التوظيف السياسي الدولي لأزمة كورونا

التوظيف السياسي الدولي لأزمة كورونا


26/03/2020

طارق فهمي

تباينت الرؤى والتصورات المطروحة من قبل دول العالم للتعامل مع أزمة كورونا وتوظيفها سياسيا واقتصاديا بل واستراتيجيا، وهو ما اتضح من متابعات مباشرة لمواقف بعض الدول، فهناك من طالب مثل روسيا بضرورة رفع العقوبات على إيران في ظل ما تتعرض له من ضغوطات نتيجة لفرض العقوبات الأمريكية، خصوصا مع تتالي ظهور عشرات الحالات، والتي تتكتم عليها إيران، وفرضت ستارا حديديا على ما يجري داخليا، وبعد أن بدأت منظمة الصحة العالمية تنشر بالأرقام بعض الحقائق الجارية.

كما بدأت بعض الدول الأوروبية تجاهر بعدم جدوى الاتحاد الأوروبي بعد فشله الذريع في مساعدة دوله، ولعل الحالة الصارخة تتمثل في إيطاليا، وكيف بدت بمفردها في التعامل مع كارثة إعصار كورونا، وكأن الاتحاد الأوروبي منظمة شكلية لا وجود لها على أرض الواقع، وبرغم تخصيص الدعم المادي الكبير، وهو ما سيعمق بقوة فكرة تفككه لاحقا، وسيرسل للرأي العام الأوروبي رسائل بليغة ويضع بريطانيا في موقعها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

ومن المتوقع- وبعد انتهاء العاصفة أن تكرر دول أخرى ما فعلته بريطانيا، خصوصا من قبل دول شرق أوروبا، حيث وقفت وحيدة في مواجهة إعصار دولي فشلت الدول الكبرى في التعامل معه حتى الآن، وهو ما ينذر بتداعيات غاية في الخطورة في الفترة المقبلة، أو في عالم ما بعد كورونا الذي سيكون عالما مختلفا تماما.

والواضح أن هناك دولا أخرى سعت لاستثمار الحدث من منظور مختلف بحثا عن مكانة دولية أو التأكيد على وضعها العلمي والتكنولوجي مثلما فعلت إسرائيل، حيث سعت للتأكيد على قدرة علمائها في الوصول إلى العلاج من فيروس كورونا بمفردها، ودون دعم أو مساندة العلماء الأمريكيين، وبرغم وجود اتفاقيات علمية مشتركة، ومشروعات للتعاون الصحي والتكنولوجي في ظل ما تملكه من مراكز وبيوت خبرة علمية كبرى لها تصنيف عالمي، وفقا لتقارير التنمية البشرية.

كما أن دولا أخرى مثل روسيا دخلت على خط المنافسة الكبرى لإدارة الازمة والتأكيد على قدرتها في مساعدة الدول المتضررة، كأن روسيا خالية من حالات كورونا، ولكن من الواضح أن القادة الروس لم يتناسوا أنهم كانوا دولة عظمى وأن في مقدروهم تقديم الدعم للعالم.

والغريب والمثير أن تقف دول عديدة في موقف المتفرج وليس لديها أي رؤية في إدارة الأزمة، وأنها باتت في موقع رد الفعل لاعتبارات متعلقة بوضعها السياسي الراهن مثل سوريا وليبيا واليمن، وعشرات الدول الأفريقية التي من المؤكد أن الفيروس وصل إليها ولم تنتبه لها منظمة الصحة العالمية أصلا، في ظل غياب الرؤية، وعدم وجود معلومات أو بيانات صحيحة.

ومن الواضح أيضا أن رؤساء دول وحكومات استثمروا إعصار كورونا في تحقيق أهداف شخصية، وقد ارتفعت شعبية العديد من المسؤولين الكبار، ومن هؤلاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بصورة كبيرة، كما توقف البعض أمام عدد من العلماء الأمريكيين الذين حصلوا على "نوبل"، والذين خرجوا إلى العالم ليؤكدوا أنهم قريبون من التوصل إلى العلاج برغم تصريح الرئيس ترامب بأنه ما زال هناك متسع من الوقت، والرسالة المهمة التي يجب التأكيد عليها أن آليات التعامل مع الأزمة العالمية كشف وبعمق عن قدرات وإمكانات دول وحكومات عديدة، وأن البعض استثمر الكارثة في تأكيد حضوره بصورة كبيرة.

ونجح في هذا بصورة لافتة، وهو ما تجب الإشارة إليه من خلال بناء شرعية جديدة، أو اكتساب شعبية مفقودة، أو تسجيل موقف للتعامل لاحقا مع عالم ما بعد كورونا، خصوصا أن تقييم بعض الدول والحكومات تم بصورة لافتة، وأن قرارات كل دولة انعكست بقوة على غيرها في ظل مواقف متباينة ومختلفة من دولة لأخرى، خصوصا مع غياب فكرة الأمن الجماعي لنظام دولي ضعيف  وهش تقوده الولايات المتحدة منذ سنوات، وقد فشل في التعامل مع أزمة دولية حقيقية، وترك دول العالم خصوصا الصغرى بمفردها، ولا تزال في حين كانت المزايدات الاعلامية من بعض كبار المسؤولين في العالم لتأكيد حضورهم في المشهد وبحثا عن أهداف وأسباب أخرى بما في ذلك كبار المسؤولين في الأمم المتحدة ومنظماتها الإقليمية التي تتابع تمدد خريطة انتشار إعصار كورونا.

في ظل بحث الإنسانية عن حلول حقيقية، وفي ظل المخاوف من تمدد الفيروس وعدم وضوح الرؤية في المواجهة الحقيقية، وبرغم كل ما يتردد، فإن قادة بعض الدول - وهذه هي السياسة في أقصى تعريفاتها - يستثمرون الحدث لاكتساب شعبية أو تحقيق أغراض سياسية.. أعوذ بالله من السياسة وشر السياسة وسائس ومسوس.

عن "العين" الإخبارية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية