروات والمناطق الحدودية، ويمعن في استخدام القسوة ضد المدنيين، ويظهر أنّ القوات الحكومية ضعيفة وعاجزة.
ويركز تنظيم داعش في وسط أفريقيا على مناطق الثروات الأوغندية، وقد اعتاد عناصره على نهب المحاصيل الزراعية والثروات الحيوانية، كما كرر شن هجمات على إقليم إيتوري الغني بالذهب والنفط الواقع على الحدود مع شرق الكونغو.
ولا يكتفي تنظيم داعش في وسط أفريقيا باستخدام الوحشية المفرطة، ناهيك عن ارتكاب جرائم العنف الجنسي بحق المدنيين والأطفال في سبيل مضاعفة مساحات سيطرته وترسيخ هيمنته وتنفيذ مشروعه التوسعي، إذ يراوح بين الوسائل والأدوات بهدف غسيل السمعة، وحتى لا يتهمه خصومه ومنافسوه بكونه مجرد عصابة إجرامية.
ويزعم تنظيم داعش عبر منافذه الإعلامية، خاصة مجلته الأسبوعية (النبأ)، أنّه هو من يتصدى ممثلاً للمسلمين لما يصفه بالحملات الصليبية في أفريقيا التي تقودها بعض دول المنطقة.
وبجانب الترويج لمقاطع فيديو تصور عمليات الذبح وحرق المنازل والكنائس وحرق القرى التي يقطنها المواطنون المسيحيون وقطع الرؤوس والممارسات البشعة بحق المدنيين والجنود بهدف زرع الرعب في القلوب، يروج تنظيم داعش أنّه الجهة الوحيدة المدافعة عن الإسلام وعن عقيدته النقية، مستخدماً دعاية مزدوجة لإجبار وترغيب أكبر عدد ممكن في مبايعته والانضواء ضمن صفوفه.
تنظيم (داعش) يركز في وسط أفريقيا على مناطق الثروات الأوغندية، وقد اعتاد عناصره على نهب المحاصيل الزراعية والثروات الحيوانية.
ولم تعد ولاية وسط أفريقيا التابعة لتنظيم داعش على ضوء هذه التطورات مجرد فرع محلي صنفته الولايات المتحدة في آذار (مارس) 2021 منظمة إرهابية بقيادة زعيمه سيكا موسى بالوكا، فقد طور نفسه متخذاً من فرعه القوي بالكونغو ركيزة لتمدده بدول الجوار الإقليمي خاصة تنزانيا وموزمبيق وأوغندا.
هذا، وقال المحلل السياسي المالي حسين آغ عيسى: إنّ "إعادة ترتيب صفوف تنظيم (داعش) واعتمادهم على قادة من مناطق معينة، مثل تعيين صومالي على رأس التنظيم، يشير إلى محاولاتهم التكيف مع الأوضاع المتغيرة، واستغلال الفجوات الأمنية في دول الساحل والصحراء التي تعاني هشاشة أمنية ووجود جماعات مسلحة مختلفة، ممّا يجعلها بيئة خصبة لجميع النشاطات الجهادية أو التهريب.
وأوضح عيسى لـ (إندبندنت عربية) أنّ القيادة الجديدة تسعى لتوحيد الفصائل المختلفة تحت راية واحدة، وإمكانية حصول التنظيم على الدعم المحلي من بعض المجتمعات التي قد تشعر بالتهميش أو الظلم".
عيسى: إعادة ترتيب صفوف تنظيم (داعش)، واعتمادهم على قادة أفريقيين، يشير إلى محاولاتهم للتكيف مع الأوضاع المتغيرة واستغلال الفجوات الأمنية في دول الساحل والصحراء.
بدوره، قال الباحث السياسي والمؤرخ الفرنسي رولان لومباردي: إنّ "المخاوف المتعلقة بعودة التنظيم من أفريقيا، وخصوصاً بسبب تعيين صومالي قائداً له، هي مخاوف مشروعة بالفعل وتستحق اهتماماً جدّياً". متابعاً أنّ "هناك سياقاً أفريقياً ملائماً للتوسع الإرهابي نتيجة أسباب عدة؛ أوّلها فشل الدول في مقارباتها الأمنية، والحوكمة المتعثرة نتيجة استشراء الفساد، والنزاعات الداخلية التي تطول، وتوفر نقاط ضعف أخرى تجعل أفريقيا أرضاً خصبة لتوسّع الجماعات المتطرفة".
وبحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية، فإنّ المخاوف من عودة تنظيم داعش إلى المسرح العالمي لا تعبّر عنها مراكز بحث أو دوائر سياسية محددة، بل الأمم المتحدة نفسها التي حذرت في وقت سابق من أنّ التنظيم ما يزال يمثل تهديداً للسلم العالمي، لا سيّما في غرب أفريقيا.
وجاء هجوم الكونغو الذي تبنّاه التنظيم ليوقظ هذه المخاوف، خصوصاً أنّه جاء بعد أشهر قليلة من الهجوم الدموي الذي استهدف (كاركوس سيتي) في العاصمة الروسية موسكو، والذي راح ضحيته (130) شخصاً، وأصيب فيه أكثر من (100) آخرين.