بعد أنباء تولي سيف العدل: هل يتغير نهج تنظيم القاعدة؟

بعد أنباء تولي سيف العدل: هل يتغير نهج تنظيم القاعدة؟

بعد أنباء تولي سيف العدل: هل يتغير نهج تنظيم القاعدة؟


12/12/2023

أعلنت الخارجية الأمريكية في شباط (فبراير) 2023 أنّ المصري المقيم في إيران سيف العدل صار زعيماً لتنظيم القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري في تموز (يوليو) 2022. وهو الأمر الذي لم يعلنه التنظيم رسمياً بعد.[1] وفي الوقت الذي ما تزال فيه حركة طالبان منكرة لوجود الظواهري في أفغانستان، نفت طهران كذلك وجود العدل على أراضيها. وسيف العدل هو اسم مستعار، فاسمه الحقيقي محمد صلاح الدين عبد الحليم زيدان، من مواليد عام 1960، وكان ضابطاً في الجيش المصري، وقد ألقي القبض عليه عام 1987 في قضية "إعادة إحياء تنظيم الجهاد"، وأطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة ضده، فسافر إلى السعودية ثم إلى أفغانستان عام 1989.[2]

والسؤال هنا، في حالة تولي سيف العدل قيادة التنظيم، هل هناك آفاق لتحولات تنظيمية أو فكرية قد تؤثر على سلوك التنظيم وتحالفاته وخريطة انتشاره، بالنظر لما يواجهه من تحديات داخلية وضغوط في مختلف بقاع نشاطه؟

أوّلاً: الآثار التنظيمية المحتملة

السمات الشخصية والتاريخ التنظيمي لسيف العدل قد يؤثران على مسلكه التنظيمي، ويبدو أنّه قد يمتلك فرصاً أكبر من سلفه في التأثير على التنظيم بالنظر إلى المعطيات التالية:

1- نهج أكثر استراتيجية

افتقر الظواهري للقدرة على إحداث تغييرات تنظيمية وإيديولوجية جوهرية، ولم يتكيف مع تغيرات المشهد الجهادي.[3]

عانت القاعدة من غياب القائد الكاريزمي، وسادت مقولة إنّ أمير التنظيم ليس ممكّناً وليس له قدسية، ووصف بالأمير المسردب، حيث اتهم الظواهري بالغياب وفقدان السيطرة[4]، فضعف تأثيره، وسخر منه الشباب الجهاديون، واتهموه بالحديث عن الجهاد في الوقت الذي ينفذه (داعش) على الأرض.[5]

أمّا سيف العدل، فهو بلا منافس يضاهيه داخلياً، نظراً لخبرته الطويلة وشخصيته الكاريزمية، فعلى خلاف الظواهري المنظر الإيديولوجي، فإنّ العدل مُنظّر استراتيجي وقائد عملياتي له رؤية استراتيجية.[6]

وباستثناء أسامة بن لادن نفسه، يُعتبر هو القائد الأكثر مركزية في كل الأحداث التكوينية لتنظيم القاعدة، كما لازم بن لادن بإخلاص، وسيكون هذا كافياً لمنحه احترام أعضاء التنظيم، بعكس الظواهري الذي نُظر إليه كدخيل بعد اندماج الجهاد الإسلامي.[7]

2- تعامل ميداني أكثر تقنية وصرامة في الإعداد

لعب العدل دوراً أساسياً في بناء القدرات العملياتية للقاعدة، ولعب دوراً رئيساً في إنشاء البنية التحتية للتنظيم في مختلف حواضنه.[8]

وفضلاً عن كونه قائداً عسكرياً متمرساً، فهو يمتلك خبرة في تطوير بروتوكولات الاستخبارات والأمن الفعالة، وساعد في تحويل القاعدة من عصابة ميليشيات إلى تنظيم فتاك.

ومنذ انخراطه في الجهاد الأفغاني تولى مسؤولية تدريب المقاتلين، وتوفير الأمن للتنظيم وأميره، وكان يقود فيلق الحرس الأسود، واستخدم مهاراته في مجال التشفير لابتكار نظام رموز "صلاح الدين"، كما أنشأ كوادر مخابراتية، ثم أصبح القائد العسكري لتنظيم القاعدة.[9]

3- وعي عملياتي براغماتي ورفض للعمليات العشوائية

يتسم سيف العدل برفضه للعشوائية، فهو يرى أنّ الحركة الجهادية المصرية فشلت بسبب "الحماس المفرط الذي أدى إلى العمل المتسرع أو المتهور". وهو يرى أنّه عندما يستمر العدو في إلحاق خسائر فادحة بتنظيم جهادي، يتوجب الامتناع عن العمل وإعادة تجميع الصفوف، فهو يرفض أيّ تصرف دون تحليل دقيق للتكلفة والعائد.[10]

كما يتسم بهامش من البراغماتية، فرغم الانقسام الطائفي بين تنظيم القاعدة وحزب الله؛ إلا أنّه أيد التغاضي عن ذلك، وبتنسيق مع إيران ذهب للتدريب في لبنان على يد عماد مغنية. كما أيد مبايعة أسامة بن لادن للملا عمر، ليس لأنّ ذلك كان صحيحاً، بل لأنّه رأى أنّ بن لادن "مقيد بالظروف".

ولعل هذا الوعي والبراغماتية هي التي دفعته لرفض القيام بهجمات 11 أيلول (سبتمبر)، بدعوى أنّها ستدمر التنظيم. كما رفض العمليات العشوائية لقتل الرهائن التي أعقبت ذلك، ورأى أنّ الأنسب هو إعادة تجميع الصفوف، وتقييم الأضرار، والبدء في إعادة بناء المنظمة.

وكتب إلى خالد شيخ محمد موبخاً، وأمره بـ "وقف جميع العمليات الجديدة، بغضّ النظر عمّا إذا كانت الأوامر تأتي أو لا تأتي من أبي عبد الله"، وأبو عبد الله هو أسامة بن لادن الذي شعر بالاستياء آنذاك؛ ولكنّ العدل تصرف كقائد واع بخطورة تطويق قواعد التنظيم.[11]

من المرجح أن يشجع العدل التنظيم على تحقيق أهداف محدودة قابلة للتنفيذ وتجنب المواجهات المفتوحة، مائلاً للواقعية العسكرية، ومتجنباً الانتهازية العشوائية، ومتبعاً تحليلاً دقيقاً للتكلفة والعائد.[12]

4- نمط قيادي مغاير يرتكز على إطار عقلي عملي وميل للعمل الجماعي

عارض العدل في 2001 اندماج القاعدة مع حركة الجهاد الإسلامي المصرية، باعتباره ترتيباً غير متوازن. وبينما رأى أسامة بن لادن أنّ الولايات المتحدة لن تنشر قوة في أفغانستان نتيجة لأحداث أيلول (سبتمبر)، نظر العدل إلى الهجمات باعتبارها نوعية، وستمثل استفزازاً، وبفضل خبرته العسكرية وإطاره العقلي العملي تنبأ بالكارثة التي ستحل بالتنظيم. لقد وقفت أغلبية مجلس شورى تنظيم القاعدة إلى جانب سيف العدل، ولم يكن هناك سوى الظواهري وعدد قليل يؤيدون الضربات. ولكنّ عناد بن لادن ورفضه المشورة أحبط سيف العدل، الذي كتب لاحقاً: "إذا عارضه أحد، فإنّه يقدم فوراً شخصاً آخر ليقدم رأياً مؤيداً له، متمسكاً برأيه ومتجاهلاً تماماً من حوله".[13]

ويشدد سيف العدل على ضرورة تقبل قادة الجماعات الجهادية ما يأتيهم من الأعضاء العاديين، ممّا يعزز ثقافة العمل الجماعي.[14]

5- استئناف التوسع الإقليمي وإنشاء فروع محلية في ظل بيئات غير مرحبة

تولى سيف العدل بناء معسكرات التدريب في السودان بعد انتقال بن لادن إليها عام 1991، كما تولى استكشاف إمكانية توسيع العمليات لا سيّما في شرق أفريقيا. وبتحول بن لادن إلى اليمن عام 1995، أنشأ العدل فرعاً يمنياً للتنظيم، وبالعودة إلى أفغانستان عام 1996، استفاد التنظيم من علاقات العدل مع أمراء الحرب الحاكمين.[15] وهو ما يبرز خبرته المباشرة العملية في إنشاء الفروع والتغلب على عوائق القبلية والصراعات المحلية.

ثانياً: التحولات الفكرية المحتملة

الكتابات المنسوبة إلى سيف العدل توحي بأنّه قد يستكمل بعض التغيرات الفكرية للتنظيم ـالتي أملتها ضرورات حركيةـ بالإضافة إلى تأثره بنهجه البراغماتي في توسيع أدوات المواجهة، والتخلي عن نخبوية التنظيم نحو مزيد من التغلغل مع محيطه المحلي، وهو ما يظهر من المحاور التالية:

1- تغير أولويات القتال: قتال العدو القريب وتجنب العدو البعيد

يحاول تنظيم القاعدة في العامين الأخيرين التخلي عن التزامه بالجهاد العالمي ضد العدو البعيد، صوب تموضع فروعه كتنظيمات مسلحة معارضة محلية، وطرح لأول مرة مفهوم العدو القريب، وهو تحول تاريخي.[16]

فالأعوام الماضية أظهرت عجز القاعدة عن تكرار الهجمات الكبرى، وترافق هذا مع ميل الفروع للتأكيد على محلية نشاطها، وهو النهج الذي بدأته "هيئة تحرير الشام"، التي أعلنت عدم استهدافها للغرب وأنّها ضد النظام السوري فقط، وهو ما بدأ يحدث في الساحل الأفريقي، حيث نشطت الفروع ضد حكوماتها المحلية وضد فروع (داعش).[17]

ورغم أنّ هذا التحول قد يكون مرحلياً[18]، أو يكون ممهداً لتوسع مستقبلي يزاوج بين قتال العدو القريب والبعيد[19]، فإنّه يوضح اختلال أولويات القتال، وإن كان هناك نزوع لاستراتيجية استرضاء المجتمع،[20] وهي أفكار لا تختلف عن بعض طروحات سيف العدل.

2- تعددية وسائل التغيير

يرى سيف العدل ضرورة الاحتجاج على ظلم الحكومات، ويرى أنّ الثورة "تدمير بغرض البناء"، ولكنّه يركز على جانبها العنيف، ويقلل من أهمية العصيان المدني. ورأى أنّه بعد نجاح الثورة، لا بدّ من إنشاء آلية عسكرية أمنية لضمان الحفاظ عليها. وهو لا يستبعد أن تكون الانتفاضة عامة، وليس بالضرورة أن تكون إسلامية. وأنّه عندما تنجح الحركة الإسلامية في السيطرة على الانتفاضة، عليها أن تظهر فهماً للمطالب المشتركة بينها وبين الشعب الثائر. وهو يؤكد على أهمية إشراك الشعب في العملية الثورية.[21] وهي إشارة أخرى تستبطن ضرورة استرضاء الحواضن المحلية التي تنشط القاعدة في إطارها.

3- السعي لتأسيس شراكات محلية أكثر عمقاً

انتقد سيف العدل القاعدة، لأنّها لم تبذل جهداً كافياً في تنسيق الثورات، وقد أدى هذا إلى فقدان الدعم، وأنّ على المجاهدين الاستفادة من الشعوب الإسلامية لإقامة مشروع جهادي سياسي.[22] وهو يولي أهمية للجماهير الإسلامية بوصفهم شركاء مثاليين للتنظيم، وبالتالي قد يشي هذا بتنظيم أكثر دينامية وأقلّ جموداً.[23]

4- عدم استهداف المدنيين

يرفض سيف العدل استهداف المدنيين؛ "إذا استهدفنا عامة الناس، فكيف يمكننا أن نتوقع من شعوبهم قبول دعوتنا إلى الإسلام؟".[24] موضحاً أنّ القتال ينصب على القوات الأمنية الرسمية، و"أشرار النظام" (الشبيحة، أو البلطجية)، بل يرى أنّه من الممكن التأثير على القوات الرسمية لينحازوا إلى الثوار.[25]

5- محورية الدعاية

يرى سيف العدل ضرورة أن تكون الضربات متتالية، مع آلة دعاية قوية تبث الرعب، يجب أن يشعروا بأنّه لا مكان آمناً، وأن يتمكن منهم الانكسار النفسي[26]، حتى يبث الخوف في الحكومات والمجتمعات المعادية، و"عملائهم" المحليين في الدول المسلمة.[27]

ثالثاً: التحديات الماثلة والأجندة المستقبلية المحتملة

رغم إمكانات سيف العدل، وقدراته إلا أنّه سوف يواجه تحديات عميقة تتمثل في:

1- إشكالية ولاية الأسير!

منذ عام 2002 أو 2003، كان سيف يقيم في إيران حيث تغير وضعه من الاحتجاز في السجن، أو أشكال مختلفة من الإقامة الجبرية. ويبدو أنّ قدرته على التواصل مع العالم الخارجي قد تباينت مع مرور الوقت.[28]

إنّ وجود زعيم التنظيم في بلد يحتمل أن يكون معادياً، أو في بلد تعتمد فيه أيّ قدرة على التحرك أو التواصل على القرارات التي تتخذها السلطات المحلية، هو أمر غير مسبوق[29]، وهو أحد أسباب دعوة تنظيم الجولاني في سوريا لفروع القاعدة لحلّ نفسها، لأنّ زعيمها الجديد يعيش في حماية إيران.[30]

2- نزوع الأفرع لفك الارتباط ودخولها في صراعات داخلية

لم يستطع الظواهري إحكام السيطرة التنظيمية، وهو ما ظهر في حالات الانشقاق المتعددة منذ انفصال البغدادي، ثم جبهة النصرة[31]، وبات التنظيم وفروعه بيئة خصبة للاختراق والتجسس[32]، وانقسم "شباب الإسلام" في الصومال، وأعلن أكثر من فرع في ليبيا حلّ نفسه[33]، وشهد تنظيم القاعدة في اليمن حالة من التشظّي والاقتتال الداخلي، ولم يختلف الحال في بلاد المغرب الإسلامي.[34]

3- الصراع مع داعش

اندلعت حرب عام 2013 داخل الحركة الجهادية بين القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية[35]، وارتفعت مؤشرات العنف بسبب التنافس على النفوذ، والخلافات الإيديولوجية، والتنافس على الاستقطاب والتجنيد، والموارد.[36]

4- خسارة العديد من قادة التنظيم

أسفرت استراتيجية قطع الرؤوس عن فقدان تنظيم القاعدة للعديد من قياداته المؤثرة من قيادات الصفين الأول والثاني لها ثقل معنوي كبير[37]، نتيجة معاناتها من اختراقات أمنية[38].

في ظل هذه التحديات تزدحم أجندة القائد الجديد بعدة ملفات إشكالية نوجزها فيما يلي:

1- إشكالية اختيار قاعدة الانطلاق الجديدة في ظل تحرج طالبان

هناك عدة أماكن مقترحة قد تمثل قاعدة مركزية جديدة لتنظيم القاعدة في ظل العوائق التي قد يلقاها في أفغانستان، ومنها:

إيران

منذ أن تولى الظواهري زعامة القاعدة، بدأ في عملية تهدئة مع إيران.[39] وقد استطاع سيف العدل من إيران إدارة العمليات التي تنفذها فروع التنظيم في سوريا واليمن والصومال بفعالية، ورفض الخروج منها في 2015، بسبب حصوله على دعم الإيرانيين لمواصلة تنظيم عمليات ضد المصالح الغربية، وكان يعتمد على علاقته الوثيقة مع قاسم سليماني.[40] إلا أنّ علاقة العدل بإيران قد تنال من مكانة القاعدة وتسبب انشقاقات الفروع.[41]

أفغانستان

سيواجه الزعيم الجديد تحدي البقاء في أفغانستان، إذا اضطرت طالبان إلى تقليص تعاونها مع القاعدة استجابة للضغوط المفروضة عليها سعياً إلى نيل الشرعية الدولية، لا سيّما مع تنامي تهديد داعش خراسان.[42]

إلا أنّه تحت ضغط شبكة حقاني، قد تدعم طالبان القاعدة، لمواجهة ولاية خراسان[43]، في ظل وجود علاقات تاريخية توطدت بروابط النسب والمصاهرة، ووجود كبار قادة القاعدة في أفغانستان، ومئات من عناصره برفقة ذويهم، وتمثيلهم في حكومة طالبان، ووجود معسكرات تدريب لعناصرها في (5) ولايات أفغانية.[44]

وقد تنتقل القيادة الجديدة إلى أفغانستان لتلافي الطعن في شرعية الأمير الجديد.[45]

شرق أفريقيا

قد تنتقل القاعدة لإحدى دول الساحل، في ظل تنامي قوة الفروع الإقليمية للقاعدة بها.[46]

فغياب المؤسسات، وضعف الأمن، والنزاعات الإثنية والقبلية وسيولة الحدود تتيح التحرك ونقل السلاح بحرية، بل إنّ الصراعات الحدودية، وانتشار الجماعات المعارضة المسلحة، تتيح فرصاً لتحالفات وعلاقات محلية داعمة[47]، في ظل الانقلابات العسكرية المتكررة[48]، والقدرة على السيطرة على مواقع التعدين والمناجم لتأمين التمويل، فضلاً عن إمكانية استخدام المجال البحري لشنّ هجمات على أهداف برية، كما جرى من قبل حركة الشباب الصومالي.[49]

السودان

مع بروز نذر الحرب الأهلية، يمكن أن يتحول السودان إلى ساحة جهادية واعدة ومركز لوجستي يهدد دول الجوار.[50]

اليمن

خلال عامي 2017 و2018 عمل سيف العدل على توسيع نفوذه في اليمن. وقد حاول إقناع الإيرانيين بانتقاله إلى اليمن، وفي العام 2020  قام بتنسيق عملياته مع الإيرانيين في المهرة وحضرموت، سعياً منه لإظهار فائدة تواجده هناك بشكل دائم لشن العمليات النوعية ضد خصومهم المشتركين، لكنّ مقترحه قوبل برفض قاطع، خشية استقلاله الذاتي.[51]

2- كيفية التعامل مع نزوع الأفرع لفك الارتباط

هنا يبدو سيف العدل أمام خيارات صعبة، ومنها:

- استمرار النهج اللّامركزي وغياب دعم المركز

لم يعد تنظيم القاعدة مركزياً، واعتمد على منح الفروع استقلالية تحديد توجهها التشـغيلي.[52]

هناك احتمالية لاستمرار تراجع نفوذ القيادة المركزية، على المديين القصير والمتوسط، لتتحول إلى تنظيم رمزي يضم جماعات غير متجانسة[53]، وقد تفقد هويتها الأساسية بسبب عمليات الاندماج مع المجموعات المحلية، في ظل التوتر بين الأجندة العالمية والتركيز المحلي.[54] وهو سيناريو وارد في ظل عدم تمكن الزعيم الجديد من الحركة بحرية، أو اتباعه نهج سلفه.

- إعادة الاعتبار إلى قوة المركز تنظيمياً ومالياً وفكرياً

وهذا يحتم الإعلان عن مبايعة سيف العدل لبدء إعادة البناء، حيث تعتمد العلاقات مع التنظيم على تعهد البيعة.[55] ثم يتم الشروع في إعادة بناء الهيكل الداخلي، وإعادة الاعتبار إلى التنظيم المركزي، عبر زيادة العلاقات الارتباطية بالأفرع[56]، وتجديد الروابط الإيديولوجية والتنظيمية.[57]

وهذا قد يتأثر بالطبع بمكان التنظيم المركزي الجديد، ومدى القدرة على الحصول على الموارد وإعادة توزيعها على الفروع، فضلاً عن التجديد الإيديولوجي، وحسم الكثير من المساحات الرمادية التي تراكمت خلال العقد الماضي دون قطع.

- وجود مراكز متعددة مستقلة وموت التنظيم المركزي

قد تقوم بعض الفروع بفك ارتباطها بالتنظيم، واتباع نهج جبهة النصرة، أو اتباع نهج طالبان والتفاوض مع الحكومات لمنحها شرعية التحول لفاعل سياسي.[58] وهنا تنتفي أهمية التنظيم المركزي تدريجياً، وتُعلن وفاته بانفصال آخر الفروع عنه.

- اللجوء إلى الابتكار التنظيمي

 يقول سيف العدل: يجب أن نكون مبدعين ومبتكرين، ورشيقين، وأن نفكر خارج الصندوق.[59]

استفادت (القاعدة) من تنظيم (داعش) في إنشائها هياكل مؤسسية للحكم وإدارة المناطق التي تخضع لسيطرتها[60]، ونجحت في الانتقال من جهاد النكاية إلى جهاد التمكين، كما اعتمدت النمط الاندماجي دون تخلّي المنظمات المنضمة عن مُسمّياتها لصالح التنظيم الأم، لمنحها المرونة التشغيلية، فتنظيم "أنصار الإسلام" مثلاً يضم (10) جماعات مُختلفة.[61]

وبالتالي؛ فإنّ مواصلة التعلم التنظيمي، وإيجاد صيغة تنظيمية جديدة لتنظيم القاعدة تمنح الفروع المرونة الكافية، دون تهميش المركز، قد يكون المهمة العاجلة التي سيضطلع بها القائد الجديد.

3- نهج التعامل مع (داعش)

يبدو القائد الجديد أمام احتمالين بهذا الصدد:

- التهدئة أو التحالف

غياب الظواهري قد يمهد لحقبة من التعاون أو التنسيق مع مكونات الجهادية العالمية كتنظيم الدولة، في مواجهة الأعداء المشتركين.[62] كان سيف العدل وراء ضم الزرقاوي إلى تنظيم القاعدة، كما نشر سيرة حياته في 2005. ومع غياب البغدادي والظواهري، قد يحظى سيف بفرصة للحوار مع تنظيم الدولة.[63]

- حسم الصراع

قد يؤيد هذا السيناريو ما ذكره سيف العدل بخصوص عدم التسامح مع الشركاء السيئين "من الآن لا يجب التسامح مع الشركاء".[64] وهو ما قد يفسر كانتقاد لتعامل القاعدة مع داعش وجبهة النصرة، باعتباره بطيئاً وغير حاسم.[65]

وقد يزيد من حدة الصراع هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في أيلول (سبتمبر) 2021 على سيف، ووصفه بـ "سيف الأحمق".[66]

إنّ القائد الجديد لتنظيم القاعدة قد يحدث تأثيراً إيديولوجياً وتشغيلياً في حالة تمكنه من الانتقال إلى حاضنة داعمة بخلاف إيران، في ظل تميزه عن سلفه بقدرات شخصية وتنظيمية متقدمة، فضلاً عن تاريخه العسكري الحافل داخل التنظيم، وهو ما يُنذر بميلاد قيادة كاريزمية جديدة قد تؤثر على المشهد الجهادي العالمي.

محمد بشندي: باحث سياسي مصري متخصص في العلاقات الدولية

هوامش:


[1]  كشف هوية زعيم القاعدة الجديد، ومكان إقامته، 16 شباط (فبراير) 2023

https://2h.ae/IdXC

[2]  د. حسن أبو هنية، هل يعيد سيف العدل إحياء تنظيم "القاعدة"؟ 22/2/2023

https://2h.ae/rnXN

[3] Tricia Bacon, Elizabeth Grimm, What Leadership Type will Succeed Al-Qaeda’s al-Zawahiri?, 15 Jul 2022

https://2h.ae/caRI

[4]  ماهر فرغلي، القاعدة ما بعد الظواهري: البناء والمأزق والمستقبل، ١٣‏/٠٩‏/٢٠٢٢

https://2h.ae/FXsn

[5]  فرانك غاردنر، أيمن الظواهري: ما مصير تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمه؟، 3 آب (أغسطس) 2022

https://www.bbc.com/arabic/world-62405843

 [6] د. حسن أبو هنية، هل يعيد..، مرجع سابق.

[7] ALI SOUFAN, Al-Qa`ida’s Soon-To-Be Third Emir? A Profile of Saif al-`Adl, February 2021, Vol. 14, Issue 2

https://ctc.westpoint.edu/al-qaidas-soon-to-be-third-emir-a-profile-of-saif-al-adl/

[8] ARI R. WEISFUSE, The Last Hope for the al-Qa`ida Old Guard? A Profile of Saif al-`Adl, MARCH 2016, VOLUME 9, ISSUE 3

https://ctc.westpoint.edu/the-last-hope-for-the-al-qaida-old-guard-a-profile-of-saif-al-adl/

[9] ALI SOUFAN, Al-Qa`ida’s Soon.., Ibid.

[10] ARI R. WEISFUSE, The…, Ibid.

[11] ALI SOUFAN, Al-Qa`ida’s Soon.., Ibid.

[12] ARI R. WEISFUSE, The…, Ibid.

[13] ALI SOUFAN, Al-Qa`ida’s Soon.., Ibid.

[14] حايد حايد، تطور "القاعدة" في ظل زعيمه الجديد المحتمل، 26 أيلول (سبتمبر) 2023

https://2h.ae/LBkV

[15] Ibid.

[16] أحمد كامل البحيري، ملامح استراتيجية تنظيم "القاعدة" بعد تولي سيف العدل

https://acpss.ahram.org.eg/News/17836.aspx

[17] «القاعدة»... انكفاء "المشروع العالمي"، جريدة الشرق الأوسط، 13/6/2023

https://2h.ae/mMcg

[18] حسن أبو هنية، الجهادية العالمية في ظل تعددية قطبية، 25/12/2022 

https://2h.ae/UPKN

[19] حسن أبو هنية، القاعدة واندماج الأبعاد... ولادة ثالثة ونشأة مستأنفة

https://2h.ae/ACCu

[20]  ماهر فرغلي، القاعدة ما بعد الظواهري...، مرجع سابق.

[21] JMG DESK, Struggle and Winds of Change – Revolution and Guerilla Strategies by Saif al-Adel, 23 June 2016.

https://ict.org.il/struggle-and-winds-of-change-revolution-and-guerilla-strategies-by-saif-al-adel/

[22] Ibid.

[23]  حايد حايد، تطور...، مرجع سابق.

[24]  المرجع السابق.

[25] JMG DESK, Struggle .., Ibid.

[27]  حايد حايد، تطور...، مرجع سابق.

[28] ALI SOUFAN, Al-Qa`ida’s Soon.., Ibid.

[29] Extremist thought to be in Iran is de facto new leader of al-Qaida, UN says: Veteran Egyptian Saif al-Adel viewed as formidable threat by western officials

https://www.theguardian.com/world/2023/feb/14/saif-al-adel-iran-de-facto-new-leader-al-qaida-united-nations

[30]  "القاعدة"... انكفاء..، مرجع سابق.

[31]  أحمد كامل البحيري، ماذا بعد مقتل أيمن الظوهري؟

https://acpss.ahram.org.eg/News/17567.aspx

[32]  حسن أبو هنية، تنظيم "القاعدة" على طريق الانقسام والانحدار، 07-Feb-21 

https://2h.ae/dlPX

[33]  ماهر فرغلي، القاعدة ما بعد الظواهري...، مرجع سابق.

[34]  تقى النجار، سيناريوهات محتملة: أيُّ مستقبل ينتظر “القاعدة” خلال عام 2022؟، 21/12/2021

https://ecss.com.eg/17893/

[35] Daniel Byman, Whatever Happened to Al Qaeda?, JULY 31, 2023, 9:52 AM

https://foreignpolicy.com/2023/07/31/al-qaeda-zawahiri-death-strength-decline-terrorism/

[36]  صلاح خليل، داعش والقاعدة في أفريقيا: تحولات خريطة الانتشار وتغير حدود التأثير،  26/12/2022

https://ecss.com.eg/31872/

[37]  منى قشطة، مآلات محتملة… موقع القاعدة في معادلة الجهاد المعولم عقب مقتل الظواهري، آب (أغسطس) 11, 2022

https://marsad.ecss.com.eg/72189/

[38]  ماهر فرغلي، القاعدة ما بعد الظواهري...، مرجع سابق.

[39]  أحمد كامل البحيري، ماذا بعد...، مرجع سابق.

[41]  صراع قيادة (القاعدة)... خلاف تنظيمي أم تكريس لاستقلالية الأفرع؟ جريدة الشرق الأوسط، 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2022

https://2h.ae/wATq

[42]  منى قشطة، مآلات...، مرجع سابق.

[43]  د. حسن أبو هنية، هل ...، مرجع سابق.

[44]  مني قشطة، علاقة تكافلية… دلالات احتمالية تواجد زعيم القاعدة في أفغانستان، 16/07/2023

https://ecss.com.eg/35177/

[45]  أحمد سلطان، مستقبل العلاقة بين القاعدة وطالبان وداعش بعد مقتل أيمن الظواهري،  17/08/2022

https://ecss.com.eg/20509/

[46]  د. حسن أبو هنية، هل ...، مرجع سابق.

[47]  صلاح خليل، داعش...، مرجع سابق.

[48]  ماذا حلّ بـ"القاعدة" بعد 22 عاماً على هجمات (11 سبتمبر)؟، جريدة الشرق الأوسط، 11 أيلول (سبتمبر) 2023

https://2h.ae/Vgpt

[49]  ماهر فرغلي، فروع القاعدة: الوجود والتكيف في مرحلة ما بعد الظواهري، 13 أيلول (سبتمبر) 2022

https://2h.ae/JYgQ

[50]  حسن أبو هنية، هل يتحول السودان إلى ساحة جهادية؟،  28-May-23

https://2h.ae/gNtF

[52]  ماهر فرغلي، فروع القاعدة...، مرجع سابق.

[53]  تقى النجار، سيناريوهات...، مرجع سابق.

[54] Wright, Robin. Jihadi Threat: ISIS, al Qaeda, and Beyond, Wilson center, 2016, pp 17-24‏

[55] Tricia Bacon, The Looming Problem for al-Qaeda's Affiliate Alliances, 17 May 2023

https://www.icct.nl/publication/looming-problem-al-qaedas-affiliate-alliances

[56]  ما أولويات الزعيم المرتقب لـ(القاعدة)؟ جريدة الشرق الأوسط، 10 آب (أغسطس) 2022

https://2h.ae/FsVg

[57]  حسن أبو هنية، تنظيم القاعدة ما بعد (الظواهري)، 7/8/2022 

https://2h.ae/GQGc

[58]  تقى النجار، سيناريوهات...، مرجع سابق.

[59]  أحمد المسلماني، مرجع سابق.

[60]  تقى النجار، توجه جديد: فروع تنظيم (القاعدة) واللجوء للتفاوض، 3/4/2021

https://ecss.com.eg/14350/

[61]  ماهر فرغلي، القاعدة ما بعد الظواهري...، مرجع سابق.

[62]  حسن أبو هنية، تنظيم القاعدة... مرجع سابق.

[63] ALI SOUFAN, Al-Qa`ida’s Soon.., Ibid.

[64]  أحمد المسلماني، مرجع سابق.

[65]  حايد حايد، تطور...، مرجع سابق.

[66] Jake Harrington and Jared Thompson, Zawahiri’s Death and What’s Next for al Qaeda, 4 August 2022

https://www.csis.org/analysis/zawahiris-death-and-whats-next-al-qaeda




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية