
في خضم تطورات سياسية متواترة تعيشها تونس منذ 25 تموز (يوليو) 2021، وفق خارطة إصلاح انعكست بشكل مباشر على تقليص دور الإسلام السياسي داخل البلاد، أحيت حركة (النهضة) التونسية في 8 حزيران (يونيو) الجاري الذكرى الـ (43) لتأسيسها، وسط حالة من التأزم الشديد نتيجة الصراعات المحتدمة داخل الحركة، والتآكل المستمر لشعبيتها في الشارع السياسي التونسي.
وتواجه حركة (النهضة)، "الذراع السياسية لجماعة الإخوان في تونس"، التي حكمت البلاد مدة (10) أعوام منذ 2011، تواجه أزمة عميقة منذ عام 2021، وقد تفاقمت مع قرارات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) من ذلك العام، وتتجلى هذه الأزمة على عدة مستويات؛ أهمها فقدان النفوذ، فقد واجهت الحركة تراجعاً ملحوظاً في نفوذها السياسي بعد حلّ البرلمان وتعطيل الدستور من قبل الرئيس سعيّد.
إضافة إلى ذلك تعاني الحركة من انقسامات داخلية وصراعات ضارية حول أحقية القيادة بعد سجن زعيمها راشد الغنوشي، ممّا أدى إلى تراجع تماسكها، كذلك يتعرض قادة الحركة، بمن فيهم الغنوشي المحكوم بالسجن (3) أعوام، لملاحقات قضائية واتهامات بالفساد، كذلك شهدت الحركة تراجعاً كبيراً في قاعدتها الشعبية، خاصة بين الشباب؛ بسبب خيبة الأمل من أدائها في الحكم.
وعادة ما ارتبط اسم حركة (النهضة) بالتطرف داخل تونس، وتواجه الحركة اتهامات من قبل بعض الجهات السياسية والقوى المدنية بأنّها تمثل خطراً على التوجه الديمقراطي والعلماني في تونس، كما تُحمّل الحركة مسؤولية جزء من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها تونس، خاصة فيما يتعلق بالبطالة والفساد.
منازعة من أجل الوجود
بمناسبة ذكرى التأسيس، وفيما يصفه مراقبون بأنّه محاولة أخيرة لإثبات الوجود، والمنازعة حتى الرمق الأخير، قالت الحركة، في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على (فيسبوك): إنّها تجدد العهد مع التونسيين على الاستمرار في التمسك بمشروعها الوطني التحرري، والدفاع عن حقوق التونسيين والتونسيات ومكتسباتهم الاجتماعية والسياسية".
تواجه حركة (النهضة)، "الذراع السياسية لجماعة الإخوان في تونس"، التي حكمت البلاد مدة (10) أعوام منذ 2011، تواجه أزمة عميقة منذ عام 2021، تفاقمت مع قرارات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) من ذلك العام.
وقد دعت الحركة إلى إطلاق سراح من سمّتهم بـ "المعتقلين السياسيين"، لافتة إلى أنّ "تأسيس الحركة وإعلان مشروعها الفكري والسياسي مثلا في تلك المرحلة منذ حزيران (يونيو) 1981 استجابة طبيعية لتطلعات شعبنا للعدالة والحرية".
مخاض عسير
يرى الباحث السياسي بوبكر الصغير أنّ "حركة النهضة تمضي نحو الاضمحلال بما أنّها جزء من الإسلام السياسي، وما وقع في 25 من تموز (يوليو) 2021 شكل غلقاً لقوس الإسلام السياسي في تونس، لذلك لا أستبعد عودة الحركة إلى النشاط السري، فهو سيناريو مطروح خصوصاً بعد إغلاق مقارها".
ويقول الصغير لصحيفة (إندبندنت): إنّ "النهضة استنفدت كل إمكاناتها ومشاريعها، فهي دخلت مرحلة السرية في وقت سابق، وأسست على فكرة عقائدية دينية، وحاولت أن تظهر كحزب مدني ليبرالي، واستغلت مرحلة تاريخية عاشتها تونس منذ 2011، وتمكنت من الحكم وكرّست نفسها كسلطة، وخاضت تجربة الحكم والسلطة، لكنّها فشلت ولم تحقق منجزاً واحداً.
وشدد على أنّ "الحركة تعيش الآن تخبطاً في قيادتها في مرحلة ما، وقد تسعى إلى تغيير اسمها وجلدتها من أجل تحقيق ولادة ثانية، وفي مرحلة أخرى تتعاطى السياسة بصور مختلفة، لكنّها تلعب في الوقت الضائع، لأنّ الإسلام السياسي انتهى، والعالم دخل في مرحلة جديدة".
ويعتقد الباحث التونسي أنّ حركة (النهضة) نفسها تدرك أنّها دخلت في مرحلة مخاض صعب وتبحث عن ولادة جديدة، وهذا أمر صعب، لأنّه ليس لها مشروع تقدمه للتونسيين ولا صيغة يمكن أن تظهر بها، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي، إذ لم يعد لها أيّ شعبية، وحتى فكرة المظلومية لم تعد تعطي أكلها".
تغيير أم مناورة
خلال الفترة الماضية تعالت الأصوات داخل حركة (النهضة) المطالبة بالتغيير، وكان ذلك جوهر الخلافات الداخلية، بين تيار تقليدي محافظ وتيار يدعو إلى التجديد من أجل البقاء، وبين هذا وذاك تبدو الحركة الإخوانية مشتتة إلى حد كبير وعاجزة عن تقديم طرح محدد لسياقات المرحلة القادمة، ويصف مراقبون كافة التحركات داخل الحركة بأنّها وهمية، وتستهدف العمل من أجل البقاء والعودة إلى المشهد السياسي، ولا تستهدف تغييراً حقيقياً.
بوبكر الصغير: حركة (النهضة) تمضي نحو الاضمحلال؛ بما أنّها جزء من الإسلام السياسي، وما وقع في 25 تموز (يوليو) 2021 شكّل غلقاً لقوس الإسلام السياسي في تونس.
لكنّ الأمين العام للحركة، الذي جاء من أجل ترتيب البيت الداخلي للحزب، يؤكّد أنّ النهضة تتغيّر فعلاً، بانتهاج أسلوب اتصالي جديد يقطع مع خطاب سياسي متقادم، أساء إلى سمعة الحركة أكثر من إفادتها، بحسب صحيفة (العرب).
ويكرّر الوريمي أنّ الحركة بصبغتها الجديدة لا تسعى للعودة إلى السلطة، بل ستنغمس في القيام بمراجعات جذرية لإصلاح أخطاء سياسية مرتكبة اقترنت بالفترة التي سميت "العشرية السوداء".
ما سيناريوهات المستقبل؟
تطرح دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية للباحثة رحاب الزيادي سيناريوهين لمستقبل حركة النهضة في تونس، في ضوء الإرهاصات الراهنة.
يتمثل السيناريو الأول في تفكك الحركة نتيجة الأزمات التي شهدتها على مدار الأعوام الماضية، وعزم الدولة على استمرار التحقيق القضائي في القضايا التي يتورط فيها أعضاء النهضة، ومن ثمّ قد يقود ذلك إلى حلّ الحركة وتفككها، في ضوء توجه نواب البرلمان منذ فترة لتوقيع لائحة سياسية وتصنيف الحركة بأنّها إرهابية على خلفية القضايا المتورطة فيها، والتي تمس الأمن القومي للدولة التونسية؛ ومنها إنشاء جهاز سري، والتآمر على أمن الدولة، والاغتيالات السياسية، وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر.
دراسة: حركة (النهضة) قد تحاول التأقلم بالاستمرار سراً إلى حين توفر فرصة سانحة، على غرار عودتها في السابق، بالرغم من اعتقال قادتها، فعلى مدار تاريخها شهدت الحركة عدة اعتقالات.
وقد تضمنت اللائحة تأكيد ضرورة محاسبة كل من أجرم في حق الشعب خلال العشرية الأخيرة، والعمل على تحقيق المفهوم الصحيح للسيادة باسترجاع المؤسسات الوطنية من الاختراقات التي دأبت عليها حركة (النهضة).
يضاف إلى ذلك قرار منع الاجتماعات في مقر حركة (النهضة)، وإغلاقه، وهو ما يعرقل من نشاطها السياسي، لكن يبقى هناك تحدٍّ يواجه هذا السيناريو عبر مواجهة ضغط خارجي من دول تدعم الحركة، ومن ثمّ قد يقابل ذلك دعم النظام الحالي، من قبل دول أخرى لها موقف مضاد من تيارات الإسلام السياسي في تونس.
عودة إلى السرّية
أمّا السيناريو الثاني، بحسب الباحثة، فيتمثل في اتجاه حركة (النهضة) إلى محاولات التأقلم بالاستمرار سراً إلى حين توفر فرصة سانحة على غرار عودتها في السابق بالرغم من اعتقال قادتها، فعلى مدار تاريخها شهدت الحركة اعتقالات.
النهضة قد تتفكك نتيجة الأزمات التي شهدتها على مدار الأعوام الماضية، وعزم الدولة على استمرار التحقيق القضائي في القضايا التي يتورط فيها أعضاء النهضة، ومن ثمّ قد يقود ذلك إلى حلّ الحركة وتفككها.
وفي بعض الأحيان قامت حركة (النهضة) بالعمل السرّي خلال عهد الرئيسين السابقين (الحبيب بورقيبة، وزين العابدين بن علي)، ومُنعت في بعض الأحيان من النشاط، واعتُقل قاداتها وتمّ تهجيرهم، ولم تكن هذه المرة الأولى في تاريخ الغنوشي التي واجه بها الاعتقال، فقد تم الحكم عليه في عام 1981 بالسجن لمدة (11) عاماً، وقضى حوالي (3) أعوام، ثم خرج ضمن عفو عام، وحُكم عليه غيابياً بالسجن مدى الحياة في عامي 1988 و1991، لكنّه هرب إلى بعض الدول ومنها الجزائر في عام 1989، ثم السودان وبريطانيا، وحصل على اللجوء السياسي في عام 1993، واستمر حوالي (21) عاماً، ثم عاد بعد ذلك إلى تونس مع الثورة.
استناداً إلى ذلك؛ هناك احتمالية لعودته إلى ممارسة العمل السياسي بعد قضاء مدة السجن، وليس بالضرورة العودة إلى رئاسة الحركة، والاتجاه إلى اختيار قيادات جديدة لرئاستها.
في هذا السياق تشير الباحثة إلى أنّ وجود بعض قيادات الصف الأول والثاني في السجن، فضلاً عن إغلاق المقر الرئيسي للحركة، كلها عوامل ساهمت في إرباك وتراجع مكانة حركة (النهضة) التونسية، وكذلك شعبيتها، إلا أنّها قادرة على التأقلم والعمل سرّاً في بعض الأحيان؛ وبالتالي قد تستطيع العودة مجدداً على المدى المتوسط، لكن يبقى الأمر هنا مرهوناً باتجاهات الدولة في تونس، وهل يحسم الأمر سريعاً في القضايا المتورطة فيها، إلى أن يصل الأمر إلى قرار سياسي وإداري بحظر وحلّ الحركة على المدى القصير؟