قواعد الفكر الإخواني (6): انتظار تعليمات القيادة المصطفاة

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (6): انتظار تعليمات القيادة المصطفاة


13/12/2017

كثيراً ما يُثار التساؤل حول سرّ تبني تلك الجموع من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات وغيرهم، ممن تبدو عليهم مسحات من العقل والنباهة أفكار جماعة الإخوان ومشروعها، لكن يزول هذا الاستغراب المشروع عند قراءة بعض أدبيات الجماعة التي تقف وراء سر تلك المأساة التي تكررت في أقطار مختلفة.

العصبة المختارة 

تظن الجماعة أنها عُصبة المؤمنين المختارة من الله لإقامة الخلافة على الأرض التي ستملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، لتصل بعدها إلى مرحلة أستاذية العالم حين تجلس أمم الأرض في موضع التلميذ من المعلم الملهم تنظر إليه في إكبار وتقدير، والجماعة لا تلقي هذا الكلام دون خطط أو أفكار واضحة؛ فقد شرحت أدبياتُها خطتَها في الوصول إلى هذا الهدف بوضوح وحسم، حين حددت مراحل عملها بسبع مراحل، تبدأ بإعداد الفرد، فالأسرة، فالمجتمع، فالحكومة، فالدولة، فالخلافة، فأستاذية العالم.

راكمت الجماعة خبرات حركية وتنظيمية مكنتها من ابتداع طريقة للتجنيد تعتمد غزو القلوب بمراحل محكمة

حجر الزاوية إذاً في هذا المشروع هو تهيئة الفرد الإخواني لتبنّي مقولات ووسائل الجماعة التي اصطفاها الله، والجماعة باعتبارها مختارة من الله فهي أيضاً تختار عناصرها عبر برنامج تجنيد خطير، يعتمد غزو القلوب وأسْر العواطف سبيلاً لتعطيل العقول وتسليم القياد سمعاً وطاعة تامة لقيادتها.

لا ينتسب أحد لجماعة الإخوان بقرار عقلي محض، يأتي عقب تقليب الأفكار والمبادئ والبرامج التي تدعو لها، لكن النتيجة أنه ينتظم في صفوفها ويصبح جندياً يسمع ويطيع لقيادة التنظيم، التي تحرص بالمقابل على تكريس صورتها في وعي الأفراد كأولياء صالحين لله جمعت عقولهم الملهمة أدب الدنيا والدين.

عندما يتيقن العضو أنّ "الإخوان" هي الجماعة الأولى بالاتباع يعطيها ولاءه التامّ بعدما أضحى عضواً مختاراً في "جماعة مختارة"

تنطلق الجماعة في رؤيتها لنفسها من حقيقة اطمأنت لها، تقول إنّ جماعة المسلمين ليست موجودة في عالمنا اليوم، وإن إيجادها هي مهمة مقدسة انشغلت بها العديد من الجماعات الدينية التي ظهرت في القرن الأخير، وقد سوّق الإخوان لتلك الفكرة عبر ترويج بعض كتابات جمال الدين الأفغاني، حول التناقض بين الدين والوطنية، والخلط بين ضرورة الدولة ونظام الحكم العادل والخلافة كمرحلة تاريخية لنظام حكم له وعليه، لكنها اختارت هذا الإطار العاطفي سبيلاً لتعبئة المشاعر والقلوب لتحوز الحكم من خلاله في النهاية، باستلال فكرة من بطون التاريخ وتسكينها في الواقع.

تظن الجماعة أنّها عُصبة المؤمنين المختارة من الله لإقامة الخلافة على الأرض التي ستملأ الدنيا قسطاً وعدلاً

ومن ضمن الكتابات التعبوية التي استخدمتها الجماعة في هذا السبيل، كتاب "الطريق إلى جماعة المسلمين" لمؤلف مغمور يُدعى حسين بن جابر تم تسويقه ضمن أدوات التجنيد لأفكار الجماعة خصوصاً في أوساط الخليج العربي، الذي يحتفي بهذا اللون من الكتب المترعة بالنصوص والآثار التي تقنع القارئ بموضوعه الذي يدور حول أنّ "جماعة المسلمين أو الحكومة الإسلامية العامة في صورة جماعة المسلمين غير موجودة، وإيجادها فرض عين على الأمة الإسلامية كافة حتى توجد، وهو فرض عصرها حتى تقوم تلك الدولة العامة التي يغطي سلطانها كافة الأقطار الإسلامية، ومن العمل على إيجادها الكتابة عن الطريق إليها على قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يزعم الإخوان أنّ تعدُّد الجماعات في الأمة الإسلامية باطل، والواجب أنّ تصبّ جهود الأمة كلها في قالب واتجاه واحد

صدّر المؤلف بحثه بكلمة وردت على لسان الخليفة عمر بن الخطاب تقول إنه "لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بطاعة"، والخلط واضح بين ضرورة وجود إطار لأي أمة وحاكم شرعي يحكمها ويسيّر أمورها؛ حيث لا تنتظم أحوال الناس إلا في ظل نظام يرعى شؤونهم بالعدل، وقد مضت التجربة الإسلامية بين نبوة خالطها حكم ثم خلافة خالطتها نبوة، حتى أضحت ملكاً وراثياً ظل يدّعي الشرعية، ثم حكم عسكري، وظلت كل تلك الأنماط تدّعي الصلة بوحي السماء وجلال النبوة.

انتقال الحكم بين بهاء النبوة واجتهاد الخلافة وولاية العهد في نظام وراثي ضاعت معه معالم نظام ثابت يمكن الاحتجاج به أو الدعوة إليه؛ حيث مضت تجارب الحكم منسجمة مع تطور العمران البشري وتحديدها زمنياً دون الاستبداد بالحكم، وتحت مظلة المواطنة التي تحفظ للجميع حقوقهم في دولة لا تميز بين بنيها على أساس ديني أو عرقي، لم نقدم نحن المسلمين لا بالنظرية ولا بالتجربة إطاراً صارماً يضمن حقوق الناس، ويحقق لهم الرفاه والعدل، ومع ذلك بقيت جماعات تدعى أنها تملك التصور الأنقى والأرقى والأكمل.

تعدد الجماعات باطل

التنوع هو سمة كل الحضارات المعتبرة والسنة الإلهية "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"، تلك السنّة الراسخة تعتدي عليها الجماعة وتنصب نفسها مبعوث العناية الإلهية الذي يتبرم حتى بمن يعملون معه؛ يقول حسين بن جابر في كتابه "وتعدُّد الجماعات في الأمة الإسلامية باطل يجب أنّ يزول، والواجب في اعتقادي أنّ تصبّ جهود الأمة كلها في قالب واحد وفي اتجاه واحد، ذلك القالب الذي يجب أنّ ينطوي تحته كل فرد عامل لإعادة الخلافة الإسلامية".

ما صنعته الجماعة أنّها صبت أعضاءها في قالب واحد ينتظر تعليمات القيادة المختارة

هذا هو ما صنعته الجماعة بصب أعضائها في قالب واحد ينتظر تعليمات القيادة المختارة، وهو الشخص المختار الذي يخاطبه البنا في كتابه "مذكرات الدعوة والداعية" قائلاً: "فأحب أنْ أقول لكم هنا بكل وضوح إنّ دعوتكم هذه أسمى دعوة عرفتها الإنسانية، وإنكم ورثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه على قرآن ربه، وأمناؤه على شريعته وعصابته التي وقفت كل شيء على أحياء الإسلام، في وقت تصرفت فيه الأهواء والشهوات، وضعفت عن هذا العبء الكواهل، وإذا كنتم كذلك فدعوتكم أحق أنّ يأتيها الناس ولا تأتي هي أحداً، وتستغني عن غيرها إذ هي جماع كل خير، وما عداها لا يسلم من النقص".

خبرات متراكمة في التجنيد

لكن الفكرة المركزية التي سعى لها الكاتب وجماعته، أنّ الإخوان الجماعة المختارة من الله التي استكملت شرائط الجماعة الأولى بالاتباع والنصرة، وأن طاعتها وطاعة مرشدها من طاعة الله، بعدها تأتي الجماعة لتختار عناصرها من بين الأغنى والأسلس قياداً، وقد راكمت الجماعة خبرات حركية وتنظيمية مكنتها من ابتداع طريقة للتجنيد، تعتمد غزو القلوب أيضاً عبر مراحل سبعة، تبدأ بالتعرف الدقيق على الشخص المرشح ودراسة كل دقائق حياته واكتساب صداقته وثقته، حتى يصبع المجنِّد يحظى بثقة المدعو يعود إليه في كل شيء، ويصبح مصدر توجيهه.

يزعم الإخوان أنّهم استكملوا شرائط الجماعة الأولى بالاتباع والنصرة وأن طاعتهم وطاعة مرشدهم من طاعة الله

ثم يخطو إلى مرحلة تُسمى في أدبيات التنظيم بإيقاظ الإيمان المخدَّر في الصدور؛ أي تكريس شعور دائم بالتقصير والرغبة في استدراك هذا النقص، عبر التزود من العبادات والشعائر التي تخلق في نفس الشخص شعوراً بالتطهُّر والاستغراق في تلك الحالة، فيعاجله الداعية بأن العبادة مفهوم أشمل من طقوس الصلاة والصوم وتلاوة القرآن، وأن الفهم الصحيح للدين أنه دين حكم وسياسة، كما هو دين خلق وعبادة، وأن هذا الدين يواجه مؤامرة من الداخل والخارج، وأنه مسؤول عن نصرة دينه، وأن الكيد لهذا الدين جماعي، لذا يجب أنْ تكون نصرته أيضاً في جماعة، لكن من هي الجماعة الأولى بالاتباع؟ إنها تلك التي تأخذ بشمول الوسائل والغايات جماعة الإخوان، التي صنعت لها تلك الصورة مؤلفات مثل "الطريق لجماعة المسلمين"، و"ماذا يعني انتمائي للإسلام" لفتحي يكن وغيرها الكثير، وعندما يتيقن العضو أنها هي الجماعة الأولى بالاتباع يعطيها ولاءه التامّ، بعدما أضحى عضواً مختاراً في جماعة مختارة، لتبدأ مأساة شخص وتبتلع الجماعة وقوداً جديداً لحركتها العبثية.

 

 

الصفحة الرئيسية