خبراء لـ"حفريات": على الجزائر كسب 4 تحديات لتفادي الأسوأ

الجزائر

خبراء لـ"حفريات": على الجزائر كسب 4 تحديات لتفادي الأسوأ


15/08/2018

شدّد خبراء في الشأن الاقتصادي على أنّ الجزائر مدعوة لكسب أربعة تحديات لتفادي صدمات السنوات الخمس القادمة، لكنهم نفوا، في تصريحات حصرية لـ "حفريات"، وجود أزمة اقتصادية في الجزائر، بسبب ما طال البلاد في السنوات الأربع الأخيرة، بفعل تراجعات النفط وهبوب رياح التقشف.

ينفي الوزير السابق عبد الرحمن بن خالفة، والخبير الدولي امحمد حميدوش، والمستشار عبد الرحمن مبتول "

ويلتقي الخبراء عند تموقع الجزائر حالياً في مفترق الطرق، ما يقتضي الانتصار لنظرة مغايرة تتصدى للأسوأ في آفاق العام 2023.

وزير المالية الجزائري السابق، عبد الرحمن بن خالفة

ويقول الوزير الجزائري السابق للمال، عبد الرحمن بن خالفة، إنّ راهن بلاده معقّد، لكنه جيد مقارنة بدول أخرى.

بهذا المعنى، يسجّل بن خالفة أنّ "الجزائر تصدّر النفط كثيراً، لكنها تستورد أكثر وبوعاء يتعدى 45 مليار دولار سنوياً، لكني أقول إنّ الوضع الحالي جيد بالنسبة لدول أخرى، طالما أنّ الجزائر تملك مخزوناً نقدياً يغطي سنتين، فضلاً عن تصاعد أسعار البترول بعد طول انخفاض".

اقرأ أيضاً: هل ستحرك احتجاجات "عاصمة النفط" الحكومة الجزائرية؟

ويرفض المسؤول الحكومي السابق، جنوح البعض إلى ما يسميها "السوداوية"، ويوضّح: "الظرف الحالي في الجزائر من حيث النفط والزراعة، جعلا ميزانية الدولة ترتفع بـ 2500 مليار دينار في 2018، وهذا يؤشر على تزايد الصفقات العمومية وتفاعل الحراك الاقتصادي، بما يدفع وتيرة التنمية التي تعرفها البلاد".

نموذج جديد لمغادرة مفترق الطرق   

يقرّ بن خالفة بأنّ المرحلة الحالية في الجزائر لا تخلو من المخاطر. ويقول جازماً: "على الجزائر تكثيف تنافسية الاقتصاد الحقيقي غير الاقتصاد الطاقوي، وهذا يتطلب استحداث نموذج جديد، وحتى وإن كانت الجزائر لا تزال بلداً غنياً بثرواتها الطاقوية، فالاستمرار في النهج الحالي غير وارد".

ويُبدي الوزير السابق أسفه لكون "انتقال الجزائر من الاقتصاد النفطي طال"، ما حال دون تحقيق وثبة نوعية على أكثر من صعيد.

إذا لم يكن هناك تغيير وتبني مقومات الحكم الراشد، فلا سبيل للجزائر غير السقوط في مستنقع صندوق النقد الدولي

ويستطرد: "لا بدّ أن تعرف الجزائر في السنوات الثلاث القادمة، سلسلة قفزات هيكلية تتم بمحاسنها ومساوئها، وطبعاً هذا الانتقال ستكون له تداعيات مع الاستمرار في التمويل بطرق غير تقليدية، وإذا تأخر الأمر إلى مرحلة ما بعد العام 2021، فإنّ القدرة الشرائية ستضعف أكثر على المدى المتوسط". 

ويعرب بن خالفة عن اعتقاده "بأننا في مفترق طرق، والتحرّر يقتضي انفتاحاً هيكلياً وتفعيلاً لورشات كبرى تتيح المقاومة لصدمات اقتصادية غير مأمونة، وعليه فالأريحية الحالية لا يمكن أن تضمن الديمومة في الجزائر".

الخبير الجزائري السابق في البنك الدولي، الدكتور امحمد حميدوش

سيولة واحتياطات

من جهته، يركّز الخبير الجزائري السابق في البنك الدولي، الدكتور امحمد حميدوش، على أنّ الجزائر لا تعاني في الأصل من أية أزمة اقتصادية، رغم انقضاء أربع سنوات عن تراجعات أسعار النفط.

وفي تصريحات لـ "حفريات"، يقول حميدوش أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر: "الدخل القومي يربو عن 200 مليار دولار سنوياً، والنمو ثابت ويتراوح ما بين 2 و3 من المئة. وبعملية حسابية بسيطة نجد أنّ الجزائر تكسب نحو 600 مليار دولار كثروة جديدة كل عام".

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب شددت الخطوط الجزائرية الرقابة على رحلاتها إلى قطر وتركيا والإمارات

ويضيف حميدوش: "ما يلوكه البعض عن معاناة الجزائر من أزمة مالية، غير دقيق، فالحديث عن أزمة مالية يكون عندما يعاني بلد ما من مشكلتي سيولة وادخار، وذلك غير موجود بالجزائر، فالبنك المركزي يملك احتياطي صرف بـ 97 مليار دولار، والسيولة في سائر البنوك الحكومية متوافرة".

أزمة موازنة  

يشدّد حميدوش على أنّ مشكلة الجزائر الرئيسية هي "أزمة موازنة"، ويشرح أنّ البلاد تعودت على إنفاق 100 مليار دولار سنوياً، وأية حكومة دأبت على رصد نصف الدخل القومي وإعادة تقسيمه، مع أنّ الجزائر تكفيها موازنة سنوية على أساس 75 إلى 80 دولاراً، وتوازن الميزانية، في نظر حميدوش، متاح في حدود 72 دولاراً (71.78 دولاراً).

ويتصور الخبير المالي أنّ معضلة الجزائر المزمنة في اعتماد قانون قديم للموازنة منذ 34 سنة خلت، حيث ما يزال الاتكاء على قانون 84/19، في وقت تفرض متغيرات السنوات الأخيرة وتحديات الراهن والقادم، تبني تشريعاً مستحدثاً.

ويوضح حميدوش: "تعودنا على وتيرة انفاق معينة، والاشكال يكمن في كيفية ترشيد موازنة الدولة، والانتصار لإصلاحات تنهي عقوداً من مجانية الخدمات، فعلينا أن نتفق أنّ التعليم خدمة والصحة خدمة وهلّم جراً .. والتعاطي على هذا المنوال بات ضرورياً في بلد يملك عدد موظفين أكثر من فرنسا وأقلّ من أمريكا".

تعاملات الجزائر النفطية مع آسيا لا تزال راكدة

أخطاء وإفرازات

ينبّه حميدوش إلى أنّ الجزائر تشكو تبعات أخطاء منهجية لا اقتصادية، مستدلا بتوليفة التمويل غير التقليدي التي تعتمدها الحكومة منذ أيلول (سبتمبر) 2017، في بلد بات يعاني من عجز يربو عن 2000 مليار دينار قبل أشهر عن أهم موعد سياسي في الجزائر العام القادم وهو انتخابات الرئاسة.

ويؤكد حميدوش "طبع العملة المحلية (الدينار) خطأ واضح، حيث كان يمكن لبنك الجزائر المركزي شراء سندات حكومية عبر البورصة، ويعيد طرح تلك السندات في السوق ولقاء فوائد مهمة، لكن السلطات آثرت أن تكون العملية مباشرة، مما جعل القضية إدارية ولا تؤتي أكلها". 

فوضى الأسعار ناجمة عن سوء التنظيم، وعجز الحكومة إلى حد الآن عن ضبط حراك أسواق الجملة والأسواق الجوارية

وأمام ما تشهده الأسواق المحلية من موجة غلاء متجددة وانفلات رهيب لأسعار المواد الواسعة الاستهلاك، يذهب حميدوش إلى أنّ "فوضى الأسعار ناجمة عن سوء التنظيم، وعجز الحكومة إلى حد الآن عن ضبط حراك أسواق الجملة والأسواق الجوارية، هذه الأخيرة لا يزال تنظيمها قديم ويعود إلى ثمانينات القرن الماضي".

ويستغرب حميدوش لالتهاب سعر البطاطا (مئة دينار للكيلوغرام أي ما يعادل دولاراً واحداً): "جني البطاطا يتم مرتين في العام، مطلع كانون الثاني (يناير) وحزيران (يونيو)، ووزارة التجارة تدرك حجم الكميات، ويُفترض أنّها على علم بقنوات التوزيع والبيع وو..، إلاّ أننا في الجزائر لا نعرف من يُهمين ومن يسيّر، والسوق غارقة في الغموض والأمور لا تلعب لمصلحة المزارعين وسائر المنتجين، ما أفرز فوضى الأسعار وعشوائية عارمة".

ولوّحت الحكومة منذ ثماني سنوات خلت بقانون تسقيف الأسعار، وتنظيم هوامش الربح بموجب دفتر شروط، إلاّ أنّ لا شيء تحقق، خلافاً لما يحدث في تونس وفرنسا على سبيل المثال لا الحصر.

 الخبير الاقتصادي الجزائري، عبد الرحمن مبتول

رهان 2030

يسجّل الخبير الاقتصادي الجزائري عبد الرحمن مبتول أنّ تعداد مواطنيه بلغ 42 مليون نسمة هذا العام، وسيقفز إلى 50 مليوناً سنة 2030، وهو ما يفرض تحديات يتعين الوفاء بموجباتها في غضون الـ 12 سنة المقبلة.

ويضيف مستشار الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال: "أهم معطى أنّ الاقتصاد الجزائري لا يزال رهينة النفط بنسبة تربو عن 98 من المئة، في المقابل، لا يزال قطاع خارج المحروقات يساهم بقدر محتشم للغاية في التنمية المحلية".

وخلافاً لتهليل البعض في الجزائر لإمكانية تسجيل طفرة جديدة في المحروقات، يرفض مبتول هذا الطرح، ويدفع بكون سعر الغاز هبط إلى حدود النصف (33 % من إيرادات الجزائر آتية من الغاز).

ويُقحم مبتول معطى ثانياً؛ فتعاملات الجزائر النفطية مع آسيا لا تزال راكدة، وأي نقل للنفط الجزائري إلى آسيا يتمّ عبر قنوات أوروبية وبأسعار تثقل كاهل الجزائر أمام منافسة شرسة من طرف النرويج وروسيا.

مغبّة "النوم في العسل"

في تقاطع مع طرح الخبير امحمد حميدوش، يوقن مبتول أنّ "الجزائر تعاني من أزمة الحكم الراشد، ولا تشكو من أزمة مالية".

اقرأ أيضاً: كيف يهيمن صندوق النقد الدولي على النظام الاقتصادي العالمي؟

ويحذّر أستاذ الاقتصاد من مغبّة "النوم في العسل"، فاحتياطي الصرف في الجزائر بلغ 97 مليار دولار بنهاية 2017، وسيتراجع إلى 84 مليار دولار في أواخر السنة الحالية، ومرشّح لأن يتناقص إلى 12 مليار دولار بنهاية 2022.

وإذا كان دين الجزائر الخارجي بحدود 6.3 مليار دولار حالياً، فإنّه مهدّد بالتفاقم في آفاق عام 2023، وذاك يعني الذهاب الى إعادة الجدولة، واجترار التدابير الكارثية التي أملاها صندوق النقد الدولي على الجزائر عام 1994.

التغيير لتفادي صدمة 2023

يلاحظ مبتول: "إذا لم يكن هناك تغيير، ولم يتم تغليب الكفاءة وتبني مقومات الحكم الراشد، فلا سبيل للجزائر غير السقوط في مستنقع صندوق النقد الدولي".

اقرأ أيضاً: ثورة التحرير الجزائرية: نحن ثرنا فحياة أو ممات

ويتابع: "النفط لن يتعد عتبة المئة دولار، وسيبقى في حدود 70 دولاراً، أو 80 إلى 90 دولاراً في حال نشوب أزمة شرق أوسطية كبيرة، لذا الحلّ في الجزائر يقوم على تفعيل الخزان الضخم من الطاقات المتجددة، وكسب رهان الفعالية الطاقوية، بما ينسجم مع النظرة الإستراتيجية الجديدة (2025 – 2040) واحتمال نشوء قوة اقتصادية كونية رابعة.

الصفحة الرئيسية