(كفر البتانون)... رحلة سيف العدل من القرية إلى جبال أفغانستان

(كفر البتانون)... رحلة سيف العدل من القرية إلى جبال أفغانستان

(كفر البتانون)... رحلة سيف العدل من القرية إلى جبال أفغانستان


15/08/2024

يعرفه العالم اليوم بخليفة أسامة بن لادن قائداً لتنظيم القاعدة، إلا أنّ بداياته لم تكن تشير من قريب أو بعيد إلى أنّ ذلك الشاب الريفي الهادئ سوف يكون يوماً المطلوب الأول على مستوى العالم، محمد صلاح الدين عبد الحليم زيدان، الشهير باسم سيف العدل.

على شريط قطار دلتا مصر نجد مدخل قرية كفر البتانون من أعمال مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية التي شهدت ميلاد سيف العدل، ورغم أنّ القرية أخرجت أيضاً كمال الهلباوي أحد أقرباء سيف العدل، المتحدث السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين في الغرب، إلا أنّها تظل قرية شديدة البساطة، حتى منزل الهلباوي الذي يستقبلك في مدخل القرية والمكوّن من طابق واحد، لا يختلف عن بيوت أهل القرية، التي ينتصفها شارع على جانبيه منازل بضع عائلات، تستطيع أن ترسمها بعينيك على مدى بضعة آلاف من الأمتار هي كل مساحة القرية.

كفر البتانون كانت سابقاً جزءاً من قرية أكبر بالاسم نفسه "البتانون"، قبل أن تنفصل عنها لاحقاً، والبتانون تمتد بجذورها إلى تاريخ مصر القديمة، أمّا كفر البتانون، فهي من القرى الحديثة المنشأ، وهكذا الوضع في قرى ومدن الدلتا التي شهدت نزوحاً سلفياً إلى أراضيها قبل (100) عام، فأصبحت مصر بين عهدين تحارب من أجل الحفاظ على طبيعتها التي اشتهرت بها دائماً، الأرض التي تجمع ولا تفرق، وتذوب فيها جميع الأديان والثقافات.

وُلد سيف العدل في الستينات من القرن الماضي، وربما لو اختار العمل في مهنة الزراعة لما تعرّف إلى جماعة الإخوان المسلمين التي قادته لاحقاً إلى مصيره الحالي؛ بعد أن قرر اللحاق بركب الدراسة الجامعية، وفي تلك الفترة تحديداً لم تكن محافظة المنوفية بأكملها تضم مقراً أكاديمياً لكلية التجارة، فانتقل سيف العدل إلى مدينة طنطا من أعمال محافظة الغربية للدراسة بجامعتها التي شهدت نفوذاً للإخوان في تلك الفترة، نهايات السبعينات وأوائل الثمانينات. وكان خروج محمد صلاح الدين من قريته الشديدة البساطة إلى مدينة طنطا هو الخروج الأول الذي لحقته رحلات أخرى لم تنتهِ حتى الآن، بدأت بالذهاب إلى المملكة العربية السعودية عام 1987، مروراً بالذهاب إلى أفغانستان ثم اليمن ثم السودان ثم الصومال ثم أفغانستان مرة أخرى، حتى انتهى به المقام طبقاً لتقارير الخارجية الأمريكية في جمهورية إيران الإسلامية.

عام 2017 رصدت مكافأة (5) ملايين دولار لمن يدلي بأيّ معلومات عنه

رحلات جميعها كانت على أسنة رماح السلفية الجهادية، التي درسها في مسجد فجر الإسلام بمدينة شبين الكوم، الذي تأسس قبل عام واحد من سفر سيف العدل إلى أفغانستان، مجرد زاوية أسفل عمارة سكنية أسسها مصري عائد حديثاً من العمل بالمملكة العربية السعودية، وفي تلك الزاوية، التي من الصعب تحديد معالمها إلا بعد الاقتراب منها حتى تراها بشكل واضح كدار عبادة، عرف سيف العدل أفكار السلفية الجهادية على يد عدة مشايخ، أبرزهم الشيخ محمد فؤاد حسن السيد هزاع، الشهير بالشيخ شريف هزاع، أبو أيوب المصري.

البداية

تدرج سيف العدل بين أفكار الإخوان المسلمين الذين عرفهم في أثناء دراسته الجامعية بكلية التجارة بمدينة طنطا، ثم أفكار الدعوة السلفية على يد الشيخ شريف هزاع أحد أعضاء مجموعات الجهاد الأولى التي تأسست على خلفية إعدام سيد قطب عام 1966، ثم لاحقاً مسؤولاً عن مجموعة الجهاد بمدينة المنوفية تابعاً لجماعة الجهاد الكبرى عام 1987، ثم التحاق سيف العدل بفترة تجنيد بالجيش المصري جندياً في سلاح المظلات أعطته خبرات قتالية ستفتح له الباب لاحقاً ليكون قائداً عسكرياً في تنظيم القاعدة ومسؤولاً عن حراسة أسامة بن لادن نفسه.

وعلى الرغم من كل تلك الانتقالات لم ينتمِ سيف العدل تنظيمياً إلى أيٍّ من تلك الجماعات فترة حياته في القاهرة، مكتفياً فقط بالتعرف إلى أفكارها، في فترة هي الأكثر سخونة في المنطقة العربية والعالم، وعلى عكس ما أوردته بعض التقارير البحثية من سجن سيف العدل في مصر عام 1987 على خلفية قضية تنظيم الجهاد، فإنّ سيف العدل لم يُسجن، ولم ينتمِ إلى أيّ تنظيم في مصر قبل سفره إلى أفغانستان.

وُلد سيف العدل في العقد الذي شهد نكسة حزيران (يونيو) وهزيمة مصر والعرب أمام إسرائيل عام 1967، والتحق بالجامعة فترة الحراك الطلابي الأكبر الذي شهدته الجامعات المصرية، والصراع بين طلبة اليسار وطلاب الحركة الإسلامية، مروراً باتفاقية كامب ديفيد التي رفضها المجتمع المصري، وكانت سبيلاً لاغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات على يد أعضاء الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد.

 

لم ينتمِ سيف العدل تنظيمياً إلى أيٍّ من تلك الجماعات فترة حياته في القاهرة، مكتفياً فقط بالتعرف إلى أفكارها. 

 

في تلك الفترة أيضاً شهد العالم الإسلامي ثورة الخميني عام 1979 التي أعطت بريق أمل للجماعات الإسلامية أنّ الوصول إلى منصة الحكم بحروب العصابات والانقلابات بات أمراً ممكناً، خاصة أنّ الفكرة التي يعتمد عليها الجميع واحدة، والتي وجد الطريق إليها آية الله الخميني في كتاب "معالم في الطريق" لمسؤول قسم الدعوة بجماعة الإخوان سيد قطب.

العلاقة بين ثورة الخميني في إيران واستقرار سيف العدل في طهران مؤخراً بينهما أعوام من المواجهة والكر والفر والقتل عاشها سيف العدل، متدرجاً في التنظيم حتى أصبح الرجل الأول، معتمداً على مهاراته الشخصية في المقام الأول، ثم على علاقاته بأبناء قريته البتانون ومدينة شبين الكوم عموماً، وكمال الهلباوي الذي يتصل معه بصلة قرابة، وشريف هزاع (أبو أيوب المصري)، وإبراهيم محمد صالح البناء (أبو أيمن المصري)؛ وبحسب اعترافات شريف هزاع عام 2010، وكان مسجوناً حينها في مصر بعد القبض عليه في قضية (العائدون من ألبانيا) عام 1998، فالبناء كان مسؤولاً عن جهاز استخبارات القاعدة في اليمن، وثلاثتهم سيف وهزاع والبناء من مدينة شبين الكوم.

اللافت أنّ البناء كان المسؤول أيضاً عن تدريب عبد المنعم البدوي الذي أصبح لاحقاً مسؤول القاعدة في العراق. ويقول عنه البناء في اعترافاته بعد القبض عليه من قبل الأمن اليمني عام 2010: "اسمه الأصلي كان عبد المنعم عز الدين علي البدوي، وكنيته الحقيقية أبو الدرداء، وقبل أن يسافر إلى أفغانستان عام 2000 قمت بتزوير جواز سفر له باسم شريف هزاع، وشريف شخصية حقيقية، وهو معتقل حالياً في مصر، وهو أيضاً أبو أيوب المصري الحقيقي، وقد انتحل عبد المنعم اسمه وكنيته أيضاً".

عبد المنعم البدوي (أبو حمزة المهاجر)

اشتهر البناء أو أبو أيمن المصري بقدرته على تزوير الأوراق الرسمية، والقدرة على التخفي أيضاً والتنقل بين الدول بكل سهولة، وما فعله مع شريف هزاع وعبد المنعم البدوي حدث مع سيف العدل أيضاً، وربما كان المزور الشخص نفسه، المسألة التي جعلت لسيف العدل أكثر من (3) أسماء لشخصيات حقيقية، لدرجة أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي ذكر في بيانه عن سيف العدل أنّ الاسم الحقيقي له هو محمد إبراهيم المكاوي العقيد السابق بالصاعقة المصرية، البيانات التي تم تعديلها لاحقاً بعد التأكد من أنّ مكاوي شخص آخر عضو أيضاً بتنظيم القاعدة ومقيم حتى الآن في باكستان.

تتبع أبو أيمن المصري يكشف حجم الشبه بينه وبين سيف العدل، فالاثنان أعلن خبر مقتلهما؛ الأوّل في غارات يمنية عام 2011، والثاني ذكرت عائلته أنّه مات في أثناء رحلته إلى العمرة بالمملكة العربية السعودية، لكن لاحقاً ظهر أنّهما ما يزالان على قيد الحياة، وفي حزيران (يونيو) عام 2017 صنَّفت وزارة الخارجية الأمريكية البناء بشكل خاص كإرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي رقم (13224)، بصيغته المعدلة، ورصدت مكافأة (5) ملايين دولار لمن يدلي بأيّ معلومات عنه، والأمر نفسه تكرر قبل عقدين مع سيف العدل بعد ورود اسمه في التحقيقات على خلفية أحداث 11 أيلول (سبتمبر).

رحلة صعود سيف العدل

تعلم سيف العدل الفكر السلفي من شيخه بمسجد فجر الإسلام (أبو أيوب المصري)، وتعلم القدرة على الاختفاء والتنقل من (أبو أيمن المصري)، واستفاد من جيرته وقرابته بالمتحدث الإعلامي للإخوان في الغرب (كمال الهلباوي)، موظفاً كل ذلك إلى جانب مهاراته العسكرية، ليبدأ رحلة مثيرة حقاً؛ فكان له أصابع ظاهرة في أبرز العمليات التي نفذها تنظيم القاعدة، بداية من تفجيرات نيروبي ودار السلام، مروراً بتفجيرات عدن والسفينة إس إس كول، وصولاً إلى تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر)، والهجوم الأمريكي على أفغانستان.

سافر سيف العدل إلى أفغانستان، وهناك تزوج من ابنة مصطفى حامد، وكنيته أبو الوليد المصري،  المستشار السياسي لأسامة بن لادن، وأنجب منها (4) أبناء، ثم توجه إلى السودان عام 1992 مع مؤسس التنظيم أسامة بن لادن، وهناك كلفه الأخير  بمسؤولية تدريب المقاتلين في قندهار، كما تولى  تنفيذ عمليات للتنظيم في الصومال وأفغانستان.

شغل منصب رئيس اللجنة الأمنية للقاعدة في منتصف التسعينيات، ومنحه أسامة بن لادن عضوية مجلس شورى التنظيم، ثم تولى مسؤولية البنية العسكرية للقاعدة، وأقام معسكرات تدريب في السودان وباكستان وأفغانستان.

 

بعد القصف الأمريكي لأفغانستان في العام 2001 فرّ إلى إيران، وما زال يرجح وجوده فيها حتى هذه اللحظة.  

 

بعد القصف الأمريكي لأفغانستان في العام 2001 فرّ إلى إيران، ومازال يرجح وجوده فيها حتى هذه اللحظة.  

يقول عنه حماه القيادي السابق في تنظيم القاعدة مصطفى حامد، الذي كان أحد المقربين من أسامة بن لادن، والمعروف بمؤرخ القاعدة: إنّ زيدان زوج ابنته، ولقبه الأول كان "المدني"، لكنّه نشر بعض المؤلفات له على موقع مافا السياسي الذي يصدر من إيران، محاولاً تقديم نفسه كمتحدث رسمي باسم حركة طالبان، فأفرد له لقباً آخر هو "عابر سبيل"، وهو اللقب الموجود على غلاف كتاب "الصراع ورياح التغيير"، وهي دورة عسكرية تنظيمية كانت تقام في معسكر "جهاد وال" في أفغانستان قبل الغزو الأمريكي.  

لاحقا تولى "سيف العدل" مسؤولية التدريب وخطط القاعدة التدميرية، ومن أهم الكتب التي وضعها "سيف العدل"، وطالب بتمريرها لقيادات القاعدة، كتاب دورات عسكرية في حرب العصابات والحروب الثورية، وأطلق عليه "الصراع ورياح التغيير"، وتناول فيه الدعوة إلى العنف في دول ما يُسمّى الربيع العربي، عن طريق استراتيجية التكتيك والإنهاك والحسم، وفي تلك الأثناء رفض جميع المساومات التي تقوم بها الأنظمة الكافرة - على حدّ وصفه - تلك التي لم تراعِ فكرة التغيير التحتية عن طريق صندوق الانتخابات، وفي الوقت نفسه اتهم هذه الطريقة بأنّها بعيدة كل البعد عن المنهج الثوري المختار طوال (17) قرناً من الزمان. 

ذكر سيف العدل نفسه في مذكرات منسوبة إليه بعنوان "تجربتي مع أبي مصعب الزرقاوي عن عمله ضابطاً بالجيش المصري: "كنت حينها ضابطاً في القوات الخاصة المصرية برتبة مقدم، وكان معي من القوات الخاصة والحرس الخاص الأخ الرائد محمد البرم، حفظه الله وسدد خطاه". وهي معلومات كاذبة لرجل تخرج في كليّة التجارة، ثم قضى فترة تجنيد مدة عام، قبل أن تنتهي فترة تجنيده، ويسافر لاحقاً إلى أفغانستان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية