
بعد فشلها الذريع في تقويض الانتخابات البرلمانية، وفشل خطتها الرامية إلى تعطيل المسار السياسي، ومحاولة إثارة الشارع البنغالي ضد حزب رابطة عوامي الحاكم، تواصل الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، الذراع السياسية للإخوان، تحركاتها المضنية من أجل العودة إلى المشهد السياسي، خاصّة بعد سحب تراخيص الحزب، والقبض على عدد كبير من كوادر الجماعة وقياداتها، إثر تورطهم في التخطيط لأعمال إرهابية، والمشاركة في أحداث عنف سياسي متنوعة.
وفي محاولة لالتقاط أطراف الخيط من جديد، أصدر الأمين العام للجماعة الإسلامية البنغالية، ميا غلام بروار، بياناً دعائياً في 16 حزيران (يونيو) أعرب فيه عن "قلقه العميق إزاء الوضع الناجم عن إطلاق الرصاص على القوارب البنغالية في نهر ناف من جهة ميانمار، وأدان الدور الصامت للحكومة"، بحسب مزاعمه.
وتابع: "يتم إطلاق النار على القوارب البنغالية كل يوم تقريباً في نهر ناف، ونتيجة لذلك توقفت حركة جميع أنواع القوارب، وأصبح سكان سانت مارتن محاصرين اقتصادياً، في ظل النقص في الغذاء والدواء والسلع اليومية، وسط حالة كبيرة من القلق العميق والارتباك بين سكان الجزيرة".
تواصل الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، الذراع السياسية للإخوان، تحركاتها المضنية من أجل العودة إلى المشهد السياسي
وزعم بروار أنّ الحكومة البنغالية لم تتخذ أيّ إجراء فعال حتى الآن، على الرغم من وجود اضطرابات شديدة في جزيرة سانت مارتن. وأنّها بذلك، أي الحكومة، قد أخلت بمسؤولياتها الرئيسية، وعلى رأسها ضمان استقلال وسيادة البلاد، وحماية حياة وممتلكات المواطنين.
وانتهز زعيم الإخوان الفرصة، ليزعم أنّ الحكومة وصلت إلى الحكم عبر انتخابات وهمية، وبالتالي فهي غير مؤهلة للقيام بأيّ دور للوفاء بهذه المسؤوليات.
جهود بنغالية مضنية لمواجهة عصابات التهريب
جدير بالذكر أنّ قوات حرس الحدود البنغالية BGB تنتشر بشكل قوي حول المنافذ والمعابر الحدودية التي تربطها بميانمار، وتحاول تنظيم وصد عمليات الهجرة المتفاقمة، في ظل الحرب المشتعلة بين جيش أراكان الانفصالي (ARSA)، والجيش في ميانمار، وقد أصبحت مخيمات اللاجئين بيئة خصبة للفقر والمرض وكلّ أشكال الجريمة.
تُعدّ التوغلات المتكررة التي تقوم بها القوات الهاربة من القتال في ميانمار جزءاً من نمط متكرر يشهده جنوب شرق بنغلاديش
وتنشط جماعات التهريب بشكل لافت عبر نهر ناف، الأمر الذي دفع السلطات من الطرفين إلى ملاحقة المهربين، وإغلاق الممر المائي، بعد ضبط شحنات هائلة من المخدرات حاول المهربون إدخالها تحت غطاء القتال على الجانب الخاضع لميانمار من النهر.
وتنشط العصابات المسلحة، التي ينتمي بعضها إلى الجماعات الانفصالية الإسلاموية، في تهريب حبوب الميثامفيتامين، أو "يابا"، وهي من المنشطات التي يتم ضبطها على نطاق واسع في بنغلاديش، وهي عبارة عن عقار اصطناعي رخيص الثمن ويسبب الإدمان بشدة، ووفقاً لإدارة مكافحة المخدرات في بنغلاديش (DNC)، تقع معظم مختبرات إنتاج "يابا" في ولايتي شان وكاشين، على طول الحدود بين ميانمار والصين.
ونظراً لتخوفها الشديد من انتشار اليابا، عدلت بنغلاديش قانون مكافحة المخدرات في العام 2018، ليشمل بنداً ينص على عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة، كعقوبة لإنتاج وتجارة واستخدام (200) جرام أو أكثر من اليابا، أو أكثر من (25) جراماً من الهيروين والكوكايين.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنّ ميانمار أصبحت الآن أكبر منتج للأفيون في العالم، وتقدّر المساحة المزروعة بالأفيون في عام 2023 بـ (47100) هكتار، ارتفاعاً من (40100) في العام السابق، ومن المقدّر أن يصل الإنتاج إلى (1080) طنّاً، أي أعلى بنسبة 36% من تقديرات عام 2022. وأفاد مكتب الأمم المتحدة أنّ أهم الزيادات سُجلت في ولاية شان، التي تقع فيما يسمّى بالمثلث الذهبي، وهي مركز لإنتاج المخدرات وتهريبها، الأمر الذي يضاعف الضغوط على بنغلاديش، ويدفعها مراراً إلى إغلاق المعابر الحدودية.
الجماعات الإسلامية المسلحة تستنزف مجتمع اللاجئين
على الرغم من أنّ جزيرة سانت مارتن تخضع لسلطة بنغلاديش، إلّا أنّها لا تبعد سوى (8) كيلومترات عن ساحل ميانمار. ويحدّ الأجزاء الجنوبية والغربية من الجزيرة مساحة واسعة من خليج البنغال، بينما يواجه الساحل الشمالي البرّ الرئيسي لبنغلاديش. وتبعد الجزيرة حوالي (9) كيلومترات عن تكناف، وهي منطقة فرعية في كوكس بازار، وإلى الشرق من سانت مارتن تقع ولاية أراخين في ميانمار، والتي كانت مؤخراً مسرحاً لقتال عنيف بين جيش ميانمار وجيش أراكان، وهو أحد المنظمات العرقية المسلحة العديدة التي انضمت إلى المقاومة ضدّ المجلس العسكري الحاكم، والتي تتألف من جيش أراكان، وجيش التحرير الوطني، وجيش التحالف الديمقراطي الوطني في ميانمار.
الحكومة البنغالية لم تتخذ أيّ إجراء فعال حتى الآن، على الرغم من وجود اضطرابات شديدة في جزيرة سانت مارتن
وفي 11 حزيران (يونيو) أطلقت مجموعة مسلحة مجهولة من ميانمار النار على قارب سريع متجه إلى الجزيرة على طول نهر ناف. علاوة على ذلك شن تجار المخدرات هجمات متفرقة على القوارب، ممّا أدى إلى عزلة الجزيرة.
ومع تفاقم الأزمة في الجزيرة، في ظل الضغط العسكري من الجانب الآخر، نجحت الحكومة البنغالية في تسيير قافلة بحرية محملة بالطعام والضروريات اليومية الأخرى، عبر منطقة كوكس بازار. كما وفرت عدداً من وسائل النقل، من البر الرئيسي وإليه، من أجل علاج المرضى، ونقل الضروريات إلى الجزيرة؛ الأمر الذي يدحض مزاعم وادعاءات الأمين العام للجماعة الإسلامية البنغالية.
وتُعدّ التوغلات المتكررة التي تقوم بها القوات الهاربة من القتال في ميانمار جزءاً من نمط متكرر يشهده جنوب شرق بنغلاديش، والذي بات يتعرض لهجمات عشوائية مستمرة، بما في ذلك إطلاق النار، وقذائف الهاون، وحتى الهجمات بالطائرات الحربية من قوات جيش ميانمار لملاحقة الانفصاليين. وتواجه منطقة تلال شيتاغونغ، وهي منطقة شديدة التسليح ومتنوعة عرقياً، توترات متزايدة نتيجة لهذه التطورات.
بالتزامن مع ذلك، تشهد المخيمات الضخمة في بنغلاديش، التي تؤوي ما يقرب من مليون لاجئ من الروهينغا، تصاعداً في أعمال عنف العصابات، ممّا أدى إلى مقتل العشرات، ويواجه مجتمع اللاجئين الروهينغا في بنغلاديش أعمال عنف متزايدة من قبل العصابات الإجرامية، والجماعات الإسلامية المسلحة العاملة داخل المخيمات، والتي تسعى إلى فرض سيطرتها وجمع الإتاوات وتجنيد الأطفال، ولا تتورع عن ارتكاب شتى صنوف الجريمة؛ بما في ذلك القتل والاختطاف والتجنيد القسري والتعذيب والاغتصاب والزواج القسري والاتجار بالبشر، وقد استنزف ذلك السلطات البنغالية التي تعمل على توفير الدعم والحماية الكافية لهذه المخيمات.
سمّى ضحايا الهجمات عدة مجموعات بأنّها مسؤولة عن ارتكاب الفظائع داخل المخيمات وعلى رأسها جيش إنقاذ روهينغا أراكان ومنظمة تضامن الروهينغا (RSO) وعصابة مونا وإسلامي مهاز
هذا وقد سمّى ضحايا الهجمات عدة مجموعات بأنّها مسؤولة عن ارتكاب الفظائع داخل المخيمات، وعلى رأسها جيش إنقاذ روهينغا أراكان، ومنظمة تضامن الروهينغا (RSO)، وعصابة مونا، وإسلامي مهاز، وجماعات أخرى. الأمر الذي يطرح قضية النضال ضدّ الحكم العسكري في ميانمار للتساؤل، في ضوء انحراف الجماعات المقاومة، والمنادية بحقوق المسلمين المهدرة، عن أهدافها المعلنة.
من جهتها، أفادت وزارة الدفاع البنغالية أنّ هناك ما لا يقل عن (11) مجموعة مسلحة تعمل داخل مخيمات اللاجئين، الأمر الذي يتطلب يقظة دائمة، لكن مع استفحال الأمر لم يعد بمقدور الأمن البنغالي التقدم داخل المخيمات إلى مسافات طويلة، بحيث أصبحت الأخيرة أشبه بدولة موازية، تحكمها عصابات وجماعات إسلامية شديدة الخطورة.
ولا يبدو أنّ بنغلاديش بمقدورها وحدها التصدي لهذا الطوفان الهائل من التهديدات، في ظل وحشية النظام العسكري الحاكم في ميانمار، وتربص الإخوان في الداخل، وكذا أنشطة العصابات والجماعات الإرهابية داخل مخيمات اللاجئين الروهينغا، وقد بات الأمر يتطلب تضامناً آسيوياً لنزع فتيل قنبلة موقوتة، قد تنفجر سريعاً في وجه الجميع.