
ما تزال حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه، التي اختفت عصر الأحد، تبعث بردود فعل متباينة، خاصة مع الأوضاع الإقليمية الراهنة التي تشهدها الحرب في غزة وضلوع طهران فيها بشكل رئيسي، فضلاً عن الأوضاع الداخلية التي تشهد استقطابات عديدة واحتجاجات نتيجة عدة ملفات، كان من بينها قانون "العفة والحجاب" الذي سعى رئيسي إلى فرضه وتعميم الحجاب القسري كرهاً ومن دون مرونة.
ارتباك وقلق
قال التلفزيون الرسمي الإيراني أمس، في تصريحات أولية عقب اختفاء الطائرة التي كان على متنها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي وخطيب جمعة تبريز آية الله علي آل هاشم: إنّ هناك هبوطاً اضطرارياً بالقرب من الحدود مع أذربيجان، بينما ذكر وزير الداخلية أحمد وحيدي: "إنّ المروحية نفذت هبوطاً صعباً". وسبق للتلفزيون الرسمي أن ذكر: "عند العثور على المروحية، إنّه لم تكُن هناك أيّ علامة على أنّ ركّاب المروحيّة على قيد الحياة حتّى الآن".
سقوط المروحية الذي أدى إلى مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وعدد من كبار مسؤولي النظام الإيراني، أثار هزات قوية في أركان نظام الملالي. ودفع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى اتخاذ خطوات استباقية لمنع تفاقم الأزمة، حسبما يوضح موسى أفشار، عضو اللجنة الخارجية للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، موضحاً لـ (حفريات) أنّ من بين علامات القلق والارتباك التلكؤ في الإعلان عن تفاصيل الحادث وملابساته وقد "ظهرت جلية على النظام منذ اللحظات الأولى للحادث، حيث سعى إلى التكتم على الخبر وتأخير إعلانه حوالي (18) ساعة، خوفاً من تبعات هذا الحدث وتأثيره على الرأي العام الداخلي والخارجي".
وبحسب أفشار، فقد عقد مجلس الأمن الأعلى اجتماعاً طارئاً في مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، وأصدر تعليمات صارمة لقوات الحرس الثوري وقوات القمع الأخرى برفع حالة التأهب القصوى استعداداً لأيّ طارئ. وتابع: "إبراهيم رئيسي شغل مناصب حساسة في النظام الإيراني خلال العقود الماضية، بدءاً من توليه منصب نائب المدعي العام في طهران في أوائل الثمانينيات، وقد لعب دوراً رئيسياً في مجزرة السجناء عام 1988، التي راح ضحيتها (30) ألف من السجناء السياسيين من المعارضة الإيرانية. كما شغل منصب نائب رئيس السلطة القضائية ومدعي عام إيران، قبل أن يعينه خامنئي رئيساً لمؤسسة "آستان قدس رضوي"، وهي إحدى أكبر المؤسسات المالية في النظام. وتوج خامنئي مسيرة رئيسي بتعيينه رئيساً للسلطة القضائية عام 2019، ثمّ رئيساً للجمهورية عام 2021".
ثقة خامنئي وصعود رئيسي
وأشار أفشار إلى أن ثقة خامنئي المطلقة في رئيسي تعود إلى مشاركتهما في مجزرة السجناء، التي شكلت نقطة تحول في تاريخ النظام الإيراني. فمن خلال هذه المجزرة تم تطهير النظام من معارضيه، وتوحيد صفوفه تحت قيادة خامنئي. وبدأت خطة خامنئي لتثبيت سلطته بتعيين رئيسي في مناصب حساسة ذات نفوذ كبير، بدءاً من المؤسسات الاقتصادية، ثم السلطة القضائية، وصولاً إلى رئاسة الجمهورية.
وأضاف أفشار: "خلال الأعوام الـ (5) الماضية واصل خامنئي تطهير أجهزة النظام المختلفة، بمساعدة رئيسي"؛ ممّا أدى إلى هيمنة الحرس الثوري على جميع مفاصل الدولة. وجود رئيسي على رأس السلطة التنفيذية سمح للحرس الثوري باستخدام جميع إمكانيات الدولة لخدمة أهدافه، بما في ذلك الترويج للحرب وتصدير الإرهاب. واختتم أفشار حديثه مؤكداً على أنّ الحكومة الإيرانية بأكملها باتت في خدمة الحرس الثوري.
يتفق والرأي ذاته الكاتب والسياسي مسعود محمد، الذي يشير إلى ارتباك في التغطية الصحفية للحادث، فوكالة (تسنيم) الإيرانية قالت إنّ حادث طائرة الرئيس الإيراني لم يسفر عن خسائر بالأرواح، ثم لاحقاً أعلن التلفزيون أنّ مروحية الرئيس الإيراني اضطرت للهبوط بسبب سوء الأحوال الجوية، وأنّ الرئيس نقل براً إلى محافظة أذربيجان الشرقية. وليس هناك وضوح حول حقيقة ما حصل لطائرة الرئيس، موضحاً لـ (حفريات) أنّه بالنظر إلى حادثة تحطم المروحية التي تنقل الرئيس الإيراني وكبار المسؤولين في إيران سنرى أنّ انفصال المروحية عن موكب المروحيات التي تنقل الوفد الحكومي المرافق للرئيس الإيراني ودخولها في غابات كثيفة ومنطقة شديدة الضباب ليس أمراً طبيعياً، ممّا يعني ارتفاع احتمالية الاغتيال المدبر".
وحسب المعطيات، فإنّ المنطقة تضم غابات كثيفة وشديدة الضباب وممطرة، والأهم من ذلك أنّ المنطقة تضم صخوراً بارتفاع (70) متراً لكل صخرة، ممّا يؤكد أنّ المروحية حتى لو سقطت بشكل عادي، فإنّها ستسقط على الصخور وتنفجر بشكل حتمي، وفق محمد. ويردف: "أمّا تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فهي في البداية كانت تدل على أنّه مجرد حادث طبيعي والرئيس الإيراني بعيد عن الخطر، وبعدها بدؤوا يقولون إنّ المنطقة صخرية، بعدها قالوا إنّه سيتم اجتماع للأمن القومي بحضور خامنئي، لكنّهم نفوا، وبعد النفي تمّ الاجتماع".
وكالة (تسنيم) الإيرانية تقول: إنّ الحرس الثوري يستخدم قنابل مضيئة في عملية البحث عن مروحية الرئيس الإيراني ومرافقيه، بينما عدم الوصول إلى حطام الطائرة، يظهر، وفق المصدر ذاته، أنّ إيران ينكشف عجزها التكنولوجي في حماية حتى قيادتها. من جهة ثانية، بانتظار الكشف على الطوافة المفقودة حتى الآن، نكون أمام (3) احتمالات؛ الأوّل ظروف طيران غير ملائمة أو خطأ بشري، والثاني اكتشاف الصندوق الأسود يوضح ما إذا كانت الطوافة قد تعرضت للتشويش أم لا، وهنا يطرح احتمال دور للأجهزة الإسرائيلية المتواجدة في دولة أذربيجان، أي التشويش، والثالث أن يكون الحادث ناجماً عن عملية أمنية كما حصل مع طائرة بريغوجن، وهذا يعني أنّ الصراع الداخلي في إيران بلغ مستويات قد تتدحرج نحو تصادمات بين مراكز القوى الداخلية؛ وبالتالي ذلك يعني أنّ مصير النظام عبر الصراع العنفي على السلطة أصبح على المحك. وهذا كله يؤكد مقتل الرئيس الإيراني حسب المعطيات الحالية...، وننتظر الإعلان الرسمي فقط.