الصحوة الغربية ضد النزعات الانفصالية للإخوان

الصحوة الغربية ضد النزعات الانفصالية للإخوان

الصحوة الغربية ضد النزعات الانفصالية للإخوان


19/06/2024

ضربات متلاحقة في فرنسا تشهدها جماعة الإخوان، المصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، بينما تضطلع الأجهزة الأمنية بمهام مكثفة لتقويض أنشطتهم ومراقبة أدوارهم وتوغلهم المجتمعي، وخاصة من خلال المراكز الثقافية والمجتمع المدني، وذلك مع الخطط القانونية لتتبع شبكاتهم المالية وأين تتحرك الحقيبة المالية وأغراضها المتفاوتة.

الصحوة الغربية ضدّ الإسلاموية

اللافت في "الصحوة الغربية"، إن جاز التعبير، بعد أن كانت البلدان الأوروبية ملاذات للعديد من الشخصيات الإسلاموية وقادة الجماعة الإرهابية، أنّ هناك متغيرات ملحة باتت تفرض نفسها في ديناميكيات السياسة بأوروبا، وتجعل المخاوف تزداد لجهة ضرورة وضع ضوابط محددة، ومجابهة هذا النشاط المريب، وذلك بعد اتساع قواعدهم وتنامي وجودهم بأوزان متفاوتة. وقد كان بمقدور القوى الإسلاموية الاستفادة من هامش الحرية والقوانين المرتبطة بالمجتمع المدني لتدشين مراكز ومنتديات ثقافية وخيرية وتنموية، فضلاً عن التحرك في الفضاء المجتمعي العام بحرية ومرونة لنشر دعايتهم وأفكارهم بطريقة خفية لا تبرز مكامن العنف، وآليات التشدد، وأنماط التكفير. وهي الخبيئة التي تكشفت مؤخراً أو ظهرت للعلن عندما ضاقت المتناقضات، وتحولت إلى وسيلة عنف مباشر وابتزاز وضغط، كما يجري بعد حرب غزة. 

بعد أن كانت البلدان الأوروبية ملاذات للعديد من الشخصيات الإسلاموية وقادة الجماعة الإرهابية، أنّ هناك متغيرات ملحة باتت تفرض نفسها في ديناميكيات السياسة بأوروبا، وتجعل المخاوف تزداد

وفي أحدث الخطوات الإجرائية المهمة بهذا الصدد، شارك باحثون من مركز (تريندز) للبحوث والاستشارات في مائدة مستديرة بأوراق بحثية، بدعوة من مجلس الشيوخ الفرنسي، عقدها المجلس حول جماعة الإخوان المسلمين، بمقره في قصر لوكسمبورغ  بقاعة Monory، وذلك في إطار مهمة تحقيق واسعة حول نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا. ومثل (تريندز)، بحسب المنصىة الإلكترونية، في هذه المائدة كلّ من الباحثين الرئيسيين الدكتور وائل صالح، والأستاذ حمد الحوسني، وبمشاركة الدكتور أوليفيه فيال، مدير مركز الدراسات الجامعية بفرنسا، والدكتورة مورجان دوري الأستاذة بجامعة بيكاردي جيل فيرن بفرنسا، وأدار الجلسة السيناتور بمجلس الشيوخ الفرنسي ناتالي جوليه.

وعرض وفد (تريندز) أمام الجلسة "مؤشر قياس نفوذ الإخوان المسلمين على المستوى الدولي"، والذي أطلقه بعدة لغات، وقد حظي المؤشر بإشادة كبيرة من الحاضرين الذين أثنوا على الجهد البحثي والفكري المبذول في إعداده، إضافة إلى تميزه بمنهجيته الجديدة وقدرته على قياس قوة نفوذ الجماعات الدينية والإيديولوجية من خلال مقاربات كميّة، وقد حرص الجميع على الحصول على نسخة من المؤشر.

حوار حول نفوذ الإسلامويين بالغرب 

أكد الدكتور محمد العلي، الرئيس التنفيذي لمركز (تريندز)، أنّ هذه الدعوة تؤكد ريادة المركز وعالمية رؤيته وانخراطه في حوار بحثي أكاديمي، مشيراً إلى أنّ مشاركة (تريندز) بدعوة من مجلس الشيوخ الفرنسي، تأتي في سياق إطلاق الحكومة الفرنسية مهمة تحقيق واسعة حول نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا؛ وذلك لتقييم قوة الجماعة في البلاد، وارتباطاتها بالفروع الأخرى في العالم، وهو ما يُعدّ خطوةً غير مسبوقة في تاريخ نظرة الدولة الفرنسية للجماعة.

وأشار العلي إلى أنّ تلك الدعوة تأتي أيضاً في سياق إطلاق مركز (تريندز) للمؤشر الدولي حول نفوذ الإخوان، والذي مثل طفرة بحثية؛ نظراً لأنّه النموذج الأول من نوعه لقياس قوة ونفوذ الجماعات الدينية؛ وذلك من خلال مقاربة تجمع بين المناهج الكمية والكيفية ومؤشرات رئيسية وفرعية قادرة على قياس أدق أوجه القوة والنفوذ لجماعة الإخوان في (50) دولة تمثل وتغطي جميع قارات العالم.  

من جانبه، أشار الدكتور وائل صالح إلى أنّ هذا تطبيق عملي لما طالب به المركز من حتمية البدء في حوار أكاديمي وبحثي بنَّاء؛ لفهم أفضل لظاهرة الإسلاموية، موضحاً أنّه على الرغم من أنّ الإسلامويّة شغلت بال الكثير من الباحثين منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، فإنّها لم تُدرس بعد بشكل كافٍ لسبر أغوارها، وتفكيك الأفكار النمطية حولها، وحسم الجدل بشأنها.

كما أوضح الدكتور صالح خطورة جماعة الإخوان من خلال ما أُطلق عليه "متلازمة الإخوان المسلمين"؛ أي مجموعة العلامات والأعراض والظواهر المرتبطة ببعضها بعضاً، والتي تلازم وتَنتج عن أيّ وجود لهم في الفضاء العام، وتتنافى مع القيم الأساسية للمواطَنة والعيش المشترك؛ ومن بينها احتكارهم الحقيقة والدين، وعزلة منتسبيهم الشعورية عن المجتمع، والاستعلاء بنمط تدينهم على المجتمع، وسيادة شعار "أينما توجد مصلحة الجماعة فثمّ وجه الله" في ممارساتهم السياسية، وتحوّل المجتمع إلى حالة الصراع الدائم، وسيادة مبدأ التكفير المبرر للعنف في نهجها، وغياب مفهوم المواطنة، وسيادة فكرة ولاء الفرد للجماعة وامتداداتها العابرة لحدود الدولة الوطنية.

وقدّم الدكتور صالح الأسس الفكرية التي تعتمد عليها المقاربة المعتمدة في مركز (تريندز) لدراسة ظاهرة الإسلاموية؛ وهي "الإسلامويات التطبيقية" أو "Trends School"، التي تُعنى بتفكيك سرديات الإسلاموية عن نفسها ونقدها، وكذلك السرديات المتعاطفة معها بمقاربة نقدية علمية، مشيراً إلى أنّ جماعة الإخوان شهدت انخفاضاً حاداً في قوة نفوذها منذ عام 2021، فقد تراجعت القوة الشاملة للجماعة من 64% (قوي) إلى 48% (متوسط) في عام 2023، وذلك بحسب مؤشر قياس نفوذ الجماعة، الذي طوره باحثو تريندز.

تهديدات المجتمعات الموازية

إثر إشارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى "الانعزالية" الإسلاموية، والمخاوف جراء المجتمعات الموازية التي تشكلها هذه التيارات، بينما لا تحترم القيم اللائكية والعلمانية في فرنسا وكذا حريات المواطنين المدنية والحقوقية، أوضح وزير الداخلية جيرالد دارمانين أنّ تسلل الإخوان في البلاد لم يعد خافياً، حيث إنّ مظاهر وجودهم منتشرة في المدارس والجامعات والمؤسسات التي تزعم أنّ لها أنشطة تنموية وخيرية. ولذلك كشف درامانين عن وجود تحقيق شامل لمتابعة أنشطة قوى الإسلام السياسي، وهي مهمة يضطلع بها وزير أوروبا للشؤون الخارجية السفير فرانسوا غوييت والمحافظ باسكال كورتاد، وسيتعين عليهما تقييم الدور المشترك مع باقي  التنظيمات في فروعها بالعواصم الأوروبية. 

وهناك بعثة مكلفة بتتبع أنشطة الجماعة وروابطها وارتباطاتها المختلفة، فضلاً عن هياكلها، ومن المفترض أن تنتهي من تقريرها الرسمي الخريف المقبل، ويتضمن فهم الآليات التي تعمل بناء عليها في نشر الأفكار وتحقيق سياستها، ومراجعة ذلك مع سياسات فرنسا وخططها السياسية والأمنية الاستراتيجية لمكافحة النزعات الانفصالية. 

في حديثه لـ (حفريات) يوضح الكاتب الصحفي المقيم في فرنسا شيار خليل أنّ المبادرات الأمنية لمواجهة نشاط جماعة الإخوان باتت تتصاعد في أوروبا بوجه عام وفي فرنسا بوجه خاص، لا سيّما بعد الأنشطة "المريبة" التي تهدد تماسك المجتمعات من النواحي الثقافية والقيمية والقانونية. 

 

ويلفت خليل إلى أنّ مخاطر "الإسلاموية" تتخطى "النزعات الانفصالية" إلى "اكتشاف وجود كتل اجتماعية بمقدورها التهديد السياسي والأمني والتحرك وفق أجندات خارجية كما جرى مع أحداث غزة في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، وتتبنّى خطاب حماس وإيران الراديكالي، وهنا كانت بعض الاحتجاجات تقع في منطقة لا يمكن التعامل معها على أنّها سلمية، حتى لو لم تستعمل السلاح أو المقاومة العنيفة، لكنّها حتماً تتسبب في أذى مباشر لسياسات أوروبا وأمنها". 

وبالتالي، جرى تحرّي أنشطة المساجد والمدارس الدينية وإغلاق بعضها ممّا هو على صلة بأنشطة متشددة، وطرد الأئمة من "مروجي خطابات "محور الممانعة". 

وقد سبق للإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسية أن تعرفت على حوالي (20) صندوق هبات اعتُبرت أنّها تقوم بنشاطات تمويل مشبوهة، وفق ما ذكرت (مونت كارلو الدولية)، وقام وزير الداخلية جيرالد دارمانين بإطلاق التحقيق على نطاق واسع حول هذه الصناديق منذ خريف 2021، بعد صدور قانون مكافحة الانفصالية الذي ينص على احترام مبادئ الجمهورية. وكشفت التسريبات الخاصة بالتحقيق أنّ هذه الصناديق تمّ إنشاؤها منذ عام 2008 بجمع تمويلات خاصة، نظراً لأنّ صناديق الهبات لم تكن موضع رقابة دقيقة من السلطات، وقام الإسلام السياسي باستغلالها لتمويل نشاطاته المختلفة بعيداً عن الأضواء وعبر آليّة معقدة ومبهمة.

أدى التحقيق المعمق إلى رصد حوالي (20) صندوق هبات، وتم منع (8) منها، ومن بينها (4) صناديق صدرت بحقها شكاوى قضائية، ومنها "الصندوق الأوروبي للنساء المسلمات"، و"صندوق الكندي"، وصندوق "Apogée" أو "الأوج". وتمّت مطالبة (5) صناديق أخرى بالإجابة عن أسئلة السلطات وتقديم تفسيرات لطبيعة عملها وآلياته مثل صندوق "الوقف" وصندوق "التنوع للتربية والثقافة"، وقام المسؤولون عن صندوقين آخرين بإلغائهما فور تعرضهما للتحقيق. وعليه قامت السلطات، حتى الآن، بتجميد حوالي (25) مليون يورو من أموالهذه الصناديق المختلفة.

وتابع: "كشف التحقيق أنّ آلية التمويل تقوم على ارتباط صناديق الهبات هذه بمجموعة من الجمعيات المدنية المنشأة وفقاً لقانون 1901، أي أنّها جمعيات غير ربحية تنشط في مجالات الخدمات الثقافية والاجتماعية، كما ترتبط الصناديق من جانب آخر بمجموعة من الشركات العقارية لتشكل هذه المجموعات الـ (3) حلقة مغلقة، تقوم بموجبها الشركات العقارية بصبّ الأموال في صناديق الهبات، التي توزعها بصورة غير قانونية على الجمعيات المدنية المرتبطة بجماعة "الإخوان المسلمين"، وهي جمعيات تتولى رعاية المساجد التي تسيطر عليها الجماعة، وجمعيات تقوم بأنشطة اجتماعية وتربوية من خلال الإشراف على مدارس دينية وقرآنية، وتقديم نوع من الرعاية الاجتماعية والصحية. كما رصد التحقيق حوالي (10) شبكات تسيطر عليها جماعة "الإخوان المسلمين" وتمتد من مدينة ليل في الشمال حتى مدينة مارسيليا في الجنوب، مروراً بالمنطقة الباريسية ومنطقة بوردو. وتقوم هذه الشبكات بتقديم مختلف أنواع الرعاية للتابعين لها، بدءاً من توفير فرص عمل في شركات تسمح بارتداء الحجاب والتغيب لأداء صلاة الجمعة، ومروراً بتوفير معونات اجتماعية وصحية، وإقامة مدارس دينية وإقامة ورعاية المساجد، فيما يشابه مجتمعاً متكاملاً، مغلقاً على أفراده وموازياً للمجتمع الفرنسي.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية