محمد حمادة الأنصاري: المغرب والإمارات دولتان رائدتان في نشر قيم السلام والتسامح

محمد حمادة الأنصاري: المغرب والإمارات دولتان رائدتان في نشر قيم السلام والتسامح

محمد حمادة الأنصاري: المغرب والإمارات دولتان رائدتان في نشر قيم السلام والتسامح


19/06/2024

أجرى الحوار: حامد فتحي

ترتبط دول غرب أفريقيا بالإسلام وبالثقافة العربية منذ القرون الأولى للبعثة النبوية، من خلال الاتصال الجغرافي والحضاري والتجاري بين تلك الدول وإقليم شمال أفريقيا، وعرفت دول غرب القارة إمارات وممالك إسلامية مزجت بين الإرث التاريخي لشعوب القارة السمراء، وبين الثقافة الإسلامية العربية.

وما يزال هذا الاتصال حاضراً، في جوانبه الإيجابية من تبادل المعرفة والعلوم والعلاقات بين الشعوب والعلاقات الاقتصادية، ووقفت، وما تزال، البلدان العربية وهذه الدول جنباً إلى جنب في محطات تاريخية مهمّة، منها التحرر من الاستعمار ومساندة الحقّ الفلسطيني، ولكن من جانب آخر نالت هذه الدول نصيباً من أزمات العالم العربي، وعلى وجه الخصوص التطرف الديني الذي تحول في جزء منه إلى جماعات عنف مسلحة توظف الدين لإجبار المجتمعات على رؤى لا تمّت إليه بصلة.

وكان لدولة مالي نصيبٌ كبير ممّا سبق، من الثراء والتبادل الحضاري، ونصيبٌ من الأزمات  التي تتمثّل اليوم في الحضور الكبير للتنظيمات الإرهابية، مثل تنظيمي (القاعدة وداعش).

وللوقوف بشكل تفصيلي على هذا الالتقاء والتلاقح، حاورت (حفريات) السيد محمد حمادة الأنصاري، رئيس مؤسسة محمد السادس من أجل السلام والتسامح بجمهورية مالي، وهو من مواليد العام 1976 في مدينة (تمبكتو)، جوهرة الصحراء الكبرى، وإحدى قلاع العلوم الإسلامية في غرب القارة، حول جهوده والمؤسسة في نشر مبادئ وقيم السلام والتسامح والمحبة والتعايش السلمي في مالي وغرب القارة، وتعزيز العلاقات الأخوية بين مالي والمغرب.

نصّ الحوار:

عرّفنا بمؤسسة محمد السادس من أجل السلام والتسامح في دولة مالي.

تأسست المؤسسة عام 2018 بجهة (تمبكتو)، شمال مالي، واختارني المؤتمر التأسيسي لرئاسة المكتب التنفيذي، الذي يضم خيرة من شباب هذه الجهة. وجاء إطلاق اسم محمد السادس - حفظه الله ورعاه - على المؤسسة اعترافاً بالجهود الجبارة والمتميزة التي يقوم بها جلالته لخدمة الإنسانية في القارة الأفريقية، وخاصة في جمهورية مالي، وأيضاً تكريماً للعلاقات التاريخية والدينية والإنسانية بين سكان تمبكتو والعرش المغربي، الذي ندين له بروابط البيعة والولاء. ونحن بصدد الحصول على موافقة السلطات المغربية على تأسيس مكتب المؤسسة التنفيذي في المغرب، ولدينا ممثلون في الدول العربية والأوروبية ودول الجوار.

ما رؤية وأهداف المؤسسة؟

بدايةً، لا بُدّ من التأكيد على أنّ المؤسسة منذ تأسيسها لها رؤية واضحة وبرامج محددة، تهدف إلى خدمة قيم السلام والتسامح والمحبة، والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب، ومكافحة التمييز والعنصرية والتعصب، والتطرف الديني والعرقي والطائفي، وتعزيز التعارف بين الثقافات والمجتمعات المُحبة للسلام، وتعزيز روابط التعاون وتوطيد العلاقات بين هذه المجتمعات.

ولتحقيق هذه الرؤية لدينا فريق من العديد من البلدان الصديقة والشقيقة، ومن بينها جمهورية مصر العربية، التي تمثّلنا فيها الدكتورة سميرة لعشيري، وهي موظفة في جامعة الدول العربية، وناشطة مدنية، ولها دور في تعزيز العلاقات غير الرسمية بين مصر والمغرب.

يلاحظ المتابع انتشاراً واسعاً للفكر الديني المتشدد بين العديد من الناطقين بالعربية في دول غرب القارة، واستدعاء جدالات دينية قديمة لم تجلب سوى الحروب والكراهية بين المسلمين، فكيف تفسرون هذه الظاهرة؟

هذه الظاهرة سببها الأول والرئيسي هو الجهل والتخلف والحسد والكراهية، التي يحولها البعض إلى أسلحة يستخدمونها في الخصومات بينهم، وهو ما يتنافى مع ديننا الإسلامي الحنيف وقيمنا الإنسانية. ولبناء المستقبل والاهتمام بالأجيال الصاعدة وتأمين مستقبل يلبي تطلعاتهم، ويعالج قضاياهم، علينا أن نحارب مثل هذه الظواهر السلبية التي تُسيء إلينا كبشر، والعمل على إنقاذ العالم من ويلات الإرهاب والتطرف والكراهية، وأن نتكاتف لخدمة البشرية، أينما وُجدت، مصداقاً لقوله تعالى: "وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" (المائدة: 2)

تعاني مالي من ويلات الإرهاب المتمثّل في تنظيمي (القاعدة وداعش)، فكيف وجدت هذه الجماعات بيئةً للانتشار والتوسع في غرب أفريقيا؟

ظهرت هذه الجماعات الإرهابية المسلحة المدعومة خارجياً منذ أعوام لزعزعة أمن واستقرار هذه الدول، واستغلت الظروف الصعبة التي يعاني منها سكان هذه المناطق لتنفيذ خططها ومشاريعها المدمرة، واتجهت إلى تجنيد ضعاف النفوس من خلال منحهم المال والسلاح، لتدمير البيئة التي يسكنون فيها، وخلق الرعب والهلع داخل هذه المناطق، حتى يتمكنوا بسهولة من تنفيذ مخططهم، خدمةً لأجندات خارجية.

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت المشاكل الداخلية التي تواجه دول غرب القارة، والاضطرابات السياسية والأمنية الناتجة عن تكرار الانقلابات العسكرية، في إضعاف سيادة الدولة، ممّا وفّر بيئةً خصبةً للجماعات الإرهابية للانتشار والتوسع، مستفيدةً من الموارد الطبيعية في تلك البلاد.

وقد اتخذت السلطات الحاكمة الجديدة في مالي إجراءات أمنية مشددة، ساهمت في تقليص وجود هذه الحركات المتمردة، وفاعلية عملياتها العسكرية، بعد استرجاع مدينة كيدال، شمال البلاد، التي كانت تخضع لسيطرتها منذ 2012، وأيضاً ساهم طرد فرنسا من المنطقة، وإعادة النظر في العلاقات مع الجزائر في وضع رؤية وطنية لعلاج مشكلاتنا، دون إملاءات من قوى إقليمية وأوروبية. وتكتمل تلك التغيرات في لجوء السلطات في مالي إلى فتح حوار وطني ـ وطني، يهدف إلى تحقيق السلام الداخلي، ودحض الفرقة والانقسام، والحفاظ على وحدة البلاد.

ما دور المؤسسة في مواجهة التطرف الديني في مالي؟

تحدثنا عن رسالة المؤسسة وقيمها، ولدينا نهج متكامل لعلاج التطرف، ومنه أنّنا نعمل مع الشركاء من داخل مالي وخارجها على تشجيع الاستثمار، وخلق فرص الشغل، وتطوير المنظومة التربوية، في المناطق الأكثر فقراً، والدعوة إلى إيجاد سياسة فلاحية بناءة، من خلال تقديم النصائح والإرشاد والتوعية للفلاحين في المناطق التي تنتشر فيها الخلايا الإرهابية النائمة. جنباً إلى ذلك، نقدم الدعم للجيش الوطني المالي في حربه ضد الإرهاب، حتى يتم تطهير البلاد من هذا الفيروس الخطير، ونسعى لتمكين اللاجئين من أبناء وطننا في دول الجوار، الذين نزحوا بسبب تهديدات الجماعات المتطرفة، من العودة إلى مساكنهم للعيش والاستقرار في أمن وسلام. 

ونحن في مؤسسة محمد السادس من أجل السلام والتسامح نقف إلى جانب الأصوات المدافعة عن السلام والمحبة والتعايش السلمي، الداعية إلى نبذ كل أشكال التطرف وحركاته، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، ونسعى لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك بين الدول المحبة للسلام، وتنظيم الأنشطة والمناسبات الرامية إلى تعزيز ذلك. 

ما دوركم في توعية النشء المسلم بقيم التسامح والسلام؟

نعمل على تنظيم لقاءات وأنشطة بمشاركة مختصين وأكاديميين، وفق برامج تربوية تخاطب هذه الفئة المهمة، ونعرّفهم بمؤسستنا وبرامجها المنفتحة، وأهدافها الراعية للخير والمحبة والسلم، ونعمل على دعم هذه الفئات المحرومة، بما ينسجم مع تعاليم ديننا الحنيف، ونهتم بتعزيز البرامج التعليمية ومحاربة الجهل والتخلف والبطالة، وتقديم المنح الدراسية لطلبة العلم للدارسة في الخارج. 

ما العلاقة بين مؤسستكم والهيئات الدينية في المغرب؟

لدينا علاقات طيبة وتعاون مشترك مع هذه الهيئات الدينية المغربية، ونتطلع للاستفادة من التجربة المغربية في شتى المجالات، وخاصة الشأن الديني، بحكم أنّ المؤسسة الدينية في المغرب وهي إمارة المؤمنين، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس - نصره الله وأيّده - تُعتبر صمام أمان، وركيزة أساسية للهوية الوطنية المغربية والأفريقية وروافدها المتعددة.

وتشارك مؤسستنا في العديد من اللقاءات والفعاليات التي تنظمها الهيئات المغربية داخل المغرب وخارجه، وتجمعنا اتفاقيات شراكة وتعاون بشأن برامج دراسة الماجستير في الدبلوماسية الدينية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، والمعهد الجامعي للدراسات الأفريقية والأورومتوسطية، والإيبيرية الأمريكية، والمنتدى الأفريقي للتنمية وأبحاث الجغرافيا والاستراتيجية، ومركز ابن بطوطة للدراسات والأبحاث العلمية والاستراتيجية، ومهرجان الوادي للإبداع بالداخلة بالصحراء المغربية، ومهرجان تراكالت الدولي بمحاميد الغزلان، بإقليم زاكورة، بالإضافة إلى عدة اتفاقيات مع مؤسسات المجتمع المدني التي تشاركنا الأهداف المشتركة نفسها.

كما أنّنا نشارك في كل الأنشطة والفعاليات التي تنظمها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في دولة مالي، ونتطلع للاستفادة من التجربة المغربية في المجتمع المدني وتأهيل الدبلوماسية الثقافية والدينية لخدمة تطلعات شعوب المنطقة.

كيف تنظرون إلى جهود دولة الإمارات في نشر ثقافة السلام والتسامح والتقريب بين الأديان والمذاهب؟

نثمن كل المبادرات والجهود المبذولة والمتواصلة من طرف الدول الصديقة والشقيقة، لخدمة قيم الإنسانية العادلة ومكافحة التطرف والغلو، واحترام حقوق الإنسان والحرية والكرامة والحرية الدينية. ودولة الإمارات العربية المتحدة من الدول التي تجمعها بجمهورية مالي علاقات قوية ومتعددة الأبعاد، تعكس عمق أواصر الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين الشقيقين.

هل لديكم نشاطات توعوية وعلمية في دول غرب القارة؟

نعمل وفق الإمكانيات المتوفرة لدينا على خلق برامج وأنشطة تعود بالنفع على المواطنين في هذه الدول، من خلال سنّ سياسة التواصل والإنصات، وتنفيذ برامج ثقافية وتدريبية تهم الشباب بالدرجة الأولى، الذين يُعتبرون عمود المجتمع وأساس نهضة الأمم. ولممثلي المؤسسة في الخارج حضور وازن وفعال في جميع الأنشطة والفعاليات العلمية والثقافية والإنسانية، ولهم دور في دعم التعليم والابتكار ونشر المعارف، ونشر الوعي والثقافة المدنية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية