
مع ذكرى سقوط جماعة الإخوان، المصنفة على قوائم الإرهاب، إثر احتجاجات شعبية هائلة في مصر قبل نحو (11) عاماً، ونجاح مؤسسات الدولة المصرية في ترميم التصدعات المختلفة والخروقات المتباينة التي سعى الإخوان لإحداثها بهدف التسلل منها، وتحقيق التمكين، وفق رؤيتهم التنظيمية عبر إضعاف/ أخونة الدولة، فإنّ الجرائم التي تورطوا فيها، وهي قضايا أمن قومي وقضايا سياسية، ما تزال تتكشف ملابساتها وتفاصيلها، وتقع تحت طائلة القضاء، ومعالجة نتائج كل ذلك على أرض الواقع، وآثاره التي تمتد في ملفات عديدة.
وفيما يبدو أنّ كواليس عديدة طيّ الكتمان ارتبطت بإطاحة الشعب بحكم "المرشد"، وقد قال السفير نبيل فهمي وزير الخارجية السابق: إنّ منصب وزير الخارجية يُعتبر منصباً سيادياً وإبداعياً. موضحاً في لقاء تلفزيوني أنّه عمل وزيراً للخارجية بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) في حكومة حازم الببلاوي، وأعلن في 30 حزيران (يونيو) أنّ مصر لن تعتمد على طرف واحد بشكل مفرط. وتابع أنّ "الأمريكيين اتصلوا به بعد إعلانه عزمه زيارة روسيا والصين عقب ثورة 30 حزيران (يونيو)، وكانوا يرون أنّ التيارات الإسلامية في تنامٍ بالدول العربية، لكنّهم صُدموا بإزاحة الإخوان بعد الثورة. والرئيس الأمريكي أوباما هدده بعدم تسليم طائرات الأباتشي لمصر عقب ثورة 30 حزيران (يونيو)".
في حديثه لـ (حفريات) يوضح الباحث المختص بالعلوم السياسية الدكتور مصطفى صلاح أنّ جرائم جماعة الإخوان لم تتوقف البتة، بداية من وقائع حصار المحكمة الدستورية، مروراً بحوادث العنف والإرهاب في سيناء، وتفجير خطوط الغاز، حتى "الاستهدافات المتكررة لقوى الجيش والشرطة في الكمائن المختلفة، وإدارة المؤامرات ضدهم من خلال أطراف خارجية وإقليمية، الأمر المستمر حتى اللحظة، وآخرها مع اندلاع حرب غزة والمزايدة على الموقف المصري".
وأضاف صلاح: إنّ تهديدات القيادي بالجماعة الإرهابية محمد البلتاجي من داخل اعتصام رابعة الذي ظهر في داخله عناصر مسلحة تتهيأ للصدام مع المتظاهرين من معارضي حكم الإخوان، فضلاً عن قوات الأمن، واضحة ومباشرة. وقد قال البلتاجي من على منصة رابعة: "هذا الذي يحدث في سيناء، سيتوقف في اللحظة التي يعلن فيها عبد الفتاح السيسي عودة الرئيس المعزول إلى ممارسة سلطاته". كما أنّ تهديدات قادة الجماعة والمصطفين معهم مثل صفوت حجازي، وعاصم عبد الماجد، لم تتوقف، بل كانت تعبوية لشن هجمات بحق المعارضة و"سحقها"، على حدّ تعبير حجازي الذي هدد قائلاً: "أقولها مرة أخرى، الرئيس محمد مرسي الرئيس المصري اللّي هيرشه بالميّة هنرشه بالدم". وتابع: "الأغبياء أدخلوا رقبتهم تحت المقصلة، ولا بدّ أن ندوس الآن على السكين".
وعطفاً على ما سبق، يقول الباحث المختص في شؤون الإسلام السياسي عبد السلام القصاص: إنّ ما ذكره مؤخراً السفير نبيل فهمي يكشف عن دور مشبوه من التواصلات أو التواطؤ ضد الدولة المصرية من قبل جماعة الإخوان وامتداداتها الإقليمية والخارجية، لافتاً في حديثه لـ (حفريات) أنّ مؤسسات وأجهزة الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، عبّرت عن إرادة المصريين، ووضعت ذلك أولوية إلى جانب رؤيتها الدفاعية عن ثوابت الأمن القومي المصري، ولم تُلقِ بالاً لكل "التهديدات العبثية من إدارة أوباما"، وهنا "يتعين الالتفات إلى دور الإمارات المهم والمؤثر عبر الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي لتوضيح الصورة في الأروقة الدولية والمنظمات الأممية، وتأكيد حقيقة الموقف الذي تتصدى له القاهرة".
عبد السلام القصاص: إنّ ما ذكره مؤخراً السفير نبيل فهمي يكشف عن دور مشبوه من التواصلات أو التواطؤ ضد الدولة المصرية من قبل جماعة الإخوان وامتداداتها الإقليمية والخارجية
ويؤكد القصاص أنّ منصة رابعة كانت "بؤرة إجرامية"، بل إنّ التنظيم لجأ إلى القوى الراديكالية التي تؤمن بحمل السلاح، مثل أعضاء وقادة الجماعة الإسلامية، ومجموعة "حازمون"، بهدف بث الخوف لدى الشعب والقوى المدنية، فضلاً عن توجيه رسالة مباشرة و"خشنة" لأطراف داخلية وخارجية بأنّ بديل الجماعة سيكون "السلفية الجهادية والجماعات المسلحة والتنظيمات التكفيرية".
ولهذا لم يكن تصدير طارق الزمر وعاصم عبد الماجد وصفوت عبد الغني، وهم المعروفون بتاريخهم الحافل بالعنف والجرائم الإرهابية، أمراً عبثياً بل عملية مقصودة ومصنوعة لبعث رسائل إلى الداخل والخارج. وقد هدد الزمر من على المنصة قائلاً: "سيكون هذا اليوم الضربة القاضية لكل المعارضة، والذين دعوا إلى مظاهرات 30 حزيران (يونيو) كفروا بالصندوق، لقد توعدونا، لكنّهم سيسحقون جميعاً"، وهو تهديد واضح من الإرهابي السابق بسحق المتظاهرين السلميين".
وسبق لوزير العدل المستشار عمر مروان أن صرّح بأنّ "اعتصام رابعة العدوية الذي كان ينظمه جماعة الإخوان الإرهابيين، اعتصام مسلح، وهذا ما تم إثباته من قبل لجنة تقصّي الحقائق". وقال: إنّ "كاميرات المراقبة داخل مسجد رابعة العدوية رصدت أسلحة وذخائر كانت بحوزة الجماعة الإرهابية، بالإضافة إلى أنّ كاميرات المراقبة التي كانت في محيط الاعتصام المسلح رصدت أسلحة كانت بحوزة المتواجدين بالاعتصام، مؤكداً أنّه تم عمل ممرات آمنة لخروج المعتصمين، ولم يتم القبض على أحد منهم".
وشدد وزير العدل على نقطة لافتة ومركزية بأنّ "أول شهيد كان ضابط شرطة قامت جماعة الإخوان بقلته قبل الساعة 7 صباحاً بالرصاص داخل اعتصام رابعة العدوية، ولا يوجد لدى الإخوان دليل واحد أنّ لديهم أيّ واحد تم قتله من قبل رجال الشرطة قبل الساعة 7 صباحاً في يوم فضّ الاعتصام". مشيراً إلى أنّ عدد الوفيات الذين سقطوا في الفض يتراوح بين (300 و400) شخص، وأسباب الوفاة كانت ناتجة عن القتل بالرصاص من الإمام إلى الخلف ومن الخلف إلى الأمام، وهذا يؤكد أنّ الاعتصام كان مسلحاً. وذكر أنّ "الممرات الآمنة كانت لخروج الجميع من الاعتصام، ولم يتم القبض على أحد منهم، موضحاً أنّ كاميرات مسجد رابعة فضحت جماعة الإخوان، وتم رصد أسلحة وذخيرة بحوزة الجماعة الإرهابية".
وختم عمر مروان حديثه قائلاً: "أتحدى أيّ شخص من جماعة الإخوان أن يقدم شهادات الوفاة للذين يزعموا أنّهم توفوا في اعتصام رابعة، أين شهادات الوفاة؟ فالطب الشرعي لا علاقة له بانتماء الشخص المتوفى، ولكنّه ينظر إلى الجثة فقط".
وبالعودة إلى القصاص، يوضح أنّ العنف لدى جماعة الإخوان استراتيجية يتم تبنيها طوال الوقت، وحتى بعد كل الأعوام الماضية على سقوطهم، مشيراً إلى أنّ "الموت وتضخيم ما يتم وصفه بالشهادة، إنّما هو لتكريس شرعية التنظيم وجمع الوفاء حول قيادته، لا سيّما في ظل حالة التفكك والسيولة التي يقع تحت وطأتها، ولهذا كان المشهد المصنوع في رابعة والنهضة يتبع الغرض ذاته، رغم التحذيرات كافة التي سبقت الفض والتعامل الأمني الحذر في ظل حجم السلاح الموجود داخل منطقة سكنية تعج بالمدنيين، ويضاف إلى ذلك صناعة مشاهد أخرى مثل "الرئيس الشهيد" لتحويله إلى أيقونة يتم تحميلها معاني التضحية واستجداء الوفاء للجماعة". غير أنّ تلك المحاولات التلفيقية حتماً تفشل المرة تلو الأخرى، في ظل حقائق جمّة تؤكد بهتان مزاعمهم، وتخصم أيّ رصيد شعبي لهم مع استعادة جرائمهم التي لا تُمحى".