
حسن المصطفى
رغم أن الأحداث الجارية في أكثر من قارة تبعث مؤشرات سلبية عن مستوى التوترات بين الدول والأعراق، وعن صدامٍ بين ثقافات ومصالح عدة، ربما أبرز تمظهراتها الحرب الروسية – الأوكرانية، وعودة بعض أعمال التفجير في تركيا، وتمركز "داعش" في القارة الأفريقية ومحاولته ترتيب صفوفه؛ فضلاً عن اليمين المتطرف الشعبوي الذي تعلي بعض أجنحته صوت العداء الصريح للمهاجرين والملونين؛ إلا أنه رغم كل هذا المناخ، يبدو أن القائمين على "منتدى أبوظبي للسلم" لا يزالون مصرين على العمل الدؤوب والمتواصل من أجل السلام، وإشاعة أجواء إيجابية حقيقية وليست صورية، من خلال بناء مشاريع عمل مشتركة بين قيادات روحية ومدنية وحتى سياسية، من ثقافات متنوعة، إيماناً منهم بأن خلاص البشرية واحد، وأن النجاة لا يمكن أن تتم من دون الحوار والتواصل وحل المشكلات بالطرق الدبلوماسية.
"منتدى أبوظبي للسلم"، أقام ملتقاه التاسع، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، الشهر الجاري بعنوان "عولمة الحرب وعالمية السلام"، وأكد فيه رئيس المنتدى الشيخ عبدالله بن بيه على أن "الحاجة ملحة الآن، وربما أكثر من أي وقتٍ مضى، الى مد الجسور والأخذ بالمبادرات، وإتاحة الفرص أمام الجميع، من مختلف أنحاء العالم للتعارف والحوار والعمل المشترك في مواجهة هذه التحديات".
مد الجسور، كما جاء في كلمة العلامة بن بيه، مهمة بدأها فريق المنتدى قبل أشهر عدة، عندما جاب في زياراتٍ مكوكية دولاً عدة، حيث رتبَ الأمين العام لـ"منتدى أبوظبي للسلم" المحفوظ بن بيه، مع مجموعة من الأعضاء، لقاءات مع قيادات روحية ومدنية في الولايات المتحدة والمغرب وبريطانيا وإندونيسيا والسعودية؛ كان هدفها ترسيخ التعاون بين المؤسسات المعنية بالسلام، والتفكير في تفعيل أوراقٍ ومواثيق سبق للمنتدى أن أصدرها كوثيقة "حلف الفضول الجديد"، و"إعلان مراكش"، إضافة الى مشروع يجري الاشتغال عليه بصبرٍ وهدوء يتعلق بـ"المواطنة الشاملة"، والذي يعد أحد المنجزات المهمة المنتظرة، لما سيكرسه من ثقافة عامة مدماكها احترام التعددية والاختلاف، ونبذ العنف، وترسيخ المواطنة والعدالة، والحقوق المتساوية لمختلف البشر بغض النظر عن اللون والعرق والجنس والمعتقد.
البيان الختامي للمنتدى، حاول أن يكسر الجمود الذي اعتادته المؤتمرات المشابهة التي يجتمع فيها القادة الدينيون، ثم ينفضُ السامرُ من دون أي استمرارية أو مشاريع حيوية، ولذا تمت الدعوة إلى "تعزيز وتفعيل دور الشباب والنساء في بناء السلم المحلي والعالمي، وفي الإسهام في رسم السياسات، وبناء الشراكات لتعزيز استقرار المجتمعات وحفظ السلم فيها"، كما أوصى بـ"إدراج قيم السلم والتسامح في مناهج التربية والتعليم على المستوى العالمي، والتعاون مع المؤسسات الدوليّة ذات الاختصاص"، إضافة إلى "تعزيز الشراكات بين المنظّمات العاملة في مجال السلم والمؤسسات الإعلامية العالميّة، وإلى تعاون متعدد التخصصات لإعطاء العناية اللازمة للتعامل مع التحديات النفسية والروحيّة التي تسببها النزاعات والحروب".
الاهتمام بالشباب والنساء من جهة، والتعليم من جهة ثانية، وتفعيل الشراكات الخلاقة مع الإعلام، والسلامة النفسية للأفراد الأكثر تضرراً، إذا تحقق كل ذلك وفق خطة جادة وطويلة الأمد، من شأن ذلك أن يجعل لثقافة السلم حضوراً أكبر، ولا تكون حبيسة نقاشات نخبوية وحسب.
بالطبع، المسؤولية لا تقع على عاتق "منتدى أبوظبي للسلم" وحده، بل هنالك مؤسسات مهمة يمكنها التعاون سوية، والدفع باتجاه الشراكات التي ربما تأخر بعضها، أو يحتاج الى أن يلمس المتابعون أثره بشكل أوضح، خصوصاً أن عدداً من هذه المؤسسات لها خبرتها، ولديها كادرها المؤهل والمدرب، ولديهم جميعاً أهداف متشابهة، وربما أبرز تلك الجهات: رابطة العالم الإسلامي، مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، معهد الخوئي، سلام للتواصل الحضاري... وسواها من المؤسسات النشطة في مكافحة التطرف ونشر ثقافة الاعتدال.
الحكومات في الشرق الأوسط، هي الأخرى، لديها مسؤوليتها في دعم المشاريع التي تقوم بها هذه الجهات، وتسهيل عملها، وجعل "ثقافة السلم" جزءاً من المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، وفتح المجال العام أمام حوارات علنية بين مكونات المجتمع المدني لتتعرف الى بعضها بعضاً، وتتقبل التنوع الثقافي، وتحاصر خطابات التطرف والكراهية.
عن "النهار العربي"