النظام العالمي الذي تقوده أمريكا يحتضر… ما البديل؟

النظام العالمي الذي تقوده أمريكا يحتضر… ما البديل؟

النظام العالمي الذي تقوده أمريكا يحتضر… ما البديل؟


12/06/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

قبل (7) أشهر كتبت على هذه الصفحات أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن قضى إلى الأبد على النظام الدولي القائم على القواعد.

وعلى الرغم من أنّه ومسؤوليه جعلوا "القواعد" مصطلحاً محورياً في السياسة الخارجية لإدارته، فإنّ حقيقة أنّ هذه "القواعد" لا تنطبق بوضوح على أمريكا وحلفائها -وأبرزهم إسرائيل في حملتها الدموية على غزة- تعني أنّها أُفرِغت بالكامل من معناها، وأصبحت مرادفاً للنِّفاق الغربي في معظم أنحاء العالم.

ومنذ ذلك الحين توصَّل آخرون إلى النتيجة نفسها: أندرياس كلوث، رئيس التحرير السابق للمنظمة الأخبارية الألمانية (هاندلسبلات غلوبال) في شباط (فبراير)، وسبنسر أكرمان في صحيفة (نيويورك تايمز) في نيسان (أبريل)، وغيديون راشمان في صحيفة (فايننشال تايمز) الشهر الماضي، وإلبريدج كولبي، وهو محلل أمريكي لشؤون الدفاع ومرشح بشدة ليكون مستشاراً للأمن القومي إذا فاز دونالد ترامب بالسباق الرئاسي المقبل.

وقد نشر كولبي على موقع (إكس) قبل ما يزيد قليلاً عن أسبوع قائلاً: "أوافق تماماً على أننا يجب أن نتخلى عن المفهوم الضعيف والأعرج والمنافق المتمثل في النظام الدولي القائم على القواعد". ويفضِّل هو وراشمان العودة إلى فكرة "الدفاع عن العالم الحر".

لكنني أعتقد أنّ هذا سيكون طريقاً خطيراً، فهو ينشئ ثنائية غير ضرورية - يجب الدفاع عن "العالم الحر" ضد شيء آخر من المفترض أن يكون "العالم غير الحر"، مهما كان ذلك - ومن شأنه أن يضفي الطابع الرسمي مرة أخرى على كتلة غربية تُهيمن عليها أمريكا، التي يتضح تجاهلها للقانون الدولي الآن أكثر من أيّ وقت مضى. في الشهر الماضي أعلن رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون أنّه لا توجد هيئة دولية "فوق السيادة الأمريكية"، وفي يوم الثلاثاء صوت زملاؤه في الكونغرس على فرض عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية بسبب تسرعهم في التقدُّم بطلب لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وآخرين.

ومن بين المناطق التي تُشكِّل فيها القواعد والقوانين - أو الافتقار إلى القواعد والقوانين المتفق عليها عالمياً - أهمية حقيقية هي منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

في "حوار شانغريلا" الأسبوع الماضي في سنغافورة، التقى وزير الدفاع الصيني دونغ جون  بنظيره الأمريكي لويد أوستن، وكانت هذه أول محادثة شخصية بين هذين المسؤولين منذ انهيار الاتصال بين الجيشين في عام 2022، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايوان. لكن ما يزال هناك الكثير من الاختلافات على الطاولة. أشار دونغ إلى "الانتهاكات والاستفزازات" في بحار المنطقة، في حين ادعى أوستن أنّ أنشطة الصين هي "الاستفزازية".

إذا لم يكن لدينا نظام دولي يقوم على القواعد، ولا يمكننا الاعتماد على القانون الدولي في وقتٍ تستمر فيه الولايات المتحدة في القيام بالكثير لتقويضه - إمّا من خلال عدم التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات والقوانين، وإمّا الإصرار على أنّه ينبغي إعفاؤها هي وجميع حلفائها من مثل هذه القوانين - فإلى أين نتجه من هنا؟

البروفيسور أنتوني ميلنر، أحد الأكاديميين الأكثر تميزاً في أستراليا والمتخصص في آسيا، والذي كان الدعامة الأساسية لمناقشات "المسار الثاني" الدبلوماسية في المنطقة لعقود من الزمن، رَسَمَ طريقة جديدة للتعامل مع "وضع القواعد". إنّ نموذجه مخصص لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (أو منطقة المحيط الهادئ الهندية، كما يفضل البعض تسميتها الآن)، ولكن من الممكن تبنّيه على نطاق أوسع.

يقول: "من الأفضل أن تُقر نقطة الانطلاق نحو التفاوض على القواعد بالطابع متعدِّد الأقطاب المتزايد للمنطقة". ويوصي بتبنّي إطار "المبادئ المتناقضة" الذي يركز على (3) رؤى مختلفة للنظام، بدلاً من الادعاء بوجود عدسة مشروعة واحدة فقط:

أوّلاً: رؤية "منطقة حرة ومفتوحة في المحيطين الهندي والهادئ"، والتي ربما تكون اليابان قد أثارتها في الأصل في شكلها الحالي، ولكنّها أصبحت مرتبطة بموقف أمني أمريكي عدواني والتزام بنشر قيم هذه الرؤية في عهد ترامب.

ثانياً: الرؤية الصينية القائلة بـ "المجتمع العالمي للمستقبل المشترك"، التي تعارض "المواجهات القائمة على التحالف"، وتقول إنّ الدول "ينبغي ألّا ترسم خطوطاً على أساس إيديولوجي"، وتُعلِن احترام "تنوع الحضارات الإنسانية"، وحق الدول المختلفة في "استكشاف مسارات التنمية الخاصة بها".

ثالثاً: رؤية "رابطة أمم جنوب شرق آسيا" بشأن "آفاق المحيطين الهندي والهادئ"، التي تؤكد على بناء المجتمع والتوافق والشمولية واحترام الدول المختلفة - بغضّ النظر عن توجهاتها السياسية - والتفاوض السلمي.

ويشير البروفيسور ميلنر إلى أنّ "الصدامات بين المبادئ متأصلة في هذه الرؤى المتناقضة، لكنّ بعض الاختلافات في المبدأ تتعلق بمدى التركيز الذي ينبغي منحه لمبدأ معيّن، وليس بالضرورة وجود تعارض بين المبادئ".

باختصار، إذا أردنا صياغة قواعد جديدة، فلا بدّ أن تكون نقطة البداية هي الاعتراف بوجود نطاق أوسع كثيراً من وجهات النظر، مقارنة بتلك التي أدت إلى بناء النظام الجيوسياسي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولا بدّ من استيعاب هذا النطاق من وجهات النظر بطريقة أو بأخرى، وليس تسويتها، لأنّه إذا كان لنا أن نضع قواعد جديدة - وهي مطلوبة بكل تأكيد - فإنّها لن تنجح إلا إذا تقبلها الجميع.

وأرى أنّ هذا ينبغي أن يتضمن الاتساق حيثما أمكن، والتسوية عند الضرورة، وقبل كل شيء التركيز بلا هوادة على الحلول. ولنأخذ مثالاً واحداً: النزاعات في بحر الصين الجنوبي التي تشمل الصين وبروناي وماليزيا وفيتنام وإندونيسيا والفلبين. إنّ وجهة النظر الغربية لمثل هذه الصراعات واضحة المعالم: يجب أن تحكم محكمة مختصة في صحة المطالبات، وسيكون هناك رابحون وخاسرون. لكن لماذا لا ننظر إلى ماضي المنطقة بحثاً عن حلول أكثر إبداعاً؟

تاريخياً، كانت العديد من الحدود مائعة أو غير محددة بشكل جيد، وكثيراً ما كانت السلطة تُستنزف كلما ابتعدت عن العاصمة. لفترة من الوقت في القرن التاسع عشر لم تخضع كمبوديا لسيادة قوة واحدة فقط، بل لاثنتين من القوى الأخرى: سيام وفيتنام. ومن الممكن أن يعتمد شكل جديد من أشكال الملكية المشتركة على هذه التقاليد لحل الخلافات الحاصلة في بحر الصين الجنوبي. هل سيكون ذلك غير مُرضٍ للبعض؟ ربما، لكنّه سيكون أفضل من الصراع.

وربما هذه هي النقطة الأوسع. وسواء كنا ننظر إلى طرق جديدة لوضع القواعد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أو خارجها، فإنّ المطالبة بأن يكون طريقك هو الطريق الوحيد هي الطريق إلى الحرب. ورغبة في تجنب ذلك، كثيراً ما يُقال إنّ الدول في الجزء الذي أعيش فيه من العالم تعمل على "المراوغة" بين الولايات المتحدة والصين، وقد يكون ذلك صحيحاً جزئياً، لكنّه لا ينبع من الرغبة في عدم الاضطرار إلى الاختيار بين أحدهما أو الآخر فحسب، بل ينبع أيضاً من شعور حقيقي وعميق الجذور: لماذا يتعين علينا الاختيار أصلاً؟

لماذا في الواقع؟ إنّ اندفاع الكثيرين لتقسيم العالم إلى معسكرين متعارضين، مشتعلين للعراك، ما يزال يحيرني. إنّ طريق البروفيسور ميلنر للأمام يأخذ النهج المعاكس، إنّه نقطة انطلاق للتفاوض على القواعد. ألا يستحق الأمر المحاولة؟

المصدر:

شولتو بيرنز، ذي ناشيونال نيوز، 6 حزيران (يونيو) 2024

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية