
ترجمة محمد الدخاخني
لماذا ـ في خضم مفاوضات حاسمة لتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لتطبيق وقف لإطلاق النّار في غزة، وإطلاق سراح الإسرائيليين المحتجزين لدى (حماس)، وعدد كبير من الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل، والتحرُّك نحو نهاية دائمة متفاوض عليها للصراع ـ لماذا تُقرِّر إسرائيل اغتيال كبير مفاوضي (حماس) أثناء زيارته لإيران؟
ولماذا ـ في حين تقول الولايات المتحدة إنّها تعمل على تهدئة التوترات مع (حزب الله) اللبناني ـ تختار إسرائيل رفع الرِّهان باغتيال الرجل الثاني في الحزب؟
نعرف الإجابات عن كلا السؤالين: من الواضح أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير مهتم بالسلام. فلا يبدو أنّه يريد صفقة تفاوضية لإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب على غزة، ولا يريد تهدئة الصراع في غزة أو في الشمال مع (حزب الله). ومن المؤكد أنّه لا يريد "حلاً للدولتين" من شأنه أن يمنح الشعب الفلسطيني الاستقلال في دولة ذات سيادة خاصة بهم.
هناك شيئان يبدو أنّ نتنياهو يريدهما، وفي هذه المرحلة، كلاهما مرتبط بشكل منحرف.
يريد نتنياهو البقاء في منصبه، لأنّه إذا خسر منصبه كرئيس للوزراء، فإنّ تهم الفساد الموجهة إليه ستلاحقه بقوة. وبما أنّ التهم خطيرة للغاية والأدلة واضحة للغاية، فمن المحتمل أن يُدان ويُذل. وهذه ليست تكهنات، فالأمر موضع نقاش على نطاق واسع في إسرائيل، بل ألمح إليه بايدن في مقابلة أجريت معه في 28 أيار (مايو) مع مجلة (تايم). فعندما سُئل: "هل يطيل نتنياهو الحرب لأسباب سياسية؟"، أجاب بايدن: "هناك كل الأسباب التي تجعل الناس يستخلصون هذا الاستنتاج".
السبب الثاني هو أنّ نتنياهو يريد استمرار الحرب، وحتى تسريعها. وقد أوضح ذلك في تصريحاته أمام الكونغرس الأمريكي، وفي خطاب إلى الجمهور الإسرائيلي قبل بضعة أيام، إنّه يسعى إلى "النصر الكامل"، الذي يُعرِّفه بأنّه شيء أكثر من الهزيمة العسكرية لأعداء إسرائيل.
يريد نتنياهو البقاء في منصبه، لأنّه إذا خسر منصبه كرئيس للوزراء، فإنّ تهم الفساد الموجهة إليه ستلاحقه بقوة
من دون الاعتراف بأيّ مسؤولية إسرائيلية، اتَّهم الفلسطينيين بخلق ثقافة مليئة بالكراهية تستدعي في فترة ما بعد الحرب تفكيك الرَّدكلة على نطاق واسع؛ ونتيجة ذلك من شأنها أن تجعل الفلسطينيين يقبلون الهيمنة اليهودية في إسرائيل، ويفهمون مكانهم كشعب مُحتَل وخَاضع. هذه هي الرؤية الصهيونية المسيحانية التي طالما دفعت نتنياهو، والتي يراها الآن ممكنة، ولكن فقط إذا أُخضِعَ جميع أعداء إسرائيل، وهم الفلسطينيون الذين يقاومون الاحتلال، وإيران ووكلاؤها. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا تمكنت إسرائيل من إشراك الولايات المتحدة في غزوها الإقليمي.
تُثير نظرة نتنياهو إلى العالم العديد من الأسئلة الإضافية التي يجب مراعاتها: إذا كُنَّا نعلم أنّ نتنياهو لم يقبل قط شروط خطة بايدن، فلماذا استمر الرئيس الأمريكي في التأكيد على أنّها "خطة إسرائيل" ووضعَ العبء على (حماس) لقبولها؟
لكن إذا كنا نعلم أنّ نتنياهو غير راغب في إبرام أيّ اتفاق سلام خوفاً من خسارة شركائه المتطرفين في الائتلاف الحاكم (الذين هددوا بالتخلي عن حكومته إذا قبل أيّ شروط تؤدي إلى السلام)، فلماذا نستمر في التعامي عن هذه الحقيقة؟
لماذا لم توجِّه الإدارة الأمريكية الإدانة للاغتيالات التي وقعت في بيروت وإيران، على الرغم من أنّها تعلم أنّها ستؤدي بالتأكيد إلى تخريب جهود المفاوضين؟ ولماذا، في وقت نعلم فيه أنّ نتنياهو ليس لديه نية لإتمام صفقة لإطلاق سراح الأسرى، نستمر في السماح له باستغلال آلام أسرهم، متظاهرين بأنّ المفاوضات تقترب من الاكتمال بينما نعلم أنّها ليست كذلك؟
ولماذا، في وقت نعلم فيه أنّ مطالب وأفعال شركاء نتنياهو المتطرفين في الائتلاف تُسبِّب دماراً في الضفة الغربية والقدس - إرهاب السكان الفلسطينيين، وضم المزيد من الأراضي، وبناء المزيد من المستوطنات، ومحو إمكانية تقرير الفلسطينيين لمصيرهم -، لماذا كان جزء كبير من المجتمع الدولي سلبياً ومتسامحاً إلى هذا الحد في الاستجابة؟
علينا أن نكون واضحين: (حماس) و(حزب الله) ليسا لاعبين جيدين؛ فالأولى تمخَّضت عن الاحتلال الإسرائيلي الوحشي والمستمر للأراضي الفلسطينية، وغذَّتها إسرائيل لخلق انقسام في صفوف الفلسطينيين، وألهبها خنق إسرائيل الوحشي لسكان غزة على مدى عقود من الزمان.
ووُلِد (حزب الله) من غزو إسرائيل للبنان ومن النظام الطائفي الفاسد في ذلك البلد الذي حرم الطائفة الشيعية من التمثيل الكافي والموارد. وقد ألهبه احتلال إسرائيل لجنوب لبنان لعقود من الزمان، والتدمير الهائل للبنية الأساسية للبلاد في عام 2006. ومن المؤكد أنّ كليهما انخرط في أفعال تستحق الإدانة. ولكن انتقادهما فقط، مع تبرئة إسرائيل من جرائمها الأكبر بكثير، يُعَد نفاقاً في أحسن الأحوال.
إذا كانت الولايات المتحدة جادَّة في إنهاء الصراع في المنطقة، بدلاً من غضّ الطرف عن سلوك إسرائيل المصمم عمداً لإثارة المزيد من الحروب، فإنّه يتعيَّن على أصحاب المصلحة الدوليين التوقف عن ممارسة الألعاب والتعامل بجدية ومحاسبة إسرائيل.
وهذا يقودنا إلى سؤال أخير: لماذا تتوقع واشنطن أن يتغير أيّ شيء، بينما تستمر الولايات المتحدة في تزويد إسرائيل بالأسلحة على نطاق واسع، وتمنع كل الجهود الرامية إلى فرض عقوبات على سلوكها المُستهجن؟
المصدر: