كيف استفاد الإخوان في بنغلاديش من استبداد النظام الحاكم؟

كيف استفاد الإخوان في بنغلاديش من استبداد النظام الحاكم؟

كيف استفاد الإخوان في بنغلاديش من استبداد النظام الحاكم؟


07/08/2024

مع سقوط نظام رابطة عوامي الحاكم في بنغلاديش، ودخول البلاد في نفق سياسي مجهول، تبدو المفارقة الجديرة بالملاحظة هي الكيفية التي يصعد بها الإخوان دائماً إلى صدارة المشهد السياسي، حيث لا يتم ذلك إلّا من خلال فساد النظم الدكتاتورية، وانسداد الأفق السياسي، حين تضغط النظم الاستبدادية على الجماهير دون وعي بحتمية الانفجار، الذي سرعان ما يعود على الإخوان بالنفع؛ ذلك أنّ نهج الجماعة يتراوح دائماً بين الكمون في أوقات المحن، وركوب المد الثوري إذا بدا أنّه أصبح في عنفوانه.

وتبدو بنغلاديش على المحك، ففي الوقت الذي انهار فيه الاقتصاد الوطني جراء التظاهرات وأحداث العنف، وفي ظل الانفلات الأمني، تواجه البلاد خطراً داهماً على حدودها مع ميانمار، بالتزامن مع خروج مخيمات اللاجئين الروهينغا عن السيطرة، مع تصاعد المد الطائفي، وحركة التنظيمات الإرهابية، التي باتت تتخذ من بنغلاديش نقطة انطلاق، في محيط جغرافي تعصف به الأهواء.

هرب امرأة آسيا المرأة الحديدية

في العام 1975 كانت الشابة حسينة واجد ابنة مؤسس بنغلاديش ورئيسها السابق مجيب الرحمن، رفقة شقيقتها ريحانة، خارج البلاد، حين وصلها نبأ الانقلاب على والدها، بعد أن فرض حالة الطوارئ، وقام بتعديل الدستور، وحلّ الأحزاب، مستبدلاً النظام البرلماني بنظام رئاسي مستبد.

الشيخة حسينة تلقّت صدمة اغتيال والدها، وجميع أفراد أسرتها، على يد ضباط الجيش، في 15 آب (أغسطس) من العام نفسه، فاستقرت في أعماقها الرغبة في الانتقام، والوصول إلى السلطة بأيّ ثمن، وبعد أن قضت عدة أعوام في الهند، عادت الشيخة حسينة إلى بنغلاديش، في العام 1981، لتقود حزب رابطة عوامي، في مواجهة حكم الجنرال حسين محمد إرشاد، وبعد أعوام طويلة من النضال، انتُخبت حسينة واجد رئيسة للوزراء لأول مرة في العام 1996، قبل أن تزيحها منافستها الشيخة خالدة ضياء في العام 2001.

دخول البلاد في نفق سياسي مجهول

المرأة الحديدية واصلت نضالها السياسي، بشتى الطرق، لتنجح في العودة إلى السلطة في العام 2009، لتقرر أن تستمر في الحكم إلى الأبد، وتتحول إلى دكتاتورة متعطشة للسلطة، فانتقمت من كل خصومها، ووضعت منافستها خالدة ضياء رهن الإقامة الجبرية، ووظفت محكمة مجرمي الحرب لصالح حزبها، لتقود معظم خصومها السياسيين إلى حبل المشنقة، وتتحكم في نتائج الانتخابات بصورة فجة؛ ومع الوقت تحولت الضحية إلى جلاد لا يتورع عن ارتكاب كل أشكال الاستبداد والعنف والفساد السياسي.

وفي تطور درامي، انقلب المشهد السياسي في بنغلاديش رأساً على عقب، بعد أن أجبرت المرأة الحديدية على الاستقالة، والخروج من البلاد على متن مروحية أقلتها إلى الهند التي جاءت منها قبل (33) عاماً؛ وسط احتجاجات واسعة النطاق، رفضت خلالها الشيخة حسينة الانحناء أمام الموجة الطلابية العاتية، والاستجابة لمطالب الثوار المشروعة، برفض نظام الحصص في الوظائف العامة.

الجماعة الإسلامية... ذراع الإخوان الباحثة عن دور

في الأوّل من آب (أغسطس) الجاري حظرت حكومة الشيخة حسينة، رسمياً، الجماعة الإسلامية وجناحها الطلابي، شاترا شبير، وصنفتهما كمنظمات إرهابية؛ بموجب المادة 18/1 من قانون مكافحة الإرهاب لعام 2009. ويأتي هذا القرار، الذي أكده إخطار من قسم الأمن العام بوزارة الداخلية، بعد أعوام من الاتهامات والإجراءات القانونية ضدّ الجماعة. 

الشيخة حسينة تلقّت صدمة اغتيال والدها، وجميع أفراد أسرتها، على يد ضباط الجيش، في 15 آب (أغسطس) عام 1975

كانت الجماعة الإسلامية قد قررت منذ منتصف تمّوز (يوليو) الفائت ركوب الموجة الثورية  في مراحلها الأخيرة، وقد بات سقوط الحكومة حتمياً، انتظاراً لمكافأة في تسويات ما بعد مرحلة الشيخة حسينة، وقد نجح الذراع الطلابي للجماعة في تأجيج العنف في الجامعات، وتحويل التظاهرات السلمية إلى مواجهات دموية مع الشرطة.

ولفتت تقارير إلى أنّ عناصر الجناح الطلابي في الجماعة الإسلامية خربوا تمثال مجيب الرحمن، والد الشيخة حسينة، وبطل حرب التحرير، وآخرون تسللوا إلى التظاهرات المناهضة لنظام الحصص، ورفعوا مطالب سياسية، على نهج الإخوان واستراتيجيتهم. واتهمت الحكومة الجماعة بالتحريض على الاحتجاجات العنيفة التي أسفرت عن مقتل أكثر من (300) شخص وإصابة الآلاف. 

كانت أنشطة الجماعة الإسلامية مثيرة للجدل منذ استقلال بنغلاديش؛ فقد حظرتها الحكومة الأولى بعد الاستقلال بقيادة مجيب الرحمن، لتعاونها مع القوات الباكستانية خلال حرب التحرير في العام 1971، وتورط أعضاء الجماعة في تشكيل ميليشيات موالية للجيش الباكستاني، مثل: البدر والشمس ولجنة السلام، التي شاركت في ارتكاب فظائع ضد مقاتلي الحرية البنغاليين، وكذلك قامت باستهداف الهندوس.

الشيخة حسينة

وفي العام 2013 ألغت لجنة الانتخابات في بنغلاديش تسجيل الجماعة كحزب سياسي، بعد حكم قضائي، وهو القرار الذي أيدته دائرة الاستئناف بالمحكمة العليا في العام 2023. وجاء الحظر الأخير وسط اتهامات بتورط الجماعة في أعمال العنف بالتزامن مع ثورة الشباب.

مخاوف هندية

قالت المفوضة العليا السابقة في بنغلاديش فينا سيكري، يوم الإثنين الفائت: إنّ عدم الاستقرار في بنغلاديش مقلق بالنسبة إلى الهند التي تحافظ على أعلى مستوى من اليقظة، على طول الحدود التي يبلغ طولها ما يقرب من (4) آلاف كيلومتر مع بنغلاديش التي تعصف بها الأنواء من كل اتجاه.

وأشارت إلى الخطورة المتزايدة للجماعة الإسلامية المحظورة في بنغلاديش، والمعروفة بقربها من جهاز المخابرات الباكستاني، وقالت سيكري: إنّه لا يمكن استبعاد وجود يد أجنبية في التطورات على الحدود الهندية. وأضافت: "يبدو أنّ دور جماعة الإسلام كبير جداً، وهذا يجبرنا على التفكير فيما إذا كانت هناك يد باكستانية وراء التطورات في بنغلاديش". وحذرت سيكري من أنّ عدم الاستقرار في بنغلاديش قد يكون له تأثير جانبي في الهند، وأنّ قوات الأمن الحدودية التي تحرس الحدود مع بنغلاديش ستكون في حالة تأهب قصوى.

وأكدت سيكري أنّ المؤشرات الأولى على وجود يد أجنبية محتملة ظهرت عندما تجاهلت القيادة الصينية العليا الشيخة حسينة أثناء زيارتها الأخيرة للبلاد. وقالت سيكري: "كان أحدث مؤشر على هذا (اليد الأجنبية) عندما سارت زيارة الشيخة حسينة للصين بشكل سيّئ للغاية، حيث لم ترحب بها الصين بشكل لائق، ولم يجتمع بها شي غين بينغ اجتماعاً منفصلاً، وهو أمر غير معتاد من الصين".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية