
رغم أنّ الكثير من الدول العربية والمنظمات الإسلامية حمّلت إسرائيل مسؤولية اغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قبل (12) يوماً، إلا أنّ هناك من وجّه أصابع الاتهام لإيران، على اعتبار أنّه يمكن أن يخدم أجندة طهران في المنطقة.
ووفق دراسة نشرها (المركز العربي لدراسات التطرف)، فإنّ إيران كانت على خلاف دائم مع الدول ذات الأغلبية المسلمة ـ وخاصة الدول العربية السُنّية الغنية في منطقة الخليج ـ بسبب تدخل إيران في شؤونها الداخلية. ولكنّ إيران أظهرت أيضاً أنّها قد تستفيد من الفوضى. وعلى هذا، فإنّ مقتل هنية ـ في دار ضيافة حكومية بعد ساعات فقط من حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد ـ من شأنه أن يسمح لإيران بزيادة نفوذها الإقليمي من خلال استغلال الغضب العربي تجاه إسرائيل وتعزيز التقارب بين السنّة والشيعة.
ووفق الدراسة، فإنّه منذ الثورة الإسلامية في عام 1979 أيدت طهران علناً القضية الفلسطينية ودافعت عنها. وعلى نطاق أوسع يستند نفوذ إيران في الشرق الأوسط إلى تفاعل معقد بين العوامل الدينية والإيديولوجية والسياسية. وباستغلال الصراعات الإقليمية غير المحلولة، والتوترات الطائفية في البلدان المجاورة، وسياسات تغيير الأنظمة التي تنتهجها الولايات المتحدة، نجحت إيران في تطوير شبكة قوية من الوكلاء في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
وأضافت الدراسة: "لقد قدّم الحرس الثوري الإسلامي وفيلق القدس التابع له بشكل منهجي الأسلحة والتدريب والمساعدة المالية للميليشيات والكيانات السياسية في (6) دول على الأقل: البحرين والعراق ولبنان والأراضي الفلسطينية وسوريا واليمن. ومنذ اندلاع حرب غزة في أعقاب هجمات حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، دعمت إيران شريكها حزب الله في لبنان والحوثيين باليمن وعدد من الميليشيات الشيعية في سعيهم لمساعدة حماس في الرد على إسرائيل وراعيها الرئيسي الولايات المتحدة.
والآن، بينما تنتظر المنطقة الردّ الإيراني الموعود على مقتل هنية ـ وردّ حزب الله على اغتيال أحد قادته العسكريين البارزين في بيروت قبل بضعة أيام فقط ـ أصبحت إيران مقصداً لجهود العديد من البلدان التي تحثها على عدم إشعال فتيل المزيد من التوتر في منطقة غارقة بالفعل في حرب مروعة.
وقد أدانت الأردن وسوريا والعراق اغتيال هنية، ووصفته بأنّه عمل يهدد الاستقرار الإقليمي. كما قام وزير الخارجية الأردني بزيارة نادرة إلى إيران، مدفوعة أيضاً بمخاوف بشأن التصعيد. وسلطت قطر، الوسيط المحوري في الصراعات في الشرق الأوسط، الضوء على أنّ اغتيال كبير مفاوضي حماس أدى إلى تعطيل الجهود الجارية لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة.
هناك من وجّه أصابع الاتهام باغتيال هنية إلى إيران، على اعتبار أنّه يمكن أن يخدم أجندة طهران في المنطقة.
وفي لبنان، أدان رئيس الوزراء المؤقت نجيب ميقاتي اغتيال هنية، ووصفه بأنّه يشكل "تهديداً خطيراً للسلام". وعلى نحو مماثل، أدان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف اغتيال هنية، ووصفه بأنّه "عمل غادر ومخزٍ"، في حين سلطت مصر الضوء على التداعيات المترتبة على عملية الاغتيال على الاستقرار الإقليمي.
وأكدت الدراسة أنّه من الممكن أن تؤدي الإدانات الجماعية إلى تمكين إيران من استغلال هذا الاستنكار لتعزيز نفوذها في المنطقة والعالم الإسلامي على نطاق أوسع، موضحة أنّ النظام الإسلامي في إيران سعى تاريخياً إلى إلهام انتفاضات دينية مماثلة، وخاصة في المناطق المجاورة له. وقد عبّر آية الله روح الله الخميني، زعيم ثورة 1979، عن طموح أوسع نطاقاً، حين قال: "سوف نصدّر ثورتنا إلى العالم أجمع، وإلى أن يتردّد صدى صرخة "لا إله إلا الله" في جميع أنحاء العالم، فإنّ النضال سوف يستمر".
وأشارت الدراسة إلى أنّ إيران تسعى إلى تعزيز نفوذها في الأراضي الفلسطينية، ومنذ استيلاء حماس على غزة في عام 2007، كانت إيران داعماً رئيساً للحركة، وقد قدمت لها مساعدات مالية وتكنولوجيا عسكرية واستخباراتية بحوالي (300) مليون دولار سنوياً.
وعلى الرغم من خطابها الإسلامي الشامل، تسعى إيران أيضاً إلى تعزيز موقف المسلمين الشيعة، كما يتضح من مساعدتها على إنشاء حزب الله في لبنان بعد الغزو الإسرائيلي لذلك البلد عام 1982، وتمويل وتدريب ميليشيات مختلفة في العراق، ودعم الحوثيين في اليمن، وضمان بقاء نظام الأسد في سوريا. ومع ذلك تسعى إيران إلى تجنب أن يُنظر إليها باعتبارها حاملة لواء الشيعة وحدهم.
إنّ التحالف مع مختلف الجماعات الفلسطينية يعزز دور إيران كمدافع ثابت عن القضية الفلسطينية، بل إنّ طهران قد تسعى إلى استغلال اغتيال هنية ـ وهو فشل أمني مهين ـ لمواصلة وضع نفسها في موقع البطل الذي لا غنى عنه للنضال الفلسطيني، وفق المركز العربي.
وأكدت الدراسة أنّه، بعيداً عن بيانات الدعم التي تلقتها إيران منذ اغتيال هنية، فإنّ الاغتيال وحرب غزة ربما يخدمان موقف إيران الاستراتيجي، وقد يؤديان إلى إثارة المزيد من ردود الفعل الشعبية، ممّا يفرض ضغوطاً على الحكومات لإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل.
أصبحت إيران مقصداً لجهود العديد من البلدان التي تحثها على عدم إشعال فتيل المزيد من التوتر في منطقة غارقة بالفعل في حرب مروعة.
وفي السياق، أشارت مجلة (فورين بوليسي) إلى أنّ "توقيت ومكان اغتيال هنية من شأنهما أن يشكّلا إحراجاً شديداً لإيران، وفائدة لها في الوقت ذاته، حيث سلطت عبر وسائل الإعلام الموالية لها الضوء على جريمة الكيان الصهيوني، للتحريض ضده، ولكي تبعد أصابع الاتهام عنها، خاصة أنّها لم تستطع حماية هنية، أو كان لها مساهماتها في اغتياله وفق الروايات التي نشرت عن مسوؤلين في حركة حماس، وعن طاقم الحماية الشخصية الذي رافقه إلى طهران.
وبحسب المجلة، فإنّ اغتيال هنية في شقة محمية في وسط مدينة طهران كان بمثابة رسالة، وهو أنّ الإيرانيين داخل إيران ساعدوا في تنفيذ العملية على الأرجح، واستفادت إيران أيضاً من هذه الجزئية حيث ألقت القبض على أكثر (10) جواسيس، توصلوا إليهم إمّا عن طريق التحقيقيات والمتابعة للأحداث، وإمّا عن طريق مساومات دولية، وقد تناقلت وكالات أنباء أنّ الولايات المتحدة كشفت لطهران أسماء الجواسيس المعنيين بعملية الاغتيال للتخفيف من حدة الرد الإيراني على إسرائيل.
إنّ اغتيال هنية بمثابة زلزال جيوسياسي من شأنه أن يعيد تشكيل الديناميكيات الإقليمية، ومن المتوقع أن تستخدم إيران الحادثة لتحقيق مكاسب دولية وإقليمية، وهذا تعكسه التصريحات النارية التي يخرج بها مسؤولون إيرانيون من وقت إلى آخر، حول الردّ على إسرائيل والتوسع في الحرب.